حرائق الجزائر بلا “مؤامرات” هذه المرة

وقفت السلطات الجزائرية مرة أخرى حائرة أمام الحرائق الكبيرة في المناطق الشرقية من البلاد، في ظل عدم التهيؤ لها مسبقا وعدم توفير ما يكفي من إمكانيات أمام قوات الجيش والدفاع المدني والسلطات المحلية للتصدي لموجة الحرائق، في وقت لم تلجأ فيه بعد إلى الحديث عن “مؤامرات” أو “متآمرين” تحمّلهم مسؤولية الخسائر.

وكانت الجزائر قد اتهمت في 2021 حركات سياسية معارضة مثل حركة استقلال منطقة القبائل (ماك) الأمازيغية وحركة “رشاد” الإسلامية المتشددة، إضافة إلى المغرب، بالوقوف وراء تلك الحرائق رغم أن أغلب الدول المتوسطية مثل تونس وتركيا واليونان والمغرب قد شهدت حرائق مشابهة، وهو ما بدا محاولة للتملص من المسؤولية.

وجاء بيان وزارة الداخلية يحمل إدانة ذاتية لاستعدادات نظام الرئيس عبدالمجيد تبون لمواجهة موسم الكوارث بأن اكتفى بإحصاء الخسائر الأولية للحرائق، ورصد معاناة المواطنين في المناطق التي طالتها ألسنة اللهب، وكأن الوزارة جهة محايدة ولا تتحمل مسؤولية ما يجري.

وتكرر سيناريو العام الماضي والذي قبله بتفاصيله، حيث فشلت السلطات في الاستعداد لمواجهة موجة الحرائق التي كانت متوقعة منذ أسابيع. ومثل المرات السابقة دفع جنود غير مدربين، ولا مجهزين بآليات كافية لإطفاء الحرائق، حياتهم ثمنا لتقصير السلطات، وحاصرت النيران الكثير من المواطنين ما أدى إلى مقتل وجرح العشرات منهم وإجلاء المئات.

وأعلنت وزارة الدفاع الجزائرية عن وفاة عشرة عسكريين في منطقة بني كسيلة بمحافظة بجاية الواقعة على بعد 250 كيلومترا شرقي العاصمة، إثر الحرائق التي نشبت في الناحية العسكرية الخامسة الأحد.

وأعلنت الوزارة عن “إصابة 25 عسكريا إصابات متفاوتة الخطورة، وتم إجلاؤهم مباشرة نحو المؤسسات الصحية القريبة”.

وقبل ذلك أعلنت وزارة الداخلية الجزائرية عن وفاة 15 شخصا وجرح 26 آخرين جراء الحرائق. كما قضّى سكان العديد من القرى والأرياف في بعض المحافظات ليالي مرعبة خوفا من ألسنة اللهب التي اضطرتهم الأحد والاثنين إلى النجاة بجلودهم، نتيجة توسع دائرة النيران خاصة أن الإمكانيات البشرية واللوجستية غير كافية.

ويواصل المئات من سكان قرى عدة محافظات جزائرية منذ ليل الأحد الفرار إلى وجهات مختلفة، بعدما حاصرتهم النيران من مختلف الجوانب، وازدادت المخاطر بالارتفاع القياسي لدرجة الحرارة المصحوب برياح ساخنة، مما يهدد بحدوث كارثة إنسانية وبيئية تعيد إلى الأذهان سيناريو حرائق منطقة القبائل خلال صيف عام 2021.

وشملت الحرائق المندلعة سبع محافظات، غير أن البويرة وبجاية وجيجل سجلت أضرارا فادحة، حيث تعرضت عشرات القرى والأرياف إلى حرائق ضخمة تستمر منذ ثلاثة أيام، بالتوازي مع إمكانيات بشرية ولوجستية محدودة لم تساعد على التحكم في النيران.

وذكر شهود عيان ممن كانوا في المكان لحظة نشوب الحرائق في محافظة البويرة (120 كلم شرقي العاصمة) أن “وتيرة النيران كانت أسرع وأقوى من الإمكانيات التي سخرتها السلطات المختصة، وأن السكان قضوا ليلة بيضاء ولا يستبعد أن يستمر الوضع على حاله قياسا بحالة الاستقرار التي تميز الطقس هذه الأيام”.

وأضافوا “هبّ عشرات الأعوان من الحماية المدنية وأفراد الدرك الوطني والجيش الوطني الشعبي لمساعدة السكان وإطفاء النيران، وحتى الطائرات والحوامات المستعملة في العملية لم تتمكن من التحكم في الوضع، لأن الحرائق كانت أضخم وأقوى وفاقت كل التوقعات”.

◙ مرة أخرى يدفع جنود غير مجهزين بآليات كافية لإطفاء الحرائق ومواطنون أبرياء حياتهم ثمنا لتقصير السلطات

وعاد الحديث مجددا عن دور السلطات في مواجهة الكوارث، وعدم وفائها بالالتزامات التي قطعتها على نفسها عام 2021، حين تعهدت بعدم تكرار كارثة منطقة القبائل، وأمر تبون آنذاك باتخاذ كل التدابير اللازمة لاقتناء طائرات إطفاء حديثة.

غير أن المهمة لم تنجز إلى حد الآن، فالطلبية التي تقدمت بها وزارة الدفاع إلى المصنّع الروسي لم تنجز بسبب تفرغ الروس للحرب الأوكرانية، لذلك اضطرت العام الماضي إلى استئجار طائرة إطفاء روسية من الحجم الكبير، أما العام الجاري فقد تم استئجار طائرتين صغيرتيْ الحجم من تشيلي، إلا أن أداءهما المحدود وتوسع رقعة الحرائق حالا دون القيام بما كان يؤمل أن تقوما به.

وكان جهاز الحماية المدنية (الدفاع المدني) قد أعلن أن هناك فرقة تعمل على إطفاء حرائق غابات في سبع محافظات شمالية، بعضها استدعى استخدام طائرات إخماد تزامنا مع موجة الحر القياسية، وأن المحافظات المعنية هي تيبازة والبويرة وبجاية ومستغانم وسطيف وسكيكدة وجيجل.

وأضاف أن بعض الحرائق استدعى استخدام طائرات إخماد على غرار الحرائق في محافظة البويرة، وأن عدة حرائق جرى إخمادها، فيما لا تزال العمليات مستمرة لإخماد أخرى، على غرار منطقتي زبربر والقادرية بمحافظة البويرة، وأولاد عطية بمحافظة سكيكدة، وأوقاس وسوق الاثنين بمحافظة بجاية.

وأطلق مدونون وناشطون في المجتمع المدني منذ الأحد نداءات استغاثة تطلب من السلطات المختصة تعزيز الإمكانيات البشرية واللوجستية لإنقاذ السكان من الأخطار المختلفة، كما ناشدوا فعاليات المجتمع المدني التجنّد لمساعدتهم بمختلف الوسائل كالأدوية والغذاء والماء والمأوى للعائلات التي صارت مشردة.

وبلغت درجة الحرارة مستويات قياسية في اليومين الأخيرين، حيث ناهزت الخمسين درجة مئوية في بعض المحافظات، فيما سجلت مدن الشمال والشريط الساحلي درجات حرارة غير مألوفة فاقت تلك التي كانت تسجل في محافظات الجنوب والصحراء.

وكان الديوان الوطني للأرصاد الجوية قد رفع لون التحذير إلى الأحمر، مع نشر توقعات باستمرار موجة الحر خلال الأيام المقبلة، في حين أعلنت شركة “سونالغاز” المحتكرة لإنتاج وتوزيع الكهرباء والغاز عن تسجيل ذروة جديدة في الاستهلاك فاقت 18 ألف ميغاواط بسبب استخدام المكيفات الهوائية استخداما واسعا.

وحسب تصنيفات الديوان الوطني للأرصاد الجوية يشير اللون البرتقالي إلى حدوث أو توقع ظاهرة “شديدة الخطورة”، أما الأحمر فيشير إلى حدوث أو توقع ظاهرة “خطيرة للغاية ذات شدة استثنائية”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: