حلم الجزائر ببريكس يتبخر: حسابات الاقتصاد لا تخضع للأمزجة السياسية
غابت الجزائر عن قائمة المرشحين للّحاق ببريكس (تكتل يضم كلا من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، ما يشكل صدمة قوية لقيادتها السياسية التي كانت ترجّح دخولها التكتل استنادا إلى علاقاتها المميزة مع الصين وجنوب أفريقيا وروسيا.
وأحبط هذا الغياب حسابات الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون الذي كان ينوي توظيف الانضمام إلى مجموعة بريكس في استحقاقاته الداخلية (باعتبار أن البلاد تستعد للانتخابات الرئاسية) والخارجية (بهدف تبديد فكرة عزلة الجزائر دوليّا).
وذكر الرئيس الجزائري في تصريحات أدلى بها لوسائل إعلام مختلفة أن “بلاده تأمل في أن تتوج العام 2023 بالانضمام الرسمي إلى مجموعة بريكس”، معتبرا إياها خيارا إستراتيجيا للخروج من هيمنة القطبية الأحادية، وأن الجزائر تتقاسم مع دول المجموعة العديد من الاهتمامات والانشغالات الإقليمية والدولية.
◙ تبون راهن على عضوية بريكس من أجل تحقيق مكسب دولي يتم توظيفه في المسار الداخلي قبل الانتخابات الرئاسية
ولدخول هذا التكتل السياسي والاقتصادي راهنت الجزائر على علاقاتها السياسية والدبلوماسية مع أغلبية دول أعضاء المجموعة، وهو ما عبر عنه تبون بالقول “روسيا تدعم انضمام الجزائر إلى بريكس، والصينيون أصدقاؤنا، وجنوب أفريقيا كذلك، وأن عودة الرئيس لولا داسيلفا إلى رئاسة البرازيل ستسهل المأمورية”، في تلميح إلى التقارب الأيديولوجي بين البلدين، وخاصة بعد الزيارة التي قام بها قائد أركان الجيش الجزائري الجنرال سعيد شنقريحة إلى البرازيل.
وفي الأسابيع الأخيرة أبدى الرئيس الجزائري تراجعا عن تفاؤله، حين طرح فرضية قبول بلاده عضوا ملاحظا إلى غاية الاستجابة للشروط التي يطرحها التكتل على أعضائه، مما أوحى بأنه أدرك أن هناك معطيات لا تتحكم فيها العلاقات الدبلوماسية، وأن مواقف الحكومات المؤيدة لا تضمن له دخول بريكس، وأن ما يقال جهرا غير ما يتم إقراره سرّا.
ورغم تأكيد تبون انضمام بلاده إلى بريكس في نهاية 2023 إلا أنه أقرّ بأن ذلك يتطلب تحقيق جملة من الشروط، ما يدعو إلى التساؤل عما إذا كانت الجزائر تتوفر فيها هذه الشروط فعلا، أو ما إذا كانت قادرة على تحقيقها قبل نهاية العام المقبل؟
وسبق أن اعترف الرئيس الجزائري، ضمن حوار مع قناة الجزيرة القطرية في أبريل الماضي، بأن “العضوية تكون على مراحل وقد تبدأ من صفة شكلية، في انتظار تحقيق الشروط الدنيا في الجوانب الاقتصادية والتجارية والتنموية”.
ويبدو أن حسابات الاقتصاد لا تخضع بالضرورة للنوايا السياسية والتصريحات الدبلوماسية، ولذلك فإن التطمينات التي كان يقدمها المسؤولون الروس لنظرائهم الجزائريين لم تجد نفعا أمام البراغماتية التي تعتمدها المجموعة، والتي فسحت المجال أمام دول معروفة بنموها واستقرارها ومكانتها الاقتصادية في العالم على غرار السعودية والإمارات.
وراهنت الجزائر كثيرا على عضوية بريكس من أجل تحقيق مكسب دولي يتم توظيفه في المسار السياسي الداخلي المقبل بعد مرور نحو عام ونصف العام على انتخابات رئاسية يريد تبون خوضها في ثوب “رجل المكاسب والإنجازات”.
وكان الرئيس الجزائري قد أدلى خلال زيارته إلى موسكو في منتصف الشهر الماضي بتصريحات وصفت بـ”الخطيرة”، وانطوت على الرمي بكل ثقله في وعاء التعددية القطبية التي تخوض روسيا لأجلها الحرب في أوكرانيا، وأعطى الانطباع بأنه يدير ظهره كليا للمعسكر الغربي، حين دعا إلى “ضرورة إطلاق عملة نقدية جديدة من طرف مجموعة بريكس، لإنهاء هيمنة اليورو (الأوروبي) والدولار الأميركي”.
ومن شأن هذا أن يزيد حدة تخوف شركاء الجزائر الأوروبيين من عدم إعطاء الجزائر قيم الشراكة حقها عندما تميل إلى الطرف الآخر، وتشجعه ضمنيا على أن يتحول إلى تهديد.
لكن يبدو أن المسؤولين الروس، الذين أطلقوا تباعا تصريحات الطمأنة حول الطلب الجزائري، إما أنه لم يعد لبلادهم موقف مؤثر داخل المجموعة، أو أنهم انقلبوا على شريكتهم الإستراتيجية في شمال أفريقيا، أو أن الحسابات الاقتصادية داخل المجموعة لا تعترف بالمواقف السياسية والدبلوماسية.
وبريكس تكتل اقتصادي عالمي يضم كلا من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وينتظر انضمام خمس دول جديدة بعد القمة المقررة في جنوب أفريقيا خلال أغسطس القادم.
ولم تستوف الجزائر الشروط الاقتصادية للانضمام إلى بريكس وعلى رأسها حجم الناتج الداخلي الخام الذي لا يتجاوز سقف 170 مليار دولار، وهو ما كان قد أشار إليه الرئيس الجزائري بتأكيده أن الانضمام إلى بريكس يتطلب مواصلة الجهود في مجال الاستثمار والتنمية الاقتصادية والبشرية، والانتقال إلى مستويات أعلى في التصدير، وأيضا زيادة الناتج الداخلي الخام إلى ما فوق 200 مليار دولار.
وتأمل الجزائر من خلال الاتجاه إلى روسيا والصين في استقطاب استثمارات خارجية لتحريك الاقتصاد المتعثر خلال السنوات الأخيرة بعد مراجعة قانون الاستثمار الداخلي والخارجي، والعمل على سن تشريعات ترفع القيود البيروقراطية، وتقدم تحفيزات جبائية وجمركية للمتعاملين الاقتصاديين، خاصة في القطاعات الإستراتيجية على غرار الطاقة والمناجم.