انتهت صلاحية البروتوكول الحالي لاتفاقية الصيد البحري التي تجمع بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، في 17 يوليو الجاري، وينتظر الاتحاد الأوروبي حكم الاستئناف والذي من المتوقع الإعلان عنه بحلول نهاية هذا العام. العنصر الأكثر أهمية في هذا التوجه هو موقف المغرب الذي عبرت عنه الخارجية المغربية في ثلاثة معايير أساسية، أي أن المسألة ليست فقط في موقف المحكمة من الاتفاق، لكن هل سيحقق الاتفاق الجديد ما تصبو إليه الرباط.
المملكة المغربية لن تجدد اتفاق الصيد البحري إلاّ بناء على موقف يقيني من الاتحاد بخصوص سيادة المغرب على صحرائه. وعليه تتحرك مدريد والدول المعنية من أجل ضمان تجديد الاتفاقية، وهذا يتطلب حكما جديدا من محكمة العدل الأوروبية التي سبق أن ألغت الاتفاقية.
نتساءل لماذا ترددت محكمة العدل الأوروبية في نهج الطريق الذي سلكته المملكة المتحدة التي انتصرت لمصالح المغرب، ورفضت طلب استئناف تقدمت به منظمة غير حكومية موالية لبوليساريو في مايو الماضي، ضد قرار سابق للقضاء، حاول الطعن في اتفاق الشراكة الذي يربط المغرب بالمملكة المتحدة.
◙ لإعادة روح الثقة بين الطرفين، لا يمكن معالجة مشكلة تهم الثروات القومية، من سمك وفوسفات ومعادن وطاقة، دون تقييم شامل للشراكة الحالية
إذا كانت دول الاتحاد تسعى لتحصين مصالحها دون مراعاة مصالح البلد المعني بتلك الثروات، فهذا يعني أن هناك خللا في هذه المنظومة يجب تصحيحه، ولا مشكلة في تعليق أنشطة الصيد حتى يتم استجلاء كل النقاط المرتبطة بالمعايير التي طرحها المغرب كبلد ذي سيادة.
مقاربة رابح – رابح التي اعتمدها المغرب مع شركائه مشروطة بمواقف واضحة في ما يتعلق بحماية مصالح المملكة، وهذا ما أكده وزير الخارجية ناصر بوريطة، عندما قال إن “أي اتفاق مستقبلي ينبغي أن يكون في إطار احترام السيادة المغربية منطلقا لأي اتفاق”، مشدّدا على أن “المغرب لا يتفاوض حول سيادته”.
لا تكفي تصريحات إيجابية من هذا الطرف أو ذاك بل يجب أن تنخرط جميع الهياكل المؤسساتية في احترام التوجهات السيادية للمغرب، لا أن تغرد طيور البرلمان الأوروبي والمحكمة الأوروبية عكس ما يردد رئيس الاتحاد.
اتفاق الصيد البحري، لا يمكن توظيفه في الإطار الاقتصادي الضيق، بل يدخل ضمن المفهوم الشامل للأمن القومي الغذائي في مجاله الاجتماعي والاقتصادي.
الكلام عن تعاون بناء ورابح يعني أن اتفاق الصيد البحري المزمع توقيعه، هو عنوان ضمن عناوين أخرى تجب إعادة النظر في التعاطي معها بإيجابية ومسؤولية وبعيدا عن الازدواجية في الموقف مع المغرب، منها ملفات الهجرة والإرهاب والطاقة والأمن الغذائي.
◙ روسيا واليابان والمملكة المتحدة أطراف مهتمة بصفقات الصيد مع المغرب وبشروط عادلة
إنها اختبارات مصيرية تضع مؤسسات ودول الاتحاد الأوروبي أمام الأمر الواقع.
هناك أطراف لا تزال تحن إلى زمن كان الهدف الأساسي حينها الاستفادة الاقتصادية والتجارية، على حساب علاقات متوازنة مع المغرب. لكن النهج الذي تدبر به المملكة علاقاتها مع من تراهم شركاء حقيقيين، يكرس الرؤية الاقتصادية التي لا تنفصل عن السيادة السياسية والدبلوماسية، ويوفر مساحة لبناء علاقات أوثق وتعزيز السلام والازدهار المشتركين.
كان العاهل المغربي الملك محمد السادس حازما عندما أعلن أن بلاده لن تنخرط في أي خطوة اقتصادية لا تغطي جميع أراضيها، بما في ذلك الصحراء، معربا عن موقف حازم للرباط التي لن تتنازل عن وحدة أراضيها وسيادتها الاقتصادية.
أحادية الاتجاه التي عبرت عنها بعض دول الاتحاد، ظهرت عند تصويت البرلمان الأوروبي قبل أيام على توصية بإدانة المغرب ووضعه، إلى جانب قطر، على رأس لائحة الدول التي تتدخل في شؤونه، بناء على اتهامات تفتقد للحجج والدلائل ولا تزال أبحاث قضائية جارية بشأنها.
◙ المملكة المغربية لن تجدد اتفاق الصيد البحري إلاّ بناء على موقف يقيني من الاتحاد بخصوص سيادة المغرب على صحرائه. وعليه تتحرك مدريد والدول المعنية من أجل ضمان تجديد الاتفاقية
الرباط تعي جيدا أن كلا من المحكمة الأوروبية والمفوضية الأوروبية والاتحاد الأوروبي تمارس بالتوازي سياسة تبادل الأدوار في ما يخص المس بالمصالح الحيوية للمملكة.
لإعادة روح الثقة بين الطرفين، لا يمكن معالجة مشكلة تهم الثروات القومية، من سمك وفوسفات ومعادن وطاقة، دون تقييم شامل للشراكة الحالية.
وهذا يفسر التركيز الاستثنائي للرباط على تعدد الشراكات والتعاون الثنائي في مجالات متعددة، منها التسليح وأمن الطاقة وجهود مكافحة الإرهاب لحماية مصالحها وسيادتها وتحصينا لها من أي مساومة، خصوصا وأن روسيا واليابان والمملكة المتحدة أطراف مهتمة بصفقات الصيد مع المغرب وبشروط عادلة.
السؤال، هل صمدت الشراكة الإستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب أمام اختبار الزمن؟ سيكون من المضلل القول إن الشراكة مع الأوروبيين الذين لا يزال يسيطر عليهم السلوك الكولونيالي حاليا، لها نفس الأهمية القصوى مقارنة بشراكات مع دول كان لها موقف داعم حقيقي لمصالح المملكة، سواء داخل الاتحاد أو خارجه.
انظر إلى ما حدث سابقا مع إسبانيا وألمانيا وفرنسا، التي تأبى الاعتراف بأحقية المملكة في سيادتها على صحرائها؛ فرغم أنها استفادت كثيرا من اتفاقية الصيد البحري المنتهية، انخرطت على مستوى البرلمان الأوروبي في التشويش على مصالح المملكة. لهذا يريد المغرب خارطة طريق محددة لتجنب الأخطاء التي ارتكبت في حق المغرب وسيادته.