الإعلام الإلكتروني تحت جناح السلطة في مشروع المدينة الإعلامية الجزائرية
تسابق السلطة الجزائرية الوقت لإنجاز المدينة الإعلامية الجديدة التي ستحتضن جميع وسائل الإعلام مع تركيز على الإعلام الإلكتروني لتنظيمها إلى جانب تعزيز الرقابة على الصحافيين ووسائل الإعلام والناشطين في الفضاء الإلكتروني.
وضع الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون حجر الأساس لإنجاز مشروع المدينة الإعلامية الجديدة “دزاير ميديا سيتي” برفقة تغطية إعلامية مكثفة للدعاية لهذا المشروع الذي تعول عليه السلطة لتحسين صورة الجزائر والتأثير على الرأي العام.
وأمر تبون بتسريع وتيرة إنجاز المشروع الذي حددت مدة إنجازه بـ27 شهرا، وسيضم مقرات المؤسسات الإعلامية الوطنية على غرار التلفزيون الجزائري والإذاعة الوطنية البث الإذاعي والتلفزي ووكالات الأنباء الجزائرية وقناة الجزائر الدولية، بالإضافة إلى المؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار.
كما أصدر الرئيس تعليمات بغلق دار الصحافة بالقبة، ونقلها كليا إلى المدينة الإعلامية، مع تخصيص عمارة كاملة للصحافة الإلكترونية، سواء كانت عمومية أو خاصة، وشدد على أهمية أن يمنح كل عنوان إلكتروني مكتبا خاصا به، مع توفير خدمة إنترنت بتدفق عال في مدينة الإنتاج الإعلامي، التي ستقام فيها منطقة حرة لاحتضان منصات المتعاملين الدوليين للشبكات الاجتماعية التي ستستعمل هذا الجسر لإيصال محتوياتها إلى أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا، حيث ترغب الجزائر في أن تكون المركز الإقليمي في منطقة شمال أفريقيا للشركات التي تدير شبكات التواصل الاجتماعي.
وكانت زيارة لوفد من شركة “ميتا”، على رأسه نائب رئيس السياسات العامة تجاه حكومات أفريقيا والشرق الأوسط وتركيا كوجو بويكي، إلى الجزائر نهاية شهر أكتوبر الماضي، قد مهدت الطريق لذلك، إذ استقبل الوفد من قبل الرئيس عبدالمجيد تبون نفسه، فضلا عن وزير اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة ياسين مهدي وليد. ويبدو واضحا اهتمام الرئيس الجزائري بالصحافة الإلكترونية التي أقلقت السلطة بتناولها المواضيع المحرمة، التي أحرجت أعلى هرم السلطة مرارا، لذلك يرغب باحتوائها ووضعها تحت عباءة الدولة في المدينة الإعلامية الجديدة.
ومن غير المصادفة أن تترافق هذه الإجراءات مع إصدار قانون الإعلام الجديد، الذي تضمن إنشاء “سلطة ضبط الصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية” إلى جانب سلطة ضبط النشاط السمعي البصري، الموجودة حاليا والمكلفة بمراقبة عمل القنوات التلفزيونية، الأمر الذي من شأنه تعزيز الرقابة على الصحافيين ووسائل الإعلام الناشطين في الفضاء الإلكتروني، وملاحقتهم على نحو غير عادل، بما يفضي إلى تقييد حرية العمل الصحافي.
وقد أشار وزير الاتصال السابق محمد بوسليماني مؤخرا إلى أن “الدولة تعول على المواقع الإلكترونية الجزائرية للقيام بدورها كاملا في المساهمة، إلى جانب باقي وسائل الإعلام، في الدفاع عن مقوماتنا ومؤسساتنا ومرافقة مسار الجزائر الجديدة والتصدي للادعاءات المغرضة التي تستهدف بلادنا”.
وأوضح بوسليماني، خلال إشرافه على انطلاق دورة تكوينية لفائدة الصحافة الإلكترونية بمركز التكوين في مهن السمعي البصري للمركز الدولي الصحافة، أن “استحداث قانون خاص لتنظيم نشاط الصحافة الإلكترونية بدل النص التنظيمي الساري المفعول، يعكس حرص الدولة على الارتقاء بهذا النشاط من خلال إرساء أحكام قانونية جديدة تضمن الممارسة الحرة لهذا النشاط في ظل احترام القانون وتعزيز الاحترافية والمهنية المقترنة باحترام قواعد وأخلاقيات المهنة”.
ويلمح الوزير إلى تقارير وسائل الإعلام الدولية التي انتقدت سجل الجزائر في مجال الحريات، وتعامل السلطات مع الصحافيين والناشطين وملاحقتهم بذرائع قانونية متعددة نتجت عن ثغرات في القوانين. فيما تعتبرها الحكومة الجزائرية أنها “مضللة” وتستهدف “تشويه صورة الجزائر”.
ولفت إلى أن “الاستعمال السلبي والعدائي لبعض الأرضيات والمواقع الإلكترونية كتلك التـي تستهدف بلادنا بشكل ممنهج يؤكد ضرورة التكفل بهذا المجال الحساس”، مذكرا بأن الدولة جعلت من الرقمنة “أولوية لتحسين أداء المؤسسات وضمان الشفافية والحكم الراشد وتحصين البلاد من الممارسات المسيئة”.
ووضعت السلطات العليا مجموعة من الأهداف الخاصة، من وراء إنجاز مدينة الإعلام الجديدة، حيث قامت وزارة الاتصال بتحديد احتياجات كل المؤسسات المنضوية تحتها، وتحديد مجموعة من الأهداف أولها تجميع مختلف الأنشطة الأساسية المرتبطة بالإعلام في الجزائر، والعمل على حماية المحتوى السمعي البصري الموجه للجمهور الجزائري بمراقبة المحتويات على مختلف المنصات، وذلك بإنشاء مركز بيانات يعتمد على الذكاء الاصطناعي، لتحسين صورة الجزائر من خلال محتويات جزائرية تتسم بالجودة سواء في التلفزيون أو الإذاعة.
وسيتم الاعتماد على تكنولوجيا الإعلام والاتصال من أجل البث المباشر على وسائط التواصل: أرضية البث عبر الإنترنت وكذلك تطبيقات الهواتف النقالة لدورها الكبير في بث المحتويات السمعية البصرية، وسيتم الاعتماد على تقنيات ثلاثية الأبعاد “3 دي”، وكذلك الواقع الافتراضي، مع إنتاج محتويات تفاعلية، كما ستسمح التكنولوجيا التي توفرها مدينة الإعلام برقمنة الأرشيف من أجل تسيير المحتويات السمعية البصرية وضمان استغلالها في أي وقت.
وأوضح بيان للحكومة أن من شأن هذا المشروع توفير بيئة مهنية تستند إلى مقاييس ومعايير دولية، وتشجع ممارسة النشاط السمعي البصري، من خلال نوعية أفضل لخدمات تلفزيونية وإذاعية كفيلة بالمساهمة في الترويج لصورة الجزائر. وقالت أستاذة الإعلام والاتصال في جامعة الجزائر الدكتورة إلهام بوعبدالله إن المتدخلين الكثر والدخلاء على المهنة ساهموا في تردي الوضع الإعلامي في الجزائر، فلقد “تحول الإعلام من رسالة نبيلة تحمل معاني هادفة إلى مهزلة تجارية بأهداف ربحية بكل الوسائل والطرق”.
◙ عبدالمجيد تبون أصدر تعليمات بتسريع وتيرة إنجاز المشروع “دزاير ميديا سيتي” ونقل دار الصحافة كليا إليها
ودعت إلى “وجوب إزالة الشوائب من الإعلام ودحر كل دخيل لا علاقة له به من طريق القانون، وهو ما سيساهم حتما في الوصول إلى الأهداف التي تحدثت عنها الحكومة من إنشاء المدينة الإعلامية، إذا لا يمكن أن ننجز مدينة إعلامية بالمواصفات الكبرى المعلن عنها وبين طيات هذا القطاع مستثمرون لا همّ لهم سوى الربح المادي، ودخلاء على المهنة لا يمتون للإعلام بصلة”.
وترى أنه “يجب رفع مستوى الإعلام السمعي البصري من طريق وضع أطر أخلاقية أو ما يعرف بأخلاقيات المهنة، والدفع نحو الاشتغال الإعلامي بأسس ومبادئ تخدم الإعلام ومنتسبيه بشكل عام”. وطالبت بوعبدالله بـ”فتح المجال أمام الشباب خريجي معاهد الإعلام، الذين درسوا على يد إعلاميين، فهم مفتاح الرقي والتقدم”.
وبين قنوات أطلقت وأخرى اختفت تنشط في المشهد الفضائي الجزائري، هناك نحو 40 قناة تلفزيونية لم تضبط وضعيتها إلى حد الآن، فهي موطنة في المدن والعواصم الغربية والعربية، وتعتبر مؤسسات إعلامية أجنبية بموجب التشريعات الناظمة، بينما المحتوى والتركيز والكادر البشري فهو جزائري، وهو وضع متناقض يكرس أزمة القطاع منذ العام 2011.
وتصدر في الجزائر نحو 200 صحيفة ورقية، فضلا عن العشرات من المواقع الإلكترونية، إضافة إلى أربعين قناة تلفزيونية، لكن كل ذلك الزخم لم يستطع صناعة وتوجيه الرأي العام المحلي الذي لا يزال مرتبطا بالإعلام الأجنبي الغربي والعربي، بسبب افتقاد الإعلام المحلي للموضوعية والمصداقية، فهو يكتفي بأداء دور المروّج لخطاب السلطة، بينما يغيب عنه صوت الشارع والرأي المخالف، نظرا لهيمنة السلطة على القرار الإعلامي وتحكمها في مصادر التمويل، لاسيما الإعلان الحكومي.