تبّون يستميل منطقة القبائل مع تصاعد الطموح لولاية ثانية

أظهر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في الفترة الأخيرة اهتماما بشواغل سكان منطقة القبائل، في خطوة يرى مراقبون أنها تترجم تركيز السلطة على المنطقة بعد سنوات من القطيعة، من أجل استقطابها قبل موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.

شدد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في جولة ميدانية هي الأولى من نوعها منذ انتخابه رئيسا للبلاد، على ضرورة التكفل بالحاجيات المائية لسكان ولاية (محافظة) تيزي وزو، بإطلاق مشروع لبناء محطة لتحلية مياه البحر بإحدى مناطقها الساحلية، وهي رسالة تنطوي على مغازلة للمنطقة من أجل استقطابها في الخارطة الوطنية تحسبا للاستحقاقات القادمة وعلى رأسها الانتخابات الرئاسية.

ودعا عبدالمجيد تبون إلى تخصيص مشروع لإنجاز محطة لتحلية مياه البحر لفائدة ولاية تيزي وزو، وذلك خلال الزيارة الميدانية التي قادته إلى ثلاث ولايات بوسط البلاد، وهي العاصمة وتيبازة وبومرداس، في إطار الاحتفال الرسمي بعيد الاستقلال المصادف للخامس من يوليو.

وأكد تبون للوفد المرافق له “ضرورة التفكير من الآن في إنشاء محطة تحلية مياه البحر بأزفون أو تيغزيرت.. كل ولايات الوطن ستأخذ نصيبها من البرنامج الخاص لإنجاز محطات تحلية مياه البحر، ومحطة تحلية مياه البحر بكاب جنات من شأنها إعطاء دفع لقطاع الفلاحة بولاية بومرداس”.

وتأمل الجزائر في تموين الحاجيات المحلية من ماء الشرب في حدود 60 في المئة مع العام 2030، عبر 19 محطة للتحلية يجري إنجازها عبر مختلف المناطق الساحلية، وذلك في إطار إستراتجية مواجهة أزمة شح مصادر المياه الأخرى، كما تتجه إلى الاعتماد على المصدر الجديد في ريّ الأراضي الزراعية.

منطقة القبائل سجلت مقاطعة مطلقة لمختلف الاستحقاقات الانتخابية التي نظمتها السلطة منذ العام 2019

وحمل تصريح الرئيس الجزائري رسالة غزل إلى سكان منطقة القبائل، من أجل التعبير عن اهتمام المؤسسات الرسمية بانشغالات سكانها والتقرب منهم، في خطوة تستهدف ردم الهوة السياسية بين المنطقة والسلطة، بعد سنوات من القطيعة أفضت إلى انسحاب من المشاركة في أجندة المجموعة الوطنية، مما اعتبر تهديدا مبطنا للوحدة الوطنية وهدية مجانية لدعاة الانفصال.

وتعدّ هذه الزيارة الميدانية هي الأولى من نوعها منذ انتخابه رئيسا للبلاد في ديسمبر من العام 2019، ورغم التعهدات التي قطعها لأنصاره حينها في حملته الانتخابية بزيارة جميع ربوع البلاد، إلا أنه منذ وصوله إلى قصر المرادية لم يظهر الرئيس تبون إلا نادرا في زيارات مقتضبة لبعض المدن كالعاصمة ووهران، وبعيدا عن معاينة الواقع المعيشي والاستماع إلى انشغالات المواطنين.

وكانت تيزي وزو، التي تعتبر عاصمة منطقة القبائل، ضمن أجندة رئيس الدولة لزيارتها خلال أيامه الأولى، إلا أن الأمر لم ينفذ لأسباب لم تعلن إلى حد الآن عن خلفية انكفاء الرئيس تبون عن معاينة ربوع البلاد، ولو أن التأويلات تجمع على خشية السلطة من غضب السكان الذين تربطهم علاقة متوترة معها منذ عقود، وازدادت تعقيدا مع احتجاجات الحراك الشعبي، حيث ظلت المنطقة وعاء رئيسا له.

وسجلت المنطقة مقاطعة مطلقة لمختلف الاستحقاقات الانتخابية والسياسية التي نظمتها السلطة منذ العام 2019، الأمر الذي اعتبره البعض انفصالا معنويا بينها وبين السلطة يصب في مصلحة دعاة الانفصال السياسي الذين تؤطرهم حركة “استقلال القبائل” بقيادة الناشط المقيم في فرنسا فرحات مهني.

ورغم أن السلطة وظفت الآلة الأمنية والقضائية في اجتثاث الجناح البربري الانفصالي، حيث تم إدراجه في خانة الكيانات الإرهابية وتتم ملاحقة أفراده في الداخل والخارج بتهم الانتماء إلى الارهاب، إلا أن المسألة بقيت في حاجة إلى ردم الهوة ومد أواصر المصالحة بين السلطة وغالبية سكان المنطقة، وهو ما يريد الرئيس تبون الإعراب عنه من خلال إطلاق رسائل الغزل والتودد.

السلطة الجزائرية اضطرت إلى تنظيم انتخابات بلدية جزئية في عدة بلديات بمنطقة القبائل خلال شهر يوليو الماضي، بعدما فشلت في تنظيمها في موعدها الأصلي

ويبدو أن أجندة السلطة الجديدة التي أفرزت مؤسسات مطعونا في شرعيتها بسبب المشاركة الشعبية الضعيفة خاصة في منطقة القبائل، لا تريد الذهاب إلى مواعيد أخرى بنفس الآليات، ولذلك يجري العمل على استدراج المنطقة للمشاركة ولو نسبيا في انتخابات رئاسية بعد عام ونصف العام، يطمح تبون للمرور عبرها إلى ولاية رئاسية ثانية.

واضطرت السلطة الجزائرية إلى تنظيم انتخابات بلدية جزئية في عدة بلديات بمنطقة القبائل خلال شهر يوليو الماضي، بعدما فشلت في تنظيمها في موعدها الأصلي، كما عمدت إلى اعتماد نتائج مشاركة محدودة جدا ليشغل أصحابها مناصب نيابية في المجالس الوطنية والولائية، وهو ما اعتبر مؤسسات منتخبة بدون سكان القبائل.

وظلت السلطة تعتمد على لوبيات محلية تتشكل من أعيان ورجال أعمال وشخصيات لتحقيق اختراق المنطقة، لكن المسألة لم تعد متاحة في السنوات الأخيرة بسبب توسع دائرة الرفض الشعبي، وتراجع تأثير تلك اللوبيات في تأطير الشارع المحلي.

ويبدو أن الرئيس تبون في مواجهة تركة ثقيلة تراكمت خلال السنوات الأخيرة، بداية من حملات الشيطنة والعنصرية وخطاب الكراهية التي شنتها ونظمتها شبكات أوحي إليها بذلك من دوائر رسمية ضد المكون الأمازيغي الذي اتهم بالعمالة والخيانة والانقسام، إلى حادثة مقتل الناشط والمتطوع جمال بن إسماعيل في صائفة العام 2021، والذي كاد أن يفجر حربا أهلية بسبب تفاصيل الجريمة الوحشية وربطها بالتجاذبات الإثنية والعرقية.

ويعيب موالون للسلطة تأخر الرئيس تبون في الانفتاح على الشارع الجزائري، وعدم الالتزام بتعهداته بزيارة مختلف ربوع البلاد، فضلا عن تراجع الاستثمارات العمومية التي تعزز المنشآت الخدماتية في البنى التحتية والسكن والصحة والتعليم، وهو ما ظهر شحيحا في نوعية وحجم المشاريع التي دشنها أو أطلقها تبون خلال هذه الزيارة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: