اليمين الإسباني يستخدم المغرب وقودا لحملته الانتخابية
الملف المغربي هو الموضوع الأثير عند كافة الأحزاب المشاركة في الانتخابات التشريعية في إسبانيا، والمقرر إجراؤها في 23 يوليو. كما كانت العلاقات المغربية – الإسبانية موضوعا رئيسا في الانتخابات المحلية، التي أعطت المرتبة الأولى للحزب الشعبي اليميني المعارض. فحسابات الأحزاب السياسية الإسبانية المعارضة أرادت إظهار حكومة بيدرو سانشيز عديمة المسؤولية عندما قررت دعم سيادة المغرب على صحرائه.
غالبا ما استغلت أحزاب بعينها الحملات الانتخابية، للعزف على وتر معاداة المهاجرين، والنيل من سمعة المغرب، لتحقيق مكاسب انتخابية، وليس فقط حزب “فوكس” اليميني، الذي دأب على توظيف ورقة المغرب مع بداية كل استحقاق انتخابي.
تصريحات وزير الخارجية الأسبق غارثيا مارغايو، المنتمي إلى الحزب الشعبي الحاكم في إسبانيا، مؤخرا، لم تخرج عن استغلال ورقة المغرب في الحملة الانتخابية، عندما ادعى تورط المغرب في التلاعب بالأصوات الانتخابية في مليلية. لكن الواقع كذبه عندما فاز حزبه بالأغلبية في المدينتين المحتلتين.
في المغرب، لا وجود للخوف الذي تروج له وسائل إعلام تابعة للمعارضة، من عودة إسبانيا إلى الحياد في ملف الصحراء. صاحب القرار بالرباط مطمئن إلى الطريقة التي عالج بها الأزمة مع حكومة سانشيز
في الأساس، وبعيدا عن المزايدات الانتخابية، سيجد اليمين أمامه واقعا سيكون من الأفضل له مجاراته، بعدما وقعت حكومتا إسبانيا والمغرب اتفاقات بشأن إدارة الهجرة وتعزيز الاستثمار الإسباني في المغرب. 20 اتفاقية تم التوصل إليها في اجتماعات واسعة النطاق، كان الهدف منها طي صفحة التوترات الدبلوماسية المرتبطة بالصحراء المغربية، مع اتفاق لفتح مكاتب جمركية على المعابر الحدودية في جيبي سبتة ومليلية.
ولا يخفي رئيس الحكومة الإسبانية العمالي، أهمية تحسين مسارات الاتصالات بين البلدين، بقصد تجنب الإجراءات الأحادية الجانب وعدم استبعاد أي موضوع بغض النظر عن مدى تعقيده، بعد توقيع خارطة الطريق من قِبَل مدريد والرباط عام 2022.
كان رئيس حزب العمال حريصا على ألا تكون العلاقات مع المغرب محط مزايدات انتخابية، وذلك حتى لا يتم استغلالها من طرف خصومه السياسيين للركوب على هذه القضية انتخابيا، عندما أكد أكثر من مرة تأسيس “علاقات بين إسبانيا والمغرب تستمر في الحاضر والمستقبل على أساس الثقة المتبادلة”.
هذا الموقف الذي أثار غضب الجزائر الداعم الرسمي لبوليساريو، التي تحارب من أجلها سياسيا ودبلوماسيا وماليا وعسكريا ولم تتوان في ابتزاز الإسبان بالغاز الطبيعي، تلقفه السياسيون الإسبان لإضعاف موقف سانشيز سياسيا، وإخراج حزبه من الصف الأول انتخابيا، ووصفه بخائن بوليساريو مقابل مكاسب قليلة جدا مع المغرب.
مهما كانت شراسة استغلال السياسيين الإسبان لملف المغرب في حملاتهم الانتخابية، إلا أن الجميع يصفه بالحليف القوي في محاربة التطرف، ومهم في مساعدة سياسات الهجرة في الاتحاد الأوروبي. كما يشكل المغاربة أكبر جالية أجنبية في إسبانيا، وإسبانيا هي أكبر مستثمر أجنبي في المغرب، مما يجعل التعاون الاقتصادي على رأس أولويات الحكومة الإسبانية المقبلة مهما كان الحزب الذي سيتصدر انتخابات يوليو.
في الحملات الانتخابية كل الأسلحة السياسية والدبلوماسية مسموح استعمالها للإطاحة بالخصم. ويعتبر ملف العلاقات مع المغرب والصحراء ملفا دسما يمكن الخوض فيه لتحقيق مكاسب انتخابية. لهذا عاد ألبرتو نونيز فيجو زعيم حزب الشعب الإسباني، إلى الغموض في التقييم، عند طرحه الموقف بشأن الصحراء الذي قرره سانشيز العام الماضي.
يصارع فيجو الزمن الانتخابي للفوز بالمركز الأول وعينه على كرسي رئاسة الحكومة، وبدوره قدم رؤيته لعلاقات إسبانيا مع المغرب. وشهيته مفتوحة بعدما فاز اليمين، الذي يمثله في الانتخابات المحلية، فيما بدا أنه تنصل من الناخبين لسياسات سانشيز.
ظهر فيجو أمام الصحافة بداية الحملة الانتخابية واثقا من فوزه ومستغلا دعم حكومة مدريد لخطة الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية، معتبرا أن سانشيز لم يفصح عن طبيعة الاتفاق مع المغرب. تحدث عن هذا الموضوع وهو يغمز إلى أن سانشيز أخرج إسبانيا من حيادها في الموضوع، متجاهلا المتغيرات التي حصلت، ومتخطيا القراءة الموضوعية البعيدة عن الشعبوية والاستغلال الانتخابي التي تقول إن ما قام به سانشيز من موقعه كان سيقوم به فيجو أيضا دون تردد.
مهما كانت شراسة استغلال السياسيين الإسبان لملف المغرب في حملاتهم الانتخابية، إلا أن الجميع يصفه بالحليف القوي في محاربة التطرف، ومهم في مساعدة سياسات الهجرة في الاتحاد الأوروبي
تأمل معي، عند حديث فيجو إلى التلفزيون الإسباني، قائلا إن العلاقات مع المغرب ضمن أولوياته في أن تكون له علاقة “ممتازة مع دولة مجاورة وحليف وصديق”، وإن أي قرار يمكن أن ينطوي على تغيير في موقف إسبانيا لن يتم اتخاذه دون استشارة البرلمان.
يريد فيجو إظهار أنه يتميز عن سانشيز وأن طريقته مختلفة، لكن النتيجة التي لا يريد إظهارها للناخب الإسباني هي أنه لا يستطيع تغيير ملامح الاتفاقات التي وقعتها الحكومة الإسبانية، خصوصا بعد أن ردد أمام رئيس حكومة المغرب عزيز أخنوش، أن بالإمكان الوثوق به، وأنه رجل دولة.
نشير إلى مناورة أخيرة طويلة الأمد لتسفيه ما قام به حزب العمال في شأن علاقة بلده مع المغرب، عندما قال فيجو “إننا نحتاج إلى معرفة اتفاق سانشيز مع المغرب وإعادة شفافية الاتفاقيات مع الحصول على موافقة الكونغرس ومجلس الشيوخ، وأن الموقف الإسباني بشأن الصحراء سيطرح على طاولة البرلمان في حال ترؤسه الحكومة المقبلة”.
مناورة لا تخرج عن مساومة انتخابية بعدما استبق سانشيز الكل بالإعلان عن فتح صفحة جديدة مع المغرب، الذي اتهم بعض أحزاب المعارضة بترويج أخبار تفيد بالعثور على معلومات ضده على هاتفه، والتي أضعفت موقف إسبانيا، وهو سبب تغيير الموقف بشأن الصحراء، وهذا مجرد فقاعة انتخابية لا غير.
في المغرب، لا وجود للخوف الذي تروج له وسائل إعلام تابعة للمعارضة، من عودة إسبانيا إلى الحياد في ملف الصحراء. صاحب القرار بالرباط مطمئن إلى الطريقة التي عالج بها الأزمة مع حكومة سانشيز، ولا يوجد أي أمل لبعض الأحزاب المساندة للطرح الانفصالي، لثني الحكومة الإيبيرية المستقبلية عن التراجع عن الموقف الذي عبر عنه سانشيز.
باختصار، إقحام المملكة في صراعات انتخابية هو لإحراج حكومة سانشيز، سواء من طرف أحزاب اليمين أو اليمين المتشدد أو يسار بوديمويس. وقد فشلت نائبة رئيس الحكومة يولاندا دياز، ووزيرة العمل، زعيمة الائتلاف اليساري سومار، في استغلال موضوع الصحراء المغربية لصالح حملتها الانتخابية، ولم تفلح في إجبار رئيسها سانشيز على إعادة موقفه من الصحراء المغربية ومن خارطة الطريق، حيث أرادت المرأة الثانية في الحكومة أن تضع شركاءها في الحكومة، حزب العمال الاشتراكي، في مأزق، ولم تنجح في مسعاها.