موجة إقالات في شبكة “فرانس ميديا موند” تهمّ صحافيين مغاربة فقط
يعيش الصحافيون المغاربة في شبكة “فرانس ميديا موند” الفرنسية العمومية أوقات عصيبة، فيما يعتقد مراقبون أنهم يدفعون ثمن الأزمة السياسية بين الرباط وباريس، مؤكدين أن اللوبي الجزائري يحكم سيطرته على الإعلام الفرنسي.
سلطت وسائل إعلام مغربية الضوء على موجة من الإقالات وسط صفوف الصحافيين المغاربة العاملين في شبكة “فرانس ميديا موند” الفرنسية العمومية.
وتفيد مصادر متطابقة بأن التلفزيون العام الفرنسي، الموجه للخارج، فصل رئيسي تحرير اثنين من أصل مغربي يعملان في القناة منذ 10 سنوات دون أي سبب معقول. وقالت نفس المصادر إن صحافيين مغاربة آخرين ينتظرون دورهم، بمن فيهم مدير راديو مونتي كارلو الدولية، الذي يعتبر أفضل صحافي مغربي في المجموعة الفرنسية، التي تضم فرانس 24 وراديو فرنسا الدولية وراديو مونتي كارلو الدولية.
وتبرر إدارة المجموعة هذه القرارات بالأسباب المادية. غير أنه من الصعب تصديق هذه الحجة، لأن المعنيين، حتى الآن، هم صحافيون مغاربة يتولون مناصب مرموقة في المجموعة، في الوقت الذي تتحدث فيه نفس المصادر عن تأثير متزايد للجزائريين على هذه الوسائط التي يمولها دافعو الضرائب الفرنسيون.
ويؤكد موقع “مغرب أنتليجنس” أن المديرة الحالية لفرانس 24، فانيسا بورغراف، لا تحمل ودا للمغاربة.
ويتساءل البعض ساخرا عما إذا كانت وزيرة التربية الوطنية السابقة نجاة فالو بلقاسم، ذات الأصول المغربية، لها علاقة بالموضوع؟ في الواقع اشتهرت فانيسا بورغراف بمرورها الفوضوي في برنامج لوران روكيي “On n’est pas couché” على القناة ذاتها، ولن تنسى أبدا كيف ردت بلقاسم الوزيرة السابقة في حكومة مانويل فالس في عهد فرانسوا هولاند، بسخرية بالغة على بورغراف التي تحدثت عن “إصلاح في اللغة الفرنسية” معتمدة على إشاعات وعلى أخبار خاطئة لا وجود لها.
ومازال مقطع الفيديو، الذي وثق تلك المواجهة، ينتشر على شبكات التواصل الاجتماعي ويجعل الملايين من مستخدمي الإنترنت يضحكون.
ومنذ تعيين فانيسا بورغراف على رأس فرانس 24 في عام 2021، يشعر الصحافيون الجزائريون في المجموعة بأنهم باتوا محميين. والبعض لا يتردد في الحديث عن “سطو جزائري على القناة العمومية الفرنسية”.
وينقل موقع “مغرب أنتليجنس” عن مصادر حديثها عن صعود جزائريين في السلم المهني داخل فرانس 24 دون أي كفاءة تذكر، لا لشيء إلا لعلاقتهم بفانيسا بورغراف.
كما يؤكد البعض، وفق الموقع، شغل بعض الجزائريين وظائف وهمية في القناة على علاقة بأجهزة الاستخبارات الجزائرية.
ويناقض ما يحدث في الإعلام الفرنسي دعوة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى “الاستخدام الأفضل لشبكة ‘فرانس ميديا موند’، وهو أمر أساسي للغاية، ويجب أن يكون مصدر قوة لنا”، خلال خطابه في مؤتمر السفراء في سبتمبر 2022.
ويتهم مراقبون وسائل الإعلام الفرنسية، وخاصة قناة فرانس 24، بالانحياز والكيل بمكيالين في تغطيتها للشأن المغربي، مؤكدين تواتر الحوادث التي تثبت هذا الأمر. ويسلط مراقبون الضوء على “ازدواجية” تعامل السلطات الفرنسية مع الانفصاليين؛ فبينما تقدم القناة الإخبارية فرانس 24 نفسها كمنبر في جميع المواسم للانفصاليين في بوليساريو باسم احترام حرية التعبير، تراقب السلطات الفرنسية من أعلى مستوى في الدولة هذه القناة عندما يتعلق الأمر بانتقاد الجزائر.
وكمثال على ذلك، ألغيت مقابلة لزعيم حركة استقلال القبائل (ماك) الجزائري فرحات مهني ضيفا على قناة “سي.نيوز”(CNEWS) الإخبارية التابعة لمجموعة بولوري الشهيرة القريبة من الإليزيه قبل دقائق من مروره على الهواء، وفق ما أظهره فيديو مسرب على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال مراقبون للشأن المغربي إن إلغاء مقابلة مهني زعيم “ماك” مع برنامج “في مواجهة ريوفول” (Face à Rioufol) على قناة “سي.نيوز” الفرنسية في اللحظة الأخيرة سلط الضوء على الرقابة التي تمارسها فرنسا على وسائل إعلامها لإرضاء النظام الجزائري.
إدارة المجموعة تبرر القرارات بالأسباب المادية. غير أنه من الصعب تصديق هذه الحجة
وانتقدت وسائل إعلام مغربية ما وصفته بـ”الاستفزازات المتكررة” للقنوات الفرنسية المعروفة خلال الأيام القليلة الماضية، خاصة بعد قرار قناة “بي.أف.أم.تي.في” (BFMTV) الإخبارية الفرنسية توقيف الصحافي ذي الأصل المغربي رشيد المباركي عن العمل والتحقيق معه بسبب خبر أذاعه قبل أشهر عن “اعتراف إسبانيا بسيادة المغرب على صحرائه”.
وقالت وسائل إعلام مغربية “يظهر جليا، وفق متتبعين، أن القنوات الفرنسية وبالأحرى القائمين عليها توصلوا بتعليمات لرفض ذكر الانتصارات المتتالية للدبلوماسية المغربية في ما يخص الوحدة الترابية”.
وسبق أن سلط تقرير ورد ضمن برنامج “في 5 دقائق” وبثّته قناة فرانس 24 في نسختها الإسبانية حول “تاريخ الصراع في الصحراء المغربية” الضوء على أجندة القناة الفرنسية المؤيدة للأطروحة الانفصالية لجبهة بوليساريو والمعادية للوحدة الترابية للمغرب.
وفي سرد متحيز وموجه قدمت النسخة الإسبانية من القناة الفرنسية، الموجهة أساسًا إلى الجمهور في أميركا اللاتينية، تاريخا للصراع في الصحراء المغربية ضمن تقرير بعنوان “الصحراء: نزاع إقليمي دام ما يقرب من خمسة عقود، ومئات الآلاف من اللاجئين المدنيين وتضارب المصالح لإسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة”، حيث تم تحريف الحقائق عن عمد، وفق ما يقوله متابعون.
وقال المتابعون إن “القناة تستغل جهل الرأي العام في أميركا اللاتينية بالقضية لتوجيهه وفق أجندة مشبوهة ومغرضة”.
وتُذاع قناة فرانس 24 الناطقة بالإسبانية في 17 من أصل 19 دولة ناطقة باللغة الإسبانية في أميركا اللاتينية.
إلغاء مقابلة مهني زعيم “ماك” مع برنامج “في مواجهة ريوفول” على قناة “سي.نيوز” الفرنسية سلط الضوء على الرقابة التي تمارسها فرنسا على وسائل إعلامها لإرضاء النظام الجزائري
وقالت عام 2021 إنها تجمع “أكثر من ثلاثة ملايين مشاهد كل أسبوع” في كولومبيا والأرجنتين والمكسيك، وهو رقم يزيد بنسبة 56 في المئة عن عام 2019.
وفي سياق آخر انتقدت وسائل إعلام مغربية تخصيص مذيع بقناة فرانس 24 لجزء من وقت برنامجه للحديث عن أن القناة اتصلت بالعديد من مسؤولي الإعلام في المغرب للمشاركة في برنامجه لكنهم اعتذروا تارة ولم يجيبوا تارة أخرى.
وقال يونس مجاهد رئيس مجلس الصحافة في المغرب إنه اختار عدم المشاركة في برنامج “منتدى الصحافة” الذي تبثه قناة فرانس 24، بسبب “ضعف مستوى المضامين التي يقدمها”، مؤكدا أن القناة لم تتواصل معه سوى عبر تطبيق واتساب، دون أي تفاصيل حول البرنامج والضيوف.
وأضاف مجاهد أنه يتلقى يوميا العشرات من الرسائل والاتصالات من قنوات وصحف وطنية ودولية يجيب عنها حين القدرة، مؤكدا أنه لا يمثل نفسه، والمشاركة باسم الهيئة تقتضي التواصل عبر قنوات رسمية واضحة وليس بتلك الطريقة التي اتصلت به القناة عبرها.
وأكد مجاهد أن “البروباغندا أصبحت تطغى على مضامين القناة بشكل كبير”، وشدد مجاهد على أن فرانس 24 “تتعامل مع المغرب بشكل منحاز وبانتقائية كبيرة”، مردفا أن “بلدانا عديدة تشهد خروقات لكن لا يتم التطرق إليها على الإطلاق”، وتساءل عن العلاقة بين هذا الأمر والنقاش بين المغرب وفرنسا على المستوى السياسي.
ويتهم مغردون وإعلاميون مغاربة وسائل إعلام فرنسية بشن هجمات إعلامية ضد بلادهم، وقالوا إن قناة فرانس 24 مولت حملة إعلانية على فيسبوك للترويج لاتهاماتها ضد المغرب.
وفي يوليو العام الماضي تصدر هاشتاغ ساخر بعنوان #غردكأنكصحافي_فرانس 24 الترند المغربي على مواقع التواصل الاجتماعي، رد فيه مغردون مغاربة بطريقتهم الخاصة على بعض التقارير الصحفية التي نشرتها قناة فرانس 24 حول اتهام المغرب باستخدام برنامج بيغاسوس للتجسس.
النقابة الوطنية للصحافة المغربية كشفت أن إنهاء عمل عبدالصمد ناصر من قناة الجزيرة يعود إلى نشره تغريدة على تويتر “يدافع فيها عن شرف المرأة المغربية”
وتقول شامة درشول الباحثة المتخصصة في الإعلام الجديد إن قناة فرانس 24 تنتمي إلى ما يسمى بالإعلام الدعائي أو الإعلام الموجه، وهو الإعلام الذي يكون تابعا لوزارة خارجية دولة ما، ويمول من قبلها، لكنه ينفذ أجندة وزارة الدفاع تحت غطاء ناعم. ويستهدف هذا النوع من الإعلام الدول التي لوزارة الخارجية مصالح إستراتيجية فيها (حالة فرنسا – المغرب).
وتضيف أن “هذا النوع من الإعلام يدخل في مجال نادر اسمه ‘الخدمات اللاعسكرية’، حيث يتم توظيف عدد من الأدوات بما فيها الإعلام لتحقيق أهداف يستحب تحقيقها دون حاجة إلى الدخول في مواجهات عسكرية”.
وتعتبر درشول أن “فرانس 24 تقلد قناة الحرة الأميركية وقبلها راديو سوا، حيث كان إطلاق هذين المنبرين مع تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وحربي أفغانستان والعراق، وقبلهما كانت إذاعة صوت أميركا بأقسام موجهة للشرق الأوسط وكوبا وكوريا الشمالية وإيران”. وتؤكد الباحثة أن “فرنسا تلميذ سيء للولايات المتحدة”.
يذكر أن الأمر لا يتعلق بالصحافيين المغاربة في فرنسا فقط بل حتى في بلدان أخرى. وسبق أن أثار خبر استغناء قناة الجزيرة القطرية عن الصحافي المغربي عبدالصمد ناصر موجة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي إثر الحديث عن أسباب هذا الفصل وملابسات من يقف وراءه.
وكشفت النقابة الوطنية للصحافة المغربية في بيان أن إنهاء عمل عبدالصمد ناصر من قناة الجزيرة يعود إلى نشره تغريدة على تويتر، “يدافع فيها عن شرف المرأة المغربية”، بعد ما تعرضت له من “احتقار من طرف وسيلة إعلام جزائرية رسمية”، والتي اتهمت الدولة المغربية بـ”الاتجار بعرض وشرف نساء المغرب”.
وأضافت النقابة أنها حصلت على “معطيات دقيقة وصحيحة من مصادر عديدة” تفيد بأن التغريدة كانت سبباً في “طرد” المذيع.
وأوضحت أنه بعد نشر التغريدة من قبل ناصر اتصل به مدير الأخبار في القناة، وهو جزائري الجنسية، يأمره بحذف التغريدة، ورد عبدالصمد بالرفض؛ لأن الأمر يتعلق بحرية التعبير في فضاء غير ملزم للقناة.
وإثر ذلك اتصل به المدير العام للقناة واستقبله في مكتبه، وطالبه بحذف التغريدة أو تعديلها على الأقل بما لا يفهم منه إساءة إلى الدولة الجزائرية، وأنه في حالة الرفض سيكون مضطرّا إلى اتخاذ إجراء إداريّ رادع. لكن المذيع المغربي تمسّك برفض التجاوب مع الطلب، والتأكيد على أن التغريدة تدخل في صميم ممارسة حرية التعبير في فضاء لا يعني قناة الجزيرة القطرية.
ولفتت النقابة إلى وجود “لوبي جزائري داخل القناة وخارجها، ووجود تدخلات وضغوط تمارسها سفارة الجزائر بالدوحة لتفرض توجّهاً معيناً معادياً لمصالح المغرب داخل القناة، وفيما تقدّمه من محتويات إعلامية”.