المغرب على مشارف فورة في استثمارات القطاع الخاص
يجمع محللون على أن القطاع الخاص في المغرب بات على أعتاب فورة استثمارية بفضل الأرضية التي بنتها الحكومة على مدار سنوات كأحد الخيارات الضرورية، والتي ستكون فيها أموال رجال الأعمال ركيزة رئيسية للنموذج الجديد للتنمية.
يتسارع مخاض المغرب لتجسيد نموذجه الجديد للتنمية بعدما وجهت السلطات بوصلتها إلى القطاع الخاص ليقود قاطرة الأنشطة التجارية والاستثمارية بما يساعد على إعطاء الاقتصاد زخما أكبر خلال المرحلة المقبلة.
ويقول خبراء إن ثلاثة عوامل أساسية تلعب دور المحفزات التي ستحدث قفزة في استثمارات القطاع الخاص المحلّي والأجنبي في السوق المغربية.
وتتمثل هذه المحركات الرئيسية في كل من البنية التحتية، والمناطق الصناعية، والقوانين التي تقدّم تحفيزات مالية وضريبية للمشاريع الاستثمارية، ويدعمها توفير آليات تمويل مساندة يتقدمها صندوق سيادي تم تأسيسه قبل أشهر قليلة سيتولى دعم الأعمال.
وخلال العقدين الأخيرين، أنفقت الرباط بكثافة على تطوير البنية التحتية بما في ذلك الطرقات والموانئ، حتى باتت حصة الاستثمارات الحكومية تمثل الثلثين من إجمالي الاستثمارات التي تُضخُّ في البلاد سنوياً، فيما يكتفي القطاع الخاص بحصة الثلث.
وأكد الخبير الاقتصادي بدر الزاهر الأزرق لبلومبرغ الشرق أن الاستثمارات الحكومية خلال العقدين الماضيين تمثل النصيب الأكبر، لكنَّ توجه اليوم يقوم على فتح المجال بشكل أكبر للقطاع الخاص ليقود القاطرة لتخفيف العبء عن ميزانية الدولة.
واعتمد المغرب العام الماضي ميثاق الاستثمار الجديد بهدف رفع حصة مشاركة الشركات الخاصة لتبلغ ثلثي الاستثمار الإجمالي بحلول 2035 من خلال إغراء المستثمرين الأجانب، ودعم الكيانات المحلية على التطوير وتنويع الأنشطة.
ووفق البيانات الرسمية بلغ صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في عام 2022 نحو 20.9 مليار درهم (2.1 مليار دولار)، وهو رقم لم يتغير كثيرا في السنوات الأخيرة، وتتصدر فرنسا والولايات المتحدة والإمارات قائمة المستثمرين الأجانب في المغرب.
ومنذ بداية الألفية، أطلق المغرب مجموعة من البرامج الكبرى التي ترتكز على تطوير البنى التحتية من طرقات سريعة وموانئ ومطارات وخطوط السكك الحديد بهدف إيجاد مناخ جذاب للاستثمارات.
ويمثل احتلال ميناء طنجة المتوسط المرتبة الأولى أفريقياً ومتوسطياً نموذجاً لنجاح البلد على هذا الصعيد، ناهيك عن إطلاق أول خط قطار فائق السرعة في أفريقيا قبل أربع سنوات.
والميناء البالغة قدرته الاستيعابية 9 ملايين حاوية و7 ملايين راكب و700 ألف شاحنة ومليون سيارة ليس فقط مجرد بوابة تتصل بأكثر من 186 ميناء عالميا، بل هو مركز صناعي لأكثر من 900 شركة تنشط في مجالات السيارات والطائرات والنسيج واللوجستيات والخدمات.
ويرى رشيد أوراز كبير الباحثين في معهد الشرق الأوسط بواشنطن أن كل المؤشرات تكاد تتفق على أنَّ البنية التحتية القوية التي تسهل الوصول إلى الموارد الطبيعية والأسواق من العوامل المحفزة للاستثمار، سواء تعلق الأمر بالاستثمار المحلي أو الأجنبي.
وأوضح أن المغرب أولَى الاهتمام بشكل خاص بالموانئ والطرقات السيارة وتطوير خطوط السكك الحديد، وهي كلها تحفز الاستثمار.
لكنه قال إنه “لا يجب أن نغفل أنَّ تحسين القوانين، وحماية الملكية الخاصة للمستثمرين، وتوفير مؤسسات اقتصادية تحمي حقوقهم تعد أيضاً من بين الشروط التي لا تقل أهمية”.
وتمتد الطرقات السيارة بالبلاد على طول 1800 كيلومتر، فيما يصل عدد الموانئ إلى 39 ميناء، وحوالي 18 مطارا دوليا تؤمن رحلات جوية منتظمة نحو أهم مدن وعواصم العالم.
أما خطوط السكك الحديد، فهي بنية تحتية بدأ تطويرها منذ عام 1916، وشهدت تجديدا مستمرا ليصل طولها حاليا إلى أكثر من ألفي كيلومتر.
ويعتبر المغرب أول بلد أفريقي سباق إلى إطلاق القطار فائق السرعة بنحو 320 كيلومترا في الساعة ويربط بين مدينتي طنجة والدار البيضاء، المحور الاقتصادي المهم في البلاد.
ومنذ دخول ميثاق الاستثمار الجديد حيز التنفيذ هذا العام صادقت الحكومة على مقترحات مشاريع من القطاع الخاص بقيمة تتجاوز 4 مليارات دولار، فيما تجري دراسات لمشاريع استثمارية أخرى بقيمة 11.7 مليار دولار.
وتستهدف المشاريع المصدّق عليها في إطار الميثاق قطاعات جديدة مثل نقل الكهرباء والطاقة البديلة، إلى جانب قطاعات تقليدية زادت أهميتها خلال السنوات الأخيرة مثل الصناعات الغذائية والدوائية، بالإضافة إلى تحلية مياه البحر.
وقال مصطفى بايتاس الناطق الرسمي باسم الحكومة خلال ندوة صحفية أسبوعية مؤخرا إن “المغرب يعطي الأولوية للمشاريع الكبيرة في المجالات التي تهم ضمان أمن الطاقة والماء والغذاء والصحة، كما يتم الأخذ بعين الاعتبار معيار توفير فرص عمل”.ولفت إلى أن ميثاق الاستثمار يتيح نفس التحفيزات للمستثمرين الأجانب والمحليين، ويمكن أن يصل دعم الحكومة إلى حوالي 30 في المئة من إجمالي الاستثمار المقترح، وقد يتجاوز ذلك في حال كان إجمالي الاستثمار يساوي أو يفوق 200 مليون دولار.
ولمواكبة هذا التوجه، أطلق المغرب صندوق محمد السادس للاستثمار بحجم 14 مليار دولار لتمويل المشاريع الكبرى في إطار شراكات مع القطاع الخاص.
كما سيدخل الصندوق في رأسمال الشركات الصغيرة والمتوسطة، ويمنح القروض للشركات النشيطة في القطاعات ذات المردودية العالية.
وأقرّت الحكومة ضخ استثمارات حكومية بما يوازي 22 مليار دولار هذا العام، وزاد الرقم إلى 28 مليار دولار في الميزانية، وهو الأعلى على الإطلاق في مسعى لدعم الاقتصاد عقب الوباء، لكن هذه الحصة يتوقَّع أن تنخفض مع تقدّم حصة الاستثمار الخاص.
وانتهجت الرباط في العقدين الماضيين سياسة المناطق الصناعية، وهي عبارة عن مجمعات توفر العقارات للاستثمار بأسعار تنافسية، وتخضع لإطار قانوني وضريبي خاص، كما تتيح للمستثمرين القيام بكل الإجراءات لإنشاء الشركات عبر نافذة واحدة في المكان نفسه.
وبحسب أرقام وزارة الصناعة يضم البلد أكثر من 150 منطقة صناعية في مختلف المدن بمساحة تناهز 12 ألف هكتار.
وأعلنت الحكومة مؤخرا عن خطة لتأسيس مناطق صناعية أخرى في الجهات النائية لتحقيق توازن تنموي وتخفيف الضغط عن المدن الاقتصادية الكبرى.
واعتبر إدريس الفينة رئيس المركز المستقل للتحليلات الإستراتيجية أن المغرب يستفيد من بنيته التحتية المتطورة والمناطق الصناعية المتوفرة، ناهيك عن ميزة الاستقرار السياسي والموقع الجيوستراتيجي بحيث يُشكّل بوابة لأفريقيا، وعلى مقربة من أسواق أوروبا.
وترتبط المناطق الصناعية بشبكة السكك الحديد والطرقات السريعة، ناهيك عن استفادة المستثمرين فيها من إعفاءات ضريبية في السنوات الأولى، وهي آلية لتشجيع الاستثمار المنتج لأنَّ الإعفاء يأخذ بعين الاعتبار القيمة المضافة، وعدد مناصب الشغل المحدثة.
وتطوُّر المنظومة الصناعية عامل مهم في جذب الاستثمارات، ويشير الخبير الاقتصادي الزاهر الأزرق إلى منظومة صناعة السيارات التي تطورت في منطقتين صناعيتين في المغرب وأصبحت اليوم تضم أكثر من 250 شركة.
وبفضل ذلك أصبح هذا القطاع يقود صادرات البلاد بما قيمته 11.4 مليار دولار، وفق الأرقام الرسمية للعام الماضي، والرهان هو تعميم هذا النجاح نحو قطاعات أخرى.