حصيلة تنموية محتشمة لتبون ترهن طموحه السياسي
أكّدت الجولة الميدانية النادرة التي قادها الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى بعض مدن وولايات (محافظات) وسط الجزائر، أن حصيلة الرجل الذي مرّ على انتخابه رئيسا للبلاد أكثر من ثلاث سنوات جد محتشمة، لما لم يجد ما يدشنه من مشروعات واستثمارات عمومية، سوى مستشفى حكومي.
واكتفى الرئيس عبدالمجيد تبون بوضع حجر الأساس لمشروعي محطة لتحلية مياه البحر بولاية بومرداس شرقي العاصمة، ومشروع مدينة إعلامية بالعاصمة، خلال زيارته الميدانية التي قادته إلى بعض مدن وولايات وسط البلاد، وهو ما لا يلبي الطموحات والحاجيات المتزايدة للاستثمارات الحكومية الكفيلة بتحسين الخدمات وتحريك عجلة الاقتصاد المحلي.
ويبدو أن السلطة اصطدمت بحصيلتها المحتشمة في هذا المجال، بعدما تم الاكتفاء طيلة السنوات الأخيرة بالانشغالات الاجتماعية المباشرة التي تمحورت حول الزيادة في الرواتب والمعاشات وإطلاق منحة للبطالين، وهو ما يتم التهامه من طرف التضخم وتدهور القدرة الشرائية، إلى جانب التفرغ لبعض التظاهرات الاستعراضية كتنظيم استحقاقات رياضية متوسطية وعربية وإنجاز مواعيد سياسية ودبلوماسية.
◙ الرئيس تبون اكتفى بوضع حجر الأساس لمشروعي محطة لتحلية مياه البحر بولاية بومرداس شرقي العاصمة، ومشروع مدينة إعلامية بالعاصمة
وإذ تم تسريع وتيرة مشروعات موروثة عن حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، على غرار منشآت رياضية بارزة، تعرضت للتجميد أو التأجيل بسبب ظروف الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد بسبب تهاوي أسعار النفط في صيف العام 2014، وتوالي الاضطرابات السياسية في البلاد، فإن ما يحسب لحكومات الرئيس تبون، يبقى محتشما جدا في مجال الاستثمارات الحكومية في مختلف القطاعات.
ودأبت السلطات الجزائرية المتعاقبة على استغلال المناسبات والأعياد الوطنية، لتدشين أو إطلاق مشاريع تنموية وطنية ومحلية، وعادة ما تستغل في تسويق وتبييض خطاب السلطة لدى الشارع الجزائري، حيث ينكب المسؤولون المركزيون والمحليون على تدشين المشاريع المنجزة، غير أن اللافت في السنوات الأخيرة تراجعها بشكل ملحوظ، مما يعكس غياب التوازن والتخطيط في إنفاق المال العام، بتجاهل التنمية المحلية والاستثمارات العمومية، رغم دورها في تحقيق الاستقرار الاجتماعي بما تتيحه من خدمات ومناصب شغل وثروة إضافية للجزائريين.
ولم يتفاجأ المراقبون للشأن المحلي، من تراجع الحصيلة التنموية في السنوات الأخيرة، فهي بالنسبة إليهم نتيجة طبيعية لاعتماد الموازنات السنوية إلى جانب التسيير الذي يغطي كلفة الرواتب والزيادات المقررة والتحويلات الاجتماعية، فناهزت سقف الـ70 في المئة، بينما تراجع جانب التجهيز المخصص للاستثمارات العمومية إلى نحو 30 في المئة، وهو غلاف لا يغطي الاحتياجات المتزايدة في المجتمع للسكن والشغل والبنى التحتية والخدمات الصحية والتعليمية وغيرها.
ورصدت الجزائر خلال العام الجاري موازنة وصفت بـ”الضخمة” و”التاريخية”، قدرت بنحو 100 مليار دولار، غير أن وجهة إنفاقها لم تظهر إلا في بعض الإجراءات الاجتماعية، وتعزيز إمكانيات الدفاع والدبلوماسية ورئاسة الجمهورية، وانعكس ذلك سلبا على وتيرة التنمية المحلية.
وحسب مصدر مطلع، فإن موازنة العام القادم ستكون أكثر بنحو عشرة مليارات دولار، لكن خيارات السلطة لم تظهر إذا كانت ستستمر في نفس النهج، أم ستتم مراجعتها لخلق توازن بين شقي التسيير والتجهيز، على اعتبار أن فرصة العائدات العالية من صادرات الطاقة غير مضمونة، نتيجة فرضيات حل الأزمة الأوكرانية وإمكانيات تراجع الأسعار في الأسواق الدولية.
◙ الحكومة تراهن على استعادة الأموال المنهوبة خاصة في الداخل، حيث تحدث تبون عن استرجاع ما يقارب الـ40 مليار دولار وتفعيل المشاريع المعطلة
ويبدو أن الحكومة تراهن على جهود استعادة الأموال المنهوبة خاصة في الداخل، حيث تحدث الرئيس تبون نفسه عن استرجاع ما يقارب الـ40 مليار دولار، وتفعيل المشاريع المعطلة لأسباب بيروقراطية وسياسية افتعلها من تصفهم بـ”العصابة”، في إشارة إلى منظومة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة.
لكن الغموض يبقى يلف حجم ووجهة تلك الأموال، وحسابها في الناتج الداخلي الخام، وفي مداخيل الخزينة العمومية، وإمكانية استغلالها في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي، باعتبارها موردا إضافيا يمكنه تغطية بعض الحاجيات.
وعاد تبون خلال زيارته للتذكير بدور “الثورة المضادة” في “تثبيط عزيمة الجزائر الجديدة، من خلال استهداف بعض المشروعات التنموية وعرقلة عمل الحكومة، كما هو الشأن للتخريب المتكرر لمحطة الكهرباء الممونة لمحطة التحلية، وتبذير المياه لتسريع ظاهرة الجفاف وخلق أزمة سيولة مالية العام 2021”.
وباستثناء المستشفى الحكومي للحروق الذي دشنه الرئيس في ضاحية زرالدة بالعاصمة، المخصص للحروق، فقد اكتفى بإطلاق مشروعين فقط، أحدهما محطة متوسطة لتحلية مياه البحر، والآخر مدينة إعلامية لاحتضان المؤسسات التلفزية والإذاعية الحكومية والخاصة، إلى جانب وسائل إعلام أخرى.
وما عدا بعض الشراكات المحدودة في قطاعات إستراتيجية كالنفط والغاز والمعادن، حيث دخلت بعض الاكتشافات النفطية حيز الخدمة خلال السنوات الأخيرة لتلبية الحاجيات المتزايدة لشركاء غربيين، والشروع في استغلال مناجم للحديد والفوسفات في أقصى الحدود الشرقية والجنوبية الغربية، فإن رأس المال الأجنبي لم يقتنع إلى حد الآن بجلب أمواله للجزائر لأسباب وظروف متعددة.