أحزاب سياسية جزائرية تدخل على خط الأزمة الفرنسية
أصدرت أحزاب جزائرية موالية للسلطة، على خط أزمة الشغب والاحتجاجات المشتعلة في فرنسا، بيانات سياسية تقاطعت في مفردات الجريمة الوحشية وحماية الجالية التي وردت في بيان وزارة الخارجية، الأمر الذي يجرّ الأزمة تدريجيا الى مواجهة جزائرية – فرنسية تزيد من تعقيدات الأزمة القائمة بين البلدين.
وأدانت قوى سياسية جزائرية الجريمة التي راح ضحيتها الشاب نائل ذو الأصول الجزائرية، والتي فجرت أحداث شغب وعنف في عديد المدن والمحافظات الفرنسية، واصفة اياها بـ “الوحشية” و”الشنيعة”، بعدما أطلق شرطي النار من مسافة صفرية على الشاب المغدور.
ويعتبر موقف الأحزاب السياسية الجزائرية خطوة في طريق استدراج أحداث أمنية بين قوات فرنسية وبين مواطنين فرنسيين ومهاجرين من جنسيات مختلفة، إلى حصرها في مواجهات فرنسية – جزائرية، على اعتبار أن الفتيل اشتعل بسبب مقتل الشاب ذي الأصول الجزائرية والوعاء الشعبي الأكبر هو من رعايا جزائريين.
وأكد حزب جبهة التحرير الوطني، الحائز على الأغلبية في المجالس الوطنية والمحلية، بأن “الجريمة هي مأساة وحشية، تعبر عن مدى الاستهتار الذي تعاملت به عناصر الشرطة الفرنسية مع شاب أعزل في مقتبل العمر، وأنه مهما كانت التجاوزات المنسوبة إليه، لا يمكن أن ترقى إلى مبرر لإطلاق النار على الشاب الجزائري واغتياله ببرودة أعصاب”.
وشدد الحزب الموالي للسلطة على أن “فتح تحقيق جاد وصارم ومعاقبة الجناة، سيكون السبيل الوحيد لإرجاع كرامة عائلة (نائل) ومن ورائها الجالية الجزائرية التي تتعرض لمعاملات ازدواجية، تحيلنا إلى شعارات المساواة والحرية التي تتغنى بها النخب الفرنسية دون أثر على واقع جاليتنا”.
من جهتها عبرت حركة البناء الوطني، التي يقودها مرشح الانتخابات الرئاسية الأخيرة عبدالقادر بن قرينة عن “تضامنها الكامل مع الجالية الجزائرية المقيمة بفرنسا، عقب الحادث المروع لإطلاق النار على شاب من أصول جزائرية من قبل بعض أفراد الشرطة الفرنسية في تدخل غريب ومثير للجدل، أدى إلى مقتل الضحية في فاجعة جديدة تضاف إلى المآسي والمعاناة التي تتعرض لها”.
بيانات سياسية تقاطعت في المفردات مع بيان وزارة الخارجية، الأمر الذي يجر الأزمة تدريجيا الى مواجهة جزائرية – فرنسية
وحمّلت الحركة السلطات الفرنسية المسؤولية الكاملة في إجراء تحقيق كامل ونزيه لتسليط الضوء على ملابسات هذا الاعتداء وضمان تحقيق العدالة الكاملة بخصوصه، كما حذرت من القلق الكبير لتداعيات هذه الحوادث مستقبلا.
وفي نفس الاتجاه، ذهب حزب تجمع أمل الجزائر في التعبير عن “صدمته من وفاة شاب من أصول جزائرية في مقتبل العمر على أيدي الشرطة الفرنسية في حادث مأساوي ومستفز ينتهك حقوق حياة جاليتنا في المهجر”.
وأعلن دعمه لكل الجهود الصادقة في كشف ملابسات الحادث المؤسف، وتحقيق العدالة والسلام والاستقرار لكل أفراد جاليتنا الوطنية.
ونددت حركة النهضة بالتصرف الذي وصفته بـ”العنصري المتطرف” الذي طال الشاب المغدور به، وطالبت بـ”فتح تحقيق مستقل لكشف ملابسات هذا الفعل الشنيع”.
وتقاطع موقف الأحزاب الموالية أو المقربة من السلطة مع محتوى بيان وزارة الخارجية الجزائرية، الذي وصف الحادث، بـ”الهمجي والشنيع”، ودعا إلى تحقيق العدالة في مقتل الشاب نائل، كما أعرب عن قلقه عن وضعية وظروف الجالية الجزائرية في فرنسا.
موقف الأحزاب السياسية الجزائرية يعتبر خطوة في طريق استدراج أحداث أمنية بين قوات فرنسية وبين مواطنين فرنسيين ومهاجرين من جنسيات مختلفة
ويبدو أن السلطة الجزائرية بصدد بلورة موقف مشترك تجتمع فيه المؤسسات الرسمية مع القوى السياسية والأهلية تجاه الجريمة والأحداث التي تعيشها فرنسا منذ عدة أيام، رغم أنها لا زالت إلى حد الآن تصنف في خانة مواجهات بين الأمن الفرنسي وبين جاليات مهاجرة من مختلف الجنسيات.
ولا يستبعد متابعون للشأن الجزائري أن تكون الأحزاب المذكورة قد تلقت إيحاءات فوقية من أجل التنديد واستنكار جريمة ضاحية نانتير الباريسية، وهي خطوة تلمح إلى أن الأحداث تحمل طابع مواجهات ثنائية غير معلنة، امتدادا للأزمة التي تخيم على علاقات الطرفين خلال الأسابيع الأخيرة.
وشيعت السبت جنازة الشاب المغدور في ضاحية نانتير الباريسية، وأقيمت صلاة الجنازة في مسجد الضاحية، وسط أجواء من الاحتقان والغضب الشعبي، وغابت عنها وسائل الإعلام بطلب من عائلة الضحية، مما يوحي بأن العلاقة بين الجالية وبين الإعلام المحلي ليست على ما يرام.
وكان مقربون من العائلة قد وجّهوا انتقادات لاذعة لبعض وسائل الإعلام الفرنسية بدعوى “تحريفها للوقائع التي جرت فيها الجريمة، وإطلاق تهم وأكاذيب حول السجل المدني والقضائي للشاب لتبرير سلوك الشرطي الذي أطلق عليه النار”، ولذلك طلبت العائلة على لسان محاميها من الإعلام عدم القيام بتغطية الجنازة.
ويظهر من شعار رفعه محتجون في المسيرة “البيضاء” التي نظمت الخميس الماضي من طرف مهاجرين ومواطنين متعاطفين مع عائلة الضحية، أزمة الثقة الغائبة بين سكان الضواحي والسلطات الفرنسية، حيث رفع البعض يافطات طالبت بـ “الحقيقة والعدالة لنائل”، فرغم تعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتحقيق ذلك، إلا أن تراكمات الشكوك تؤجل الحل وتمدد في عمر المواجهات وأعمال الشغب.