احتجاجات فرنسا تلقي بارتداداتها على الجالية المهاجرة
لم يمنع خطاب التهدئة الذي اعتمدته السلطات الفرنسية في أعقاب عودة الهدوء إلى ربوع البلاد ظهور ردود فعل سياسية وإدارية لتيار اليمين المتطرف تجاه الجالية المهاجرة، الأمر الذي عزز التكهنات القائلة بأن أحداث الشغب والعنف التي عاشتها فرنسا على مدار أسبوع ستنقلب عواقبها على الفئة المذكورة، وستفتح البلاد على تجاذبات سياسية واجتماعية تمتد ارتداداتها إلى المحيط الإقليمي للبلاد.
ورفض رئيس بلدية بيزييه الفرنسية روبير مينار المنحدر من تيار اليمين المتطرف، توقيع عقد زواج مدني بين شاب جزائري وامرأة فرنسية، بدعوى الشكوك في كونه زواجا أبيض، لكن تزامنه مع الأحداث التي هزت فرنسا بسبب مقتل شاب من أصول جزائرية برصاص شرطي فرنسي يجعل الخطوة مؤشرا على التداعيات المنتظرة للأحداث على الجالية المهاجرة وحتى على ذوي الجنسية الفرنسية.
وصرح رئيس البلدية في منشور على حسابه الخاص في تويتر أن “الشاب جزائري يبلغ من العمر 23 عاما والزوجة فرنسية تبلغ من العمر 29 عاما، ولديها ثلاثة أطفال، أكيد هناك رائحة زواج أبيض تفوح من هذا الزفاف”.
ونقلت تقارير فرنسية أن مينار شدد على “ضرورة منع هذا الزواج، لأنه يخالف القانون وأن العقد المدني لن يتم، لأنه زواج أبيض”، ليكون بذلك أول رد فعل يميني يسجل في أعقاب الأحداث التي شهدتها فرنسا.
و”الزواج الأبيض” هو عقد قران معروف بكثرة في فرنسا يقوم على اتفاق بين الطرفين لإبرام عقد مدني، وعادة ما يتم بين شبّان مهاجرين أغلبهم من الجزائر مع زوجات من أصول فرنسية أو أوروبية وحتى جزائريات حاصلات على الجنسية الفرنسية، وهو ما يتيح لصاحبه تسوية وضعيته الإدارية، وذلك مقابل مبلغ مالي يتم الاتفاق عليه، على أن يتم فسخ العقد بعد ذلك.
ويكفل البند الـ12 من الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والمواطنين إتمام الزواج في هذه الحالة، وفق إقراره بإمكانية إبرام العقد للأشخاص المقيمين بطريقة غير شرعية، وهو ما يحتم على رئيس البلدية المذكور اعتبار أن الطرفين احترما الإجراءات القانونية في ذلك.
ولا زالت ارتدادات الأحداث تلقي بظلالها على المشهد الفرنسي، حيث ظهر سجال سياسي بين وزير الداخلية جيرالد دارمانان وبعض النواب اليمينيين خلال رده على أسئلة وجهت له من طرف الهيئة التشريعية، لما نصحهم بالنزول إلى الضواحي لترسيخ قيم الجمهورية في أذهان سكّانها.
وكان رئيس كتلة حزب الجمهوريين في مجلس الشيوخ برونو روتايو قد أدلى بتصريحات وصفت بـ”الفجّة” تجاه المهاجرين لما قال لوسائل إعلام محلية إن “هؤلاء الشبان هم حتماً فرنسيون، لكنهم فرنسيون على بطاقة الهوية، ولسوء الحظ بالنسبة إلى الجيلين الثاني والثالث من المهاجرين، هناك ما يشبه العودة إلى أصولهم العرقية”.
وانتقد روتايو أيضا خطط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتسريع دفع الأموال للسلطات المحلية للمساعدة في إعادة بناء ما تم تحطيمه من ممتلكات عامّة، قائلا إن “هذه المنشآت أحرقت على أيدي متوحشين”.
وأضاف “هذه ضربة مزدوجة للشعب الفرنسي، لقد دفعنا ثمن بناء هذه المنشآت والآن يتعين علينا أن نعيد بناءها لأن هؤلاء المتوحشين أضرموا النار فيها”.
في حين أكد وزير الداخلية الفرنسي أمام البرلمان على أن 90 في المئة من الذين تم توقيفهم هم مواطنون فرنسيون، وأن العشرة في المئة المتبقية من المهاجرين، ومن ضمنهم عدد قليل جدا من الذين لا يملكون وضعية قانونية على التراب الفرنسي.
وأبدى ناشطون مهاجرون مخاوفهم من الانعكاسات التي يمكن أن تؤدي إليها الأحداث، خاصة في ظل التغذية اليمينية المتصاعدة لخطاب العنصرية والإسلاموفوبيا، والضغط المستمر على دوائر القرار الفرنسي لاتخاذ المزيد من الإجراءات المتشددة ضد الجالية المهاجرة وضد المسلمين.
وفي هذا الصدد صرح رئيس مرصد الإسلاموفوبيا في المجلس الفرنسي الإسلامي عبدالله زكري بأن “الشباب المسلمين في فرنسا يتعرضون للتمييز العنصري في الحياة اليومية، وأنه لو لم تكن هناك مشاهد مصورة للحظة قتل الشرطة الفرنسية للشاب نائل، لتم التستر على الحادث”. وأضاف “قبل أيام من مقتل نائل، قتل مواطن من مالي على يد الشرطة الفرنسية أيضا، ولأن الحادث لم يتم تصويره ونشره على وسائل التواصل الاجتماعي فقد مر دون علم أحد”.
وتابع “الشباب المسلمون في فرنسا يتعرضون للعنصرية بشكل يومي، وخاصة في ما يتعلق بالسكن وأثناء العمل، وهم ضحايا التمييز العنصري من قبل الشرطة”.
واعتبر زكري إطلاق حملة تبرّع لأسرة الشرطي الذي قتل نائل وبلغ مجموعها 1.6 مليون يورو (1.76 مليون دولار) عملا مشينا يكافئ القاتل.
ولفت إلى أن بعض السياسيين استغلوا أعمال العنف في تأجيج المشاكل المتعلقة بالهجرة، ولذلك كان على الشباب المحتجّين عدم الانصياع لأصوات الشغب والتخريب.