نبه تقرير حديث للمجلس الأعلى للسلطة القضائية المغربية إلى ارتفاع نسبة القاصرات اللواتي نشأن في وسط غير مستقر من مجموع الفتيات المتزوجات بشكل مبكر، وهو ما يعكس مدى مساهمة غياب الاستقرار داخل الأسر المغربية في توسيع ظاهرة زواج القاصرات. وأشار التقرير إلى أن تراجع المستوى التعليمي للفتيات والمستوى الاجتماعي والثقافي لأسرهن من العوامل التي ساهمت أيضا في نمو الظاهرة.
يشهد زواج القاصرات في المغرب ارتفاعا ملحوظا خصوصا في الأوساط الفقيرة التي تعاني هشاشة اجتماعية وموارد مالية شحيحة وانخفاضا في مستوى التعليم.
ويؤكد خبراء علم الاجتماع أن هذه العوامل ساعدت على توسع الظاهرة، رغم الجهود المبذولة للتقليل منها على المستوى التشريعي والتنموي وعلى مستوى توسيع شبكة التعليم لتشمل كل الفتيات في القرى، أين يتم تزويج فتيات لم يبلغن سن الـ18 عاما، وهو ما يحرمهن من طفولتهن ويهدد صحتهن وحياتهن.
ونبه تقرير حديث للمجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى أن نسبة القاصرات اللواتي نشأن في وسط غير مستقر بلغت 74.30 في المئة من مجموع الفتيات المتزوجات بشكل مبكر، بينما تنخفض هذه النسبة بشكل كبير في الأسر التي يسود فيها التفاهم والتعاون، وأنه كلما غاب الاستقرار والتفاهم والتوازن داخل الأسرة إلا وارتفعت احتمالية تزويج الفتاة القاصر.
وكشف ذات التقرير حول الزواج الأسري بالمغرب أن الأوضاع الاجتماعية الصعبة تدفع بعض الأسر باتجاه تزويج الفتيات بشكل مبكر بهدف وضع حد للمصاريف المتعلقة بهن، كما تدفع هذه الأوضاع بالأسر إلى تزويج القاصرات، حتى بهدف تحصيل مداخيل إضافية “سواء من خلال الهدايا العينية التي تتلقاها بعد الزواج بشكل مناسباتي أو المساعدات الدورية أو غير الدورية التي تحصل عليها”.
الأوضاع الاجتماعية الصعبة تدفع بعض الأسر إلى تزويج الفتيات بشكل مبكر بهدف التخلص من مصاريفهن
وهناك من القاصرات من تعرّضن للضغط من العائلة التي احتجّت بالظروف المعيشية الصعبة ظنا بأن الزواج يوفر استقرارا ماليا، منتظرة ما قد يقدّمه الزوج.
وأكد عدد منهن أن ذلك كان أكبر خطأ في حياتهن حيث أنهن لم يعرفن معنى الزواج ولا معنى المسؤولية، وواجهن العديد من المشاكل الصحية والنفسية وحتى الجسدية، وأنجبن أطفالا رغم أن أجسادهن ليست مستعدة للحمل والولادة.
وتتم الاستعانة بخبرة المساعد الاجتماعي في إجراء بحث ميداني من أجل جمع المعطيات السوسيو – اقتصادية حول أسرتي القاصر وطالب الزواج. وفي ندوة حول الموضوع، أكد عضو الودادية الحسنية للقضاة القاضي محمد عبده البراق أن المساعد الاجتماعي له تكوين متخصص في هذه المادة، وله كذلك صلاحيات متعددة تتعلق بإجراء بحوث ميدانية لدى المحيط الأسري للقاصر، وكذلك المحيط الأسري لطالب الزواج، بالإضافة إلى قيام المساعد الاجتماعي لدى المحاكم بتقييم نفسية القاصر ومدى أهليتها للزواج.
وأشار عبده البراق في ندوة حول تزويج القاصرات أقيمت بالدار البيضاء إلى أن الودادية الحسنية للقضاة تسعى كذلك للمساهمة في تجويد وتطوير مؤسسة المساعد الاجتماعي في أفق جعلها اليد اليمنى للقاضي من أجل اتخاذ القرار الصائب ومراعاة المصلحة الفضلى للقاصر.
وحسب التقرير المعد من المجلس الأعلى للسلطة القضائية، فإن الأسباب الكامنة وراء تزويج القاصرات تنقسم إلى عوامل اجتماعية ودوافع اقتصادية وأسباب ثقافية.
وبخصوص العوامل الثقافية، أوضح التقرير أن الأوساط التي تعرف عددا كبيرا من حالات تزويج الفتيات القاصرات تتمسك بالصور النمطية التقليدية التي تحصر دور المرأة في الاعتناء بالبيت ورعاية الأبناء، مشيرا إلى أنه في هذا السياق الثقافي ينمو الزواج المبكر ويتكاثر، فتصبح الأعراف والتقاليد هي الدافع الرئيسي.
وأكدت وكيلة النيابة بالمحكمة الابتدائية بإمنتانوت جنوب المغرب حكيمة بحتي رئيسة اللجنة المحلية للتكفل بالنساء ضحايا العنف، أن زواج القاصرات فيه ضرر بالغ للفتاة ويتجاوز ذلك إلى إلحاق الضرر بالصحة العامة، وأنه في حالات وجود مشاكل بين الوالدين تتسبب في الانقطاع عن الدراسة، تصدر النيابة العامة الإذن لتمكين المؤسسات التعليمية من إعطاء الإذن بانتقال الأطفال إلى الأمهات حرصا على ضمان مواصلتهم للدراسة وعدم الانقطاع بسبب المشاكل الزوجية بين الأبوين.
وفي تقرير حديث لرئاسة النيابة العامة، فإن نسبة طلبات الإذن بزواج القاصرات التي تم البت فيها في يومها تشكل ما نسبته 57 في المئة، حيث بلغ مجموع الأذونات الممنوحة خلال خمس سنوات بالنسبة إلى أقسام قضاء الأسرة ما يقدر بـ42997 إذنا.
ونبه تقرير النيابة العامة المتعلق بدراسة تشخيصية حول زواج القاصرات إلى أنه “إن كانت الغاية الأساسية من تحقيق الفعالية في إجراءات التقاضي ترتبط في جانب كبير منها في اقتضاء الحقوق داخل آجال معقولة، فإن جانبا يجد أساسه في الحرص على تفعيل الضمانات المسطرية المنصوص عليها قانونا”.
وسجل أن هذا الجانب ينطبق على مسطرة الإذن بزواج القاصرات، مشيرا إلى تنصيص المشرع على ضرورة صدور مقرر الإذن بزواج من هم دون سن الأهلية بشكل معلل، ويبين المصلحة والأسباب الداعية إلى هذا الزواج، وأن تفعيل هذه الضمانات بشكل جيد يستوجب هامشا زمنيا للوقوف على الأسباب الحقيقية، والمصلحة المعتبرة من الزواج التي قد تبرر منح الإذن بالزواج من القاصر وذلك عن طريق البحث الاجتماعي.
كما يندرج ضعف المستوى التعليمي ضمن الأسباب المباشرة لتزويج القاصرات، حيث كشف تقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية على أنه “كلما ارتفع المستوى التعليمي للقاصر وأسرتها وللخاطب أيضا إلا وانخفضت نسبة الزواج المبكر، مما يشير إلى أن الزواج المبكر يدخل في علاقة عكسية مع المستوى التعليمي”.
العنف الجسدي يجد مبرراته تحت مسوغات شتى قد تصل حد تحميل الضحية مسؤوليته، بإلقاء اللوم عليها باعتبارها هي من تقوم باستفزاز الزوج وتدفعه إلى التصرف بتلك الطريقة
وبخصوص المبرر المتعلق بتزويج الطفلة التي تعاني من اليتم أو غياب الأب، فقد أوضحت دراسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن بعض الطلبات المقدمة إلى أقسام قضاء الأسرة تستند إلى الظروف الاجتماعية للطفلة التي ترغب أسرتها في تزويجها، (الحالة التي تعاني فيها من اليتم، أو وفاة أحد الوالدين).
وفي ما يتعلق بتداعيات تزويج القاصرات على الاستقرار الأسري، كشفت دراسة تشخيصية حول زواج القاصرات بالمغرب عن تعرض ما لا يقل عن 22 في المئة من القاصرات المتزوجات خلال الفترة المتراوحة بين سنتي 2015 و2019 لأنواع مختلفة من العنف المنزلي الذي كن ضحية له على أيدي أشخاص مختلفين.
وتحدث عدد من الباحثين في العلوم الاجتماعية عن واقع الفتيات القرويات اللاتي يتم إجهاض أحلامهن في فترة استكمال الدراسة، وقبرهن بالزواج، وتحملهن المسؤولية في سن مبكرة، وتعرضهن لكل أشكال العنف.
وأكدت رئيسة اتحاد العمل النسائي عائشة الحيان أن موضوع تزويج القاصرات من بين المواضيع الأساسية التي تهتم بها جمعيتها، وقد طالبت منذ صدور المدونة، من خلال العديد من اللقاءات والندوات، بالحد من زواج القاصرات وإلغائه بصفة نهائية.
ووفقا للتقرير المعد حديثا من قبل رئاسة النيابة العامة، فقد توزعت الحالات بين العنف الجسدي، والنفسي والجنسي إلى جانب العنف الاقتصادي المتعلق بدعوى النفقة، حيث صرحت 418 حالة من مجموع الحالات المستجوبة البالغة 2300 بتعرضهن لهذا العنف.
ويجد العنف الجسدي مبرراته تحت مسوغات شتى قد تصل حد تحميل الضحية مسؤوليته، بإلقاء اللوم عليها باعتبارها هي من تقوم باستفزاز الزوج وتدفعه إلى التصرف بتلك الطريقة، وفق التقرير.
ويتمثل العنف المنزلي أو عنف العشير، حسب التقرير، في قيام أحد أفراد الأسرة أو أحد طرفي العلاقة بسلوك عنيف أو تعسفي أو مؤذ، بشكل نمطي متكرر، لكسب أو الحفاظ على السيطرة على الآخر أو إجباره على فعل لا يريده.