واشنطن تريد تفسيرا جزائريا لدواعي التحرك نحو الشرق
دعا وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن نظيره الجزائري أحمد عطاف إلى زيارة واشنطن قريبا، لبحث ملفات ثنائية وقضايا إقليمية، في وقت تقول فيه أوساط جزائرية متابعة للزيارة إن واشنطن تريد تفسيرا جزائريا لدواعي التحرك نحو الشرق بعد التساؤلات التي أثارتها زيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى موسكو وزيارته المرتقبة الاثنين إلى بكين.
وتشير الأوساط الجزائرية إلى أن الأميركيين يريدون أن يسألوا الجزائريين سؤالا مباشرا: ماذا تريدون من التوجه شرقا، بما في ذلك السعي للحصول على عضوية بريكس، خاصة أن الجزائر سبق أن أكدت في اتصالات مختلفة مع واشنطن أنها حريصة على بناء علاقات متوازنة مع مختلف الأطراف، لكن الاتجاه المتسارع نحو روسيا والصين يظهر عكس ذلك.
ولئن كانت روسيا عدوا آنيا لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في الحرب على أوكرانيا، فإن الصين ند إستراتيجي للولايات المتحدة، وبناء علاقات اقتصادية واسعة معها، كما يخطط لذلك تبون، سيفهم في واشنطن على أنه إضرار بالمصالح الأميركية، ومن شأنه أن يضاعف الضغوط على إدارة الرئيس جو بايدن لمعاقبة الجزائر وفق ما يُعرف بـ”قانون مكافحة خصوم أميركا”.
◙ ينتظر أن يكون منتدى الأعمال بين البلدين فرصة لتوسيع التعاون بين البلدين إلى القطاعات الاقتصادية والتجارية والاستثمارات والتعليم والثقافة
وقال بيان صادر عن وزارة الخارجية الجزائرية إن عطاف تلقى رسالة من نظيره الأميركي “يدعوه من خلالها للقيام بزيارة عمل إلى واشنطن في أقرب فرصة تسمح بها التزامات وارتباطات كل منهما”.
وأضاف البيان “هذه الزيارة ستشكل فرصة لعقد الدورة السادسة للحوار الإستراتيجي الجزائري – الأميركي، من جهة، ومن جهة أخرى وبشكل أعم لتقييم واقع التعاون متعدد الأبعاد بين الجزائر والولايات المتحدة”.
وتابع “في هذا السياق سيبدي الطرفان اهتماما خاصا بمسائل الأمن الإقليمي وجهود مكافحة الإرهاب والشراكة الاقتصادية المتطورة باستمرار، وكذلك مجالي الثقافة والتعليم اللذين تتوسع مكانتهما في العلاقات بين البلدين”.
وتأتي دعوة عطاف إلى واشنطن في أعقاب الزيارة التي قام بها الرئيس الجزائري إلى روسيا في منتصف الشهر الماضي، والتي أثارت لغطا لدى دوائر سياسية وإعلامية غربية، بعد الانسجام الذي ظهر بين تبون وفلاديمير بوتين، والتصريحات حول التعددية القطبية وهيمنة الأورو والدولار، والوساطة الجزائرية بين روسيا والغرب في الحرب القائمة منذ قرابة عام ونصف العام بأوكرانيا.
وأشّرت مفردة “أقرب فرصة” الواردة في البيان على أن الموقف الجزائري أثار حالة استنفار قصوى في الدبلوماسية الأميركية، ولذلك تريد الجزائر معالجة المسألة في وقت قياسي، وإن كانت الدعوة قد غلفت بجولة الحوار الإستراتيجي ومنتدى الأعمال.
ويلمّح إسراع واشنطن في استدعاء وزير الخارجية الجزائرية إلى استباق تفرد روسي – صيني بالجزائر، والحفاظ على مكانتها خاصة وأنها تريد توسيع العلاقات مع الجزائر من مجاليْ الطاقة والأمن إلى قطاعات أخرى تشمل الاقتصاد والتجارة والثقافة.
وسيشرع الاثنين القادم الرئيس الجزائري في زيارة دولة إلى الصين، وهي الزيارة التي يعول عليها الجزائريون، لتعزيز آفاق التعاون مع بكين عبر إبرام اتفاقيات تعاون جديدة تزيد من تصدّر الصين للائحة الشركاء الاقتصاديين للجزائر.
وتتبادل الجزائر وواشنطن سنويا احتضان جولات الحوار الإستراتيجي بين البلدين، وفي العام الماضي ترأست نائبة وزير الخارجية الأميركية ويندي شيرمان الحوار الإستراتيجي الخامس بين الولايات المتحدة والجزائر مع وزير الخارجية آنذاك رمطان لعمامرة في العاصمة الجزائر، واتفقا في مخرجاته على أهمية تعزيز الاستقرار الإقليمي، بما في ذلك دعم الجهود الدبلوماسية بقيادة الأمم المتحدة في ملف الصحراء المتنازع عليها بين الرباط وبوليساريو.
◙ الأميركيون يريدون أن يسألوا الجزائريين سؤالا مباشرا: ماذا تريدون من التوجه نحو روسيا والصين
ولئن ظلّ الحوار الإستراتيجي غير ملزم للطرفين، إلا أنه يشكل فرصة للتشاور وتبادل الآراء حول مختلف القضايا الإقليمية والدولية والملفات الثنائية، وهو ما يساهم في رفع اللبس الذي أثارته زيارة الرئيس تبون إلى موسكو وبعدها إلى الصين، كما يَضْمن احترام المصالح الإستراتيجية المتبادلة، وتبادل التطمينات خاصة بعد تصاعد أصوات أميركية تدعو إلى معاقبة الجزائر على خلفية صفقاتها العسكرية مع الروس.
وكان بايدن قد أكد لنظيره الجزائري، في رسالة تهنئة بمناسبة الذكرى الـ61 للاستقلال، أن “الشراكة المستدامة بين الجزائر والولايات المتحدة قد ساهمت في تعزيز السلام والازدهار لشعبينا ولشعوب العالم”.
ولفت إلى أن “البلدين سيعملان معًا على مواجهة التحديات الأمنية الإقليمية الرئيسية، بما في ذلك مكافحة التطرف والإرهاب، وأننا نعمق روابطنا التجارية والاقتصادية”.
وينتظر أن يكون منتدى الأعمال بين البلدين فرصة لتوسيع التعاون بين البلدين إلى القطاعات الاقتصادية والتجارية والاستثمارات والتعليم والثقافة، بعدما ظل مقتصرا طيلة العقود الماضية على قطاعات الطاقة والأمن ومحاربة الإرهاب، وهو ما كان مسؤولون أميركيون قد عبروا عنه خلال الجولات التي قادتهم إلى الجزائر، خاصة وأن قانون الاستثمار الأخير خص رجال الأعمال والمستثمرين الأجانب بحوافز مغرية لتشجيعهم على ولوج السوق الجزائرية.