الجزائر تطلب المساعدة الدولية لاسترجاع الأموال المنهوبة
المسؤولون الجزائريون يطلقون تصريحات كثيرة بشأن استعادة الأموال المنهوبة المستقرة في الخارج، لكن لا شيء يتحقق من هذه التصريحات. وما يثير حرجا أكبر هو أن الرئيس عبدالمجيد تبون جعل من هذا الملف أحد أبرز وعوده الانتخابية، وهو ما قد يؤثر على مصداقيته.
طلب رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبدالرحمن أثناء تنصيب هيئة للشفافية ومحاربة الفساد من المجموعة الدولية مساعدة بلاده على استرجاع الأموال المنهوبة، ويقصد بها تلك المهرّبة إلى الخارج، الأمر الذي يؤكد الصعوبات والتعقيدات التي تعتري العملية، وتحول دون تحقيق أبرز تعهد في برنامج الرئيس عبدالمجيد تبون.
ودعا رئيس الوزراء الجزائري مختلف البلدان والهيئات وشركاء بلاده إلى ضرورة مساعدتها من أجل استرجاع الأموال المهربة إلى الخارج، والمملوكة لرموز ووجوه سلطة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة الذي أطاحت به احتجاجات الحراك الشعبي في 2019.
ولا زالت التقديرات متضاربة بشأن الأموال الجزائرية الموطّنة في الخارج من طرف رجال أعمال وشخصيات سياسية ونافذين في السلطة، ولم تصدر السلطات المختصة أي بيانات حولها لغاية الآن، إلا أن الرئيس تبون قال إنها تقدر بـ”عشرات المليارات بالعملة الصعبة”.
التقديرات متضاربة بشأن الأموال الجزائرية في الخارج المهرّبة من طرف رجال أعمال وشخصيات سياسية ونافذين في السلطة
وجاء نداء رئيس الوزراء الجزائري الموجه إلى الحكومات والهيئات والشركاء في ظل الحديث عن تعثر العملية لحد الآن بسبب التعقيدات المحيطة بها، والمسار الطويل الذي تتطلّبه، لاسيما مع الجهات التي لا تربطها مع الجزائر أي اتفاقية حول التعاون القضائي والمالي.
وقال بن عبدالرحمن في كلمته خلال فعاليات الإطلاق الرسمي لـ”الإستراتيجية الوطنية للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته” بالمركز الدولي للمؤتمرات بالعاصمة، إنه “لا يمكن أن نكافح الفساد، ولا يمدّون لنا اليد في استرجاع الأموال المهربة التي هي نتاج فساد وأمور كثيرة تعرفونها”.
وأكد المتحدث أن رئيس الجمهورية أولى عناية كبيرة لأخلقة الحياة العامة ومحاربة الفساد، حتى تم تفعيل العديد من التعهدات المتعلقة بتعزيز الحكم الرشيد والعدالة وتحديثها وتدعيم الديمقراطية التشاركية ومجتمع مدني حر ونزيه.
ولفت إلى أن الحكومة قامت بجعل مكافحة الفساد وأخلقة الحياة العامة تسايران مخططها السنوي بوضع قواعد تنظيمية لضمان الشفافية في التسيير العام والابتعاد عن المحاباة وفصل المال الفاسد عن السياسة.
وأضاف أن “الفساد ظاهرة عابرة للأوطان وتأخذ أشكالا متعددة ومتشعبة، الأمر الذي يقتضي تخطيطا إستراتيجيا مبنيا على أسس ومناهج علمية، من خلال الاستعانة بتجارب البلدان التي سبقتنا في هذا المجال والتعاون وتبادل الخبرات مع المنظمات التي تنشط في هذا الإطار”.
وأدرج تبون ملف استرجاع الأموال المنهوبة ضمن ما يعرف بـ”التعهدات الـ54″، وهو البرنامج السياسي الذي عرضه على الجزائريين خلال الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية العام 2019، وصرح أثناء حملته الدعائية بأنه “يعرف حجم الأموال والوجهات التي تتواجد فيها، ولا يريد الكشف عن الأمر الآن، لكي لا يتمكن أصحابها من خوض خطة مضادة لطمس المعالم”.
غير أنه وبعد مرور قرابة أربع سنوات على انتخابه، لم تتمكن الجهات المختصة من استعادة الأموال المذكورة بسبب التعقيدات التي تحيط بها، وهو ما تعتبره المعارضة “فشلا للمسؤول الأول في الدولة في الوفاء بتعهداته”.
وذكر رئيس الوزراء أن “الرئيس تبون كان رائدا في إبعاد المال الفاسد عن السياسة ونجح من خلال ذلك في تطهير العمل السياسي من المال الفاسد، وأن الجزائر حرصت على الانخراط الكامل في جهود مكافحة الفساد في القارة الأفريقية، وسعت لتعزيز تواجدها في كل المحافل المعنية بمكافحة الفساد وانضمامها إلى هيئات مكافحة الفساد”.
حملة مكافحة الفساد أفضت إلى توقيف وسجن العشرات من رجال المال والأعمال والوزراء والقادة السياسيين.. لكنه لم يعلن لحد الآن عن استرجاع أي مبلغ مالي مهرب
وأفضت حملة مكافحة الفساد المفتوحة منذ العام 2018 إلى توقيف وسجن العشرات من رجال المال والأعمال والوزراء والقادة السياسيين والضباط السامين بتهم ممارسات الفساد، وعلى رأسها تهريب العملة الصعبة إلى الخارج، لكنه لم يعلن لحد الآن عن استرجاع أي مبلغ مالي مهرب، ولذلك جاءت الدعوة من رئيس الوزراء إلى مختلف الحكومات والهيئات، لكن درجة التفاعل مع النداء تبقى مجهولة على اعتبار أن العملية تخضع للإجراءات القضائية أكثر منها للمزاج السياسي.
وأكدت رئيسة السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته سليمة مسراتي خلال ندوة اطلاق الإستراتيجية الوطنية للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته على أهمية تعزيز الشفافية والمساءلة ومكافحة الفساد في تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 باعتباره أحد مقوماتها.
وأوضحت المتحدثة أن “السلطة العليا اعتمدت أثناء صياغتها لهذه الإستراتيجية على خطة 2030 التي تشدد على أهمية تعزيز الشفافية والمساءلة ومكافحة الفساد لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتربط بشكل واضح بين الفساد والسلام والمجتمعات العادلة والشاملة بالهدف رقم 16، فضلا عن الإعلان السياسي الصادر خلال الجمعية العامة الاستثنائية الـ32 للأمم المتحدة”.
وأضافت “يتوجب على الجميع العمل وفق مقاربة أهداف التنمية المستدامة لصياغة البرامج القطاعية لتنفيذ الإستراتيجية الوطنية للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته ومتابعة تنفيذها وتقييمها، والتي ستؤهل الجزائر لبلوغ الأهداف المسطرة في حدود 2030 بصفة فعلية وفعالة”.
ولفتت إلى أن “الإستراتيجية الوطنية تهدف إلى وضع مجموعة من التدابير والخطط الإستراتيجية القطاعية التي تتولى بصفة أساسية معالجة إشكالية تغيير سلوك الأفراد والجماعات بغية تعزيز الشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته على مستوى القطاع العام، والقطاع الاقتصادي وقطاع المجتمع المدني باعتبارها معنية بتنفيذ ومتابعة تنفيذ هذه الإستراتيجية”.