يسعى المغرب، قبل أيام قليلة على انتهاء العمل باتفاق الصيد البحري المبرم مع الاتحاد الأوروبي، إلى بناء شراكة أكثر وضوحا مع أوروبا على النحو الذي يراعي إستراتيجياته الخاصة بالصيد، ويسهم في تقدم المواقف المتعلقة بسيادة الرباط على الصحراء المغربية.
ينتهي العمل باتفاق الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي في السابع عشر من يوليو الجاري، في وقت أعلنت فيه الرباط أنها ستعيد النظر في شراكتها مع بروكسل، بطريقة تراعي مصالحها الخاصة بالصيد والعوامل البيولوجية.
ويريد المغرب بناء شراكات ذات قيمة مضافة، دون تقديم الموارد الطبيعية مقابل الدعم المالي، وذلك وفقا للرؤية والسياسة الخارجية اللتين رسمهما العاهل المغربي الملك محمد السادس، واللتين تعطيان الأولوية لشراكات أكثر وضوحا، أكثر تقدما، في ما يتعلق بسيادة المملكة على صحرائها.
وقال وزير الشؤون الخارجية المغربي ناصر بوريطة، الأربعاء، “إن المغرب يعيد النظر في الشراكة الحالية مع الاتحاد الأوروبي”، مشيرا إلى أن “لجنة المصايد المشتركة بين المغرب والاتحاد الأوروبي ستجتمع هذا الأسبوع في بروكسل، لتقييم الاتفاق الذي يستمر أربعة أعوام”.
وأضاف بوريطة، خلال ندوة صحفية على هامش الاجتماع الوزاري الثالث لدول أفريقيا الأطلسية، أن “المغرب ليس في شراكة تتمثل في موارد مقابل مساعدات مالية”، منبها إلى أن الرباط تريد “شراكات أكثر تقدما وذات قيمة مضافة أقوى للمغرب”.
وأشار إلى أن “تقييم الحكومة المغربية سيأخذ بعين الاعتبار إستراتيجية المغرب المتعلقة بالمصايد، بالإضافة إلى العوامل البيولوجية”.
ولفت ناصر بوريطة إلى أنه من المرتقب أن ينعقد اجتماع هذا الأسبوع في بروكسل بين السلطات المغربية ونظيراتها الأوروبية، في إطار لجنة مشتركة في مجال الصيد البحري، وذلك بهدف إجراء تقييم مشترك لهذه السنوات الأربع.
وفي ما يخص مستقبل اتفاقية الصيد البحري، أكد فيرجينيوس سينكيفيسيوس، المفوض الأوروبي للبيئة والمحيطات ومصائد الأسماك، أن “المفوضية تسعى إلى تجديد الاتفاق مع الرباط، على الرغم من الصعوبات”.
وحسب بوريطة، “لا يريد المغرب نوع الشراكة المبني على الموارد الطبيعية مقابل الدعم المالي”، مشددا على أن المملكة بلورت إستراتيجية وطنية للصيد البحري “أليوتيس” ووضعت رؤية مخصصة لتطوير القطاع، تأخذ في الاعتبار تطلعات الفاعلين وتقتضي الملاءمة في إطار التفاعل مع الشركاء بهدف الحفاظ على هذا المورد الطبيعي المهم للمغرب والمغاربة وضمان استدامته.
ويرى مراقبون أن القيمة المضافة التي ركز عليها بوريطة، تتعلق بأن المفاوضات التي سيجريها المغرب مع دول الاتحاد الأوروبي، يجب أن تصب في مصلحته اقتصاديا وسياسيا، ما يعني الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه وألا يتم استغلال هذا الملف لابتزاز الرباط مثل ما يحدث حاليا من طرف بعض دول ومؤسسات الاتحاد الأوروبي.
وأفاد خالد الشرقاوي السموني، مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية، بأن “المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي حول تجديد اتفاقية الصيد البحري للمرحلة القادمة تهدف إلى وضع تعريف جديد للشراكة بين المغرب والاتحاد يرتكز على الاحترام المتبادل والتكافؤ، مع رفض منطق المساومة الذي تتعامل به بعض دول الاتحاد مع المغرب حول الاتفاقية، ما جعل منها ورقة ضغط لابتزاز المغرب في سيادته على صحرائه وثرواته”.
وشدد في تصريح لـه على أن “أي اتفاق مستقبلي مع الأوروبيين ينبغي أن يشمل الأقاليم الجنوبية التي تعتبر داخل السيادة المغربية ولا يمكن التفاوض بشأنها، كما أن المغرب حريص على تعزيز تعاونه مع الأوروبيين، مشترطا تجاوز المنطلق القديم لدى الكثير من القادة والسياسيين الأوروبيين الذين يعتبرون المغرب دولة متخلفة وتابعة، وأنها في حاجة إلى الموارد المالية”.
وتأتي تصريحات وزير الخارجية المغربي متناسقة مع التوجه الإستراتيجي للمملكة في ما يخص ربط سيادة المغرب على صحرائه بأي تطوير في العلاقات الثنائية بين المغرب ومجموعة من البلدان الأوروبية ومستقبل الشراكة السياسية والاقتصادية، منها فرنسا التي لا يزال موقفها ضبابيا عكس موقفي إسبانيا وواشنطن الداعمين لمبادرة الحكم الذاتي والشراكة المتقدمة مع المغرب.
وتتحرك الدبلوماسية المغربية في الإطار الذي حدده خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس، في أغسطس 2022، عندما أكد أن “ملف الصحراء هو المعيار الذي يقيس به المغرب صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات، وننتظر من الدول التي تتبنى مواقف غير واضحة بخصوص مغربية الصحراء أن توضح مواقفها بشكل لا يقبل التأويل”.
ومع استمرار الأزمة بين الرباط وباريس، خرج سفير فرنسا بالمغرب كريستوف لوكورتييه مدافعا عن موقف بلده من ملف الصحراء المغربية، داعيا إلى تجاوز ما أسماه بـ”سوء الفهم بين الشريكين”، عبر تقديم التوضيحات اللازمة، معتبرا، في حوار مع “ليكونومسيت” المغربية، أن “برلين ومدريد وغيرهما تتجه عموما إلى إعادة نسخ الموقف الفرنسي”.
ودون أن يقدم أي تفسير حول السبب الحقيقي للأزمة بين البلدين، وصف السفير الفرنسي الأمر بـ”سوء فهم”، مؤكدا “ضرورة العمل من أجل تقديم التوضيحات اللازمة”.
وأشار إلى أن “هناك تأويلات في مواقع التواصل الاجتماعي أو الخدمة في بعض الصحف، والتي تتهم فرنسا بلعب دور لم تقم به، ولن تلعبه في بعض الملفات”، داعيا إلى “ضرورة بناء حوار بين البلدين حول المشاريع المشتركة، وإعطاء أفق جديد للعلاقات الثنائية”.
وتعليقا على تصريحات سفير فرنسا، أكد السموني أن “المغرب يصر على بناء علاقات اقتصادية جديدة وشراكة حقيقية، متزنة ومتكافئة تعود بالنفع المشترك للطرفين دون اختلال، وعلى هذا الأساس فإن الاتحاد الأوروبي، ومنه فرنسا، مدعو إلى تجاوز العقلية التقليدية بكون المغرب في حاجة فقط إلى مساعدات مالية أو قروض أو يراهن على الجانب الأوروبي لدعم قضية الصحراء المغربية، مقابل تنازلات من قبل الجانب المغربي”.
وفي رسالة فرنسية إيجابية، أصدرت محكمة تاراسكون الفرنسية، قبل أسابيع، حكما داعما للاتفاق المبرم بين المغرب والاتحاد الأوروبي في المجال الزراعي، وتنتظر المفوضية الأوروبية القرار الاستئنافي لمحكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي، قبل بدء المفاوضات مع المغرب لتجديد بروتوكول الصيد الذي سينتهي في السابع عشر من يوليو الجاري.