ماكرون يستميل سكان الضواحي بوزراء من أصول مهاجرة
عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزيرتين من أصول جزائرية وأخرى من أصول مغربية في التعديل الحكومي الجديد، في خطوة تستهدف استمالة سكان الضواحي الغاضبين من السياسات الرسمية للحكومات المتعاقبة، وإبراز نوايا الإليزيه في تحجيم الفوارق الاجتماعية المهددة للاستقرار في البلاد.
وضم الفريق الحكومي الجديد في فرنسا وجوها نسوية من أصول جزائرية مهاجرة عقب التعديل الذي أجراه ماكرون، وذلك بغية إضفاء حالة من التمثيل العادل لجميع مكونات المجتمع الفرنسي، وحضور صوت الفئة التي عبرت عن غضبها مما وصفته بـ”التهميش والتمييز” خلال الأحداث التي فجرها مقتل الشاب نائل.
ويبدو أن الرئيس الفرنسي، من خلال تعيين كل من فضيلة الخطابي وصبرينة أغريستي وسارة الحيري، أراد استمالة الجالية المهاجرة خاصة المغاربية منها، التي كانت لها بصمة واضحة في الأحداث التي عرفتها فرنسا خلال الأيام الماضية، على أمل تحقيق توازن في التمثيل الرسمي وطمأنة السكان المهمشين في الضواحي.
وذكرت تقارير فرنسية أن ماكرون لجأ إلى تقديم نخبة جديدة في الحكومة، وإظهار اهتمامه بأزمة الضواحي التي ظلت مصدر قلق حقيقي للنخب الرسمية والحاكمة في البلاد، خاصة اليمين الذي حاول توظيف الأحداث الأخيرة لتصفية حساباته مع الجاليات المهاجرة.
وعينت النائبة السابقة فضيلة الخطابي وزيرة للأشخاص ذوي الإعاقة، وهي من مواليد فرنسا بمنطقة مونبيليار، لأبوين جزائريين، وكانت خلال شهر أغسطس الماضي ضمن الوفد الذي رافق إيمانويل ماكرون في زيارته إلى الجزائر.
وفضيلة الخطابي لديها مسيرة سياسية طويلة، فقد كانت نائبة، ورئيسة للجنة الشؤون الاجتماعية في الجمعية الوطنية.
وبدأت الفرنسية من أصل جزائري مشاركتها السياسية مع الحزب الاشتراكي، قبل أن تنضم إلى حزب ماكرون “الجمهورية للأمام”، ويبدو هذا التعيين في الحكومة مكافأة لها على ولائها للحزب منذ تأسيسه.
◙ ماكرون سعى لإظهار اهتمامه بأزمة الضواحي التي ظلت مصدر قلق حقيقي للنخب الرسمية في فرنسا
وفي عام 2017، أجرت الخطابي مقابلة مع إدارة أمن المواصلات أوضحت فيها أنها تقدر علاقاتها مع الجزائر، لكن دون جعلها معيارا.
وقالت “أنا لا أنكر ما أنا عليه، لكنني أود أن يتوقف الناس عن إعادتي إلى أصولي.. الحقيقة العالمية الوحيدة هي أنني أنحدر من أب وأم”.
وكانت الخطابي، ذات الأصول الجزائرية، قد دعت في ذلك الوقت إلى رفض فكرة “وصمة العار” على أنها “ضحية”. لذا، بداهة، لن يكون لأصولها الجزائرية أيّ تأثير على سياستها، وقبل كل شيء، فهي ليست مستعدة للعب دور شخصية رمزية أو أن تكون دليلا على انفتاح الحكومة على الأقليات الظاهرة.
ويرى مراقبون أن الوزيرة المذكورة من المتوقع أن تلعب دورا رئيسيا في السياسة الفرنسية، فقد شاركت في ملفات مهمة قبل تولي هذه الوظيفة، فهي أحد أعضاء لجنة التكافؤ المختلطة التي صاغت في مارس 2023 الصيغة النهائية لمشروع قانون إصلاح نظام المعاشات التقاعدية، الذي أشعل فتيل حركة اجتماعية كبرى في فرنسا هذا العام.
أما صبرينة أغريستي، وهي العضو الثاني في الحكومة المرتبط بالجالية، فقد ولدت في مدينة مرسيليا العام 1976 من أب جزائري، وفي رصيدها خبرة مهنية توصف بغير “النمطية”، خاصة في عالم السياسة، فقد كانت نائبة في البرلمان في الدائرة الانتخابية الأولى لبوش دو رون، فضلا على أنها امرأة أعمال.
وعرفت الوزيرة الجديدة بمسارها المهني في عالم الإنتاج السمعي البصري بمدينة مرسيليا، وظهرت في العديد من الأعمال الفنية لموسيقيي الراب، وفي الإنتاج الدرامي، كمسلسل “مرسيليا” الذي يبث على نتفليكس، وأثناء تصويره التقت بماكرون، فكانت أول فرصة لها للانخراط في العمل السياسي والانضمام للحزب، وتصبح بعد ذلك ذراعا له في المدينة، وصارت تلقب بعدها بـ”مرصد مرسيليا”.
وأهم ما يعرف عنها موقفها المتشدد من المهاجرين غير النظاميين، وينقل عنها تصريحها الشهير “عندما تكون في وضع غير قانوني وترتكب جريمة، عليك المغادرة”.
واختار ماكرون لوزارة الدولة الجديدة للتنوع البيولوجي سارة الحيري، ذات الأصول المغربية، والتي ولدت نهاية الثمانينات من أبوين مغربيين، وحصلت على شهادة البكالوريا بالدار البيضاء ثم على الجنسية الفرنسية، واستطاعت التدرج في مسؤوليات مماثلة فقد شغلت منصب وزيرة دولة مسؤولة عن الشباب والالتزام لوزير التربية الوطنية والشباب والرياضة، في حكومة جان كاستكس، وفي يوليو العام 2022 تولت منصب وزيرة الدولة المسؤولة عن الشباب والخدمة الوطنية الشاملة في حكومة إليزابيث بورن.
والحيري مدافعة قوية عن العلمانية في فرنسا. وكانت في مقدمة المنتقدين للحملة الأوروبية التي تعتبر الحجاب جزءاً من حرية المرأة.