التغيرات المناخية تضغط على الجزائر لتوفير الأمنين المائي والغذائي
سجلت الجزائر أرقاما قياسية في درجة الحرارة ببعض البلدات والمحافظات خلال الأسبوع الجاري، وهو مؤشر على نتائج التغيرات المناخية التي باتت تضغط بقوة على الجزائر، من أجل مراجعة خياراتها الاقتصادية والاجتماعية، فالأمن الغذائي والمائي بات في صدارة الأولويات التي يستوجب على الحكومة الأخذ بها، والإبقاء على شروط الحياة في بعض المناطق قبل أن تصبح مستحيلة.
وبلغت درجة الحرارة في الجزائر العاصمة لأول مرة خلال هذا الأسبوع 48 درجة مئوية، فكانت بذلك علامة فارقة ومفاجئة في الخارطة المتداولة من طرف مصالح الأرصاد الجوية؛ فقد تعود الجزائريون على أن يكون شمال البلاد الأقل سخونة مقارنة بمناطق الهضاب والصحراء.
ولم يقتصر الأمر على العاصمة، فقد شملت الظاهرة كل مناطق ومحافظات الشريط الساحلي، أين سجلت درجات حرارة قياسية ولأول مرة تفوق تلك المسجلة في مناطق داخلية وصحراوية، وهو مؤشر قوي على نتائج وتأثير التغيرات المناخية على البلاد، مما يستدعي اتخاذ السلطات إجراءات تأخذ ذلك بالحسبان في مستقبل مخططات الغذاء والماء.
وكشفت شركة “سونالغاز” الحكومية، المحتكرة لإنتاج وتوزيع الكهرباء والغاز، عن تسجيل أرقام استهلاك قياسية متتابعة خلال هذا الأسبوع، حيث وصلت ذروة استهلاك الكهرباء إلى سقف 18 ألف ميغاوات، بسبب تشغيل مكيفات الهواء بشكل غير مسبوق خلال الأسبوع الذي تراوحت فيه الحرارة بين 45 وأكثر من 50 درجة مئوية تحت الظل.
وقال مسؤول في شركة سونالغاز “رغم الحرارة العالية التي سجلت مؤخرا، إلا أن الهياكل الطاقوية والشبكة الكهربائية الوطنية تفاعلتا إيجابيا مع هذه الوضعية الاستثنائية، حيث أن مصالح سونالغاز تكفلت بعمليات استرجاع الكهرباء لبعض المناطق التي مستها تذبذبات متفاوتة في توزيع الكهرباء”.
وأضاف “خلية اليقظة التي نصبت على مستوى المديرية العامة للمجمع تشرف على كل التوجيهات التقنية والإمدادات الخاصة بالمورد البشري المتخصص والتدعيمات المادية لمواجهة كل طارئ قد يحدث جراء هذه الوضعية الاستثنائية”.
وكانت الجزائر تسجل فائضا في إنتاج الكهرباء يصل إلى نحو 20 ألف ميغاوات، وكانت تبحث عن فرص تصديرها إلى أوروبا عبر إيطاليا، بحسب ما أعلن عنه في وقت سابق الرئيس عبدالمجيد تبون، لكن الفائض ما انفك يتقلص تدريجيا تحت ضغط زيادة الاستهلاك الداخلي بسبب موجة الحر التي تضرب البلاد منذ عدة أشهر، وسجلت أرقاما قياسية خلال هذا الأسبوع.
وأمام هذه الوضعية تتزايد المخاوف لدى السكان والسلط المختصة من اندلاع حرائق في الغابات والأحراش، خاصة وأن صور حرائق صائفة عام 2021 مازالت ماثلة أمام الجميع، لاسيما في منطقة القبائل التي تركزت فيها تلك الحرائق وسجلت خسائر بشرية ومادية فادحة، حيث تذكر بعض الإحصائيات أن عدد الوفيات فقط ناهز الـ200 حالة وفاة.
وتتعرض الجزائر لموجة جفاف شديدة خلال السنوات الأخيرة، لتكون بذلك واحدة من أكبر ضحايا التغيرات المناخية العالمية، إلى جانب دول شمال أفريقيا، كما سبق وأن أعلنت عن ذلك منظمة الأمم المتحدة في قمة المناخ التي انعقدت في مصر.
وظهرت التأثيرات الأولية في تراجع منسوب المياه الجوفية والكميات المعبأة في نحو 80 سدا، الأمر الذي طرح تذبذبا في توفير مياه الاستهلاك والشرب للأفراد وسقي المنتوجات الزراعية، وتتراجع مردودية أو تلف المنتوجات الزراعية الغذائية كالحبوب والخضر والفواكه، وهو ما يطرح تحديا مفاجئا للسلطات المدعوة إلى مراجعة مخططاتها للحفاظ على الأمنين الغذائي والمائي.
ورغم توجه الحكومة إلى استثمار ملياري دولار لإنجاز خمس محطات تحلية لمياه البحر كي تنضاف بذلك إلى 11 محطة موجودة، بغية توفير مياه الشرب، إلا أن المخطط يبقى دون الضغوط الهائلة المتأتية من التأثيرات المناخية، لاسيما في ظل الطبيعة الجغرافية للبلاد وزيادة الحاجيات الداخلية والديمغرافية.
ويرى مختصون أن السلطات مطالبة بمراجعة آليات العمل الزراعي فيما يتعلق بمياه الري لتوفير الأمن الغذائي، خاصة وأن المؤشرات توحي بأن المناخ المتوسطي المنتج لمختلف المنتوجات لم يعد متاحا، لذلك تتوجب مراجعة وتكييف وتوزيع الزراعات.
وقدمت الحكومة جملة من التوصيات، منها عدم إشعال النار ومواقد الشواء على مقربة من المحيط الغابي والزراعي، وعدم رمي أعقاب السجائر والمخلفات الزجاجية بصفة عشوائية، وكذلك عدم حرق الأعشاب الضارة في الأكوام، إلى جانب الامتناع عن إطلاق الألعاب النارية وتفادي الأشغال الخارجية المولدة للشرارات.
ودعت المديرية العامة للغابات إلى “توخي الحيطة والحذر، لاسيما من خلال الابتعاد نهائيا عن كل التصرفات التي يمكن أن ينجم عنها نشوب نيران تهدد أمن وسلامة المواطنين والثروة الغابية، لأن الغابة ملك للجميع وحمايتها مسؤوليتنا جميعا”.
وكانت وزارة الداخلية قد أطلقت في شهر يونيو الماضي فعاليات توعوية جوارية على مستوى كل محافظات الوطن، تحت إشراف محافظي الجمهورية تتواصل نشاطاتها طيلة موسم الصيف، بمشاركة عدد من القطاعات الوزارية والهيئات والمؤسسات ذات الصلة وفعاليات المجتمع المدني.
لكن التعبئة الحكومية تبقى دون مستوى تطلعات الشارع الجزائري، وتكتفي بحملات توعوية لا تقدر المخاطر الحقيقية التي تهدد الثروة الغابية والمناخ بشكل عام، في ظل التغيرات المناخية التي تستوجب توفير إمكانيات مادية وبشرية ضخمة، لأن المسألة لم تعد مجرد حرائق سنوية عادية.
ورغم التعهدات التي أطلقتها السلطة بأمر من الرئيس تبون لاقتناء طائرات إطفاء متطورة تفاديا لسيناريو حرائق منطقة القبائل، إلا أن الحكومة لم توفق في توفير ذلك لأسباب مجهولة، ولذلك عمدت إلى تأجير طائرات مختصة من الشيلي خلال هذه الصائفة، وطائرة كبرى في العام الماضي من روسيا، في حين لم تصل إلى تحصيل الطلبية التي عرضتها عام 2021.