بعض النماذج من أصول مغربية التي تصل إلى البرلمانات والمجالس التشريعية في بلجيكا غير مؤهلة لأداء الدور المطلوب منها لا تشريعيا ولا رقابيا، ولا تملك إلماما بالشأن السياسي ولا يمكنها تقديم إضافة إلى العمل البرلماني، لكنها في النهاية اختيار الناس، وهذه هي الديمقراطية، ولكل نائب من يؤيده ويصفق له مهما كان مستوى أدائه باهتا.
لذلك لست في وارد الاعتراض على مخرجات الانتخابات، ولا الطعن في نتائجها، لكن بودّي أن أتساءل عن الظروف التي تدفع الجالية المغربية إلى اختيار نوعيات متواضعة تمثلها في البرلمان؟
ما هي الظروف التي تدعو شخصيات أكاديمية ومثقفة وعلى درجة عالية من العلم من مغاربة بلجيكا إلى القبول بنواب لا يفقهون مبادئ العلوم السياسية؟ وكيف يتم إيصال نواب لا يفرقون بين دورهم في التشريع وبين تطبيق الشريعة؟ أو بين نواب يرفعون راية المعارضة ويدخلون في صفقات سرية مع الاحزاب ؟
◙ في حال جاليتنا ببروكسيل ، فإن غياب الأنشطة المدنية، والمبادرات الأهلية، التي تقوم بمهام الرقابة والرصد والتحليل والنشر، من شأنه أن يترك الناخب عرضة للتضليل.
لماذا أصبحت الجالية على اختلاف شرائحها الاجتماعية والعلمية تدلي بصوتها لمرشح البلدية وإن كان مستواه الفكري ضحلا للغاية؟ ولماذا تتجه الأصوات إلى مرشحين فقط لأنهم ينتمون إلى نفس البلد أو القبيلة أو العرق؟ أو ينتخبون مرشحين يرفعون شعار الحريات ويتبنّون قوانين تُقيد الحريات وتنتهك خصوصيات الأفراد؟
كيف يمكن أن تقنع من لا يقرأ التاريخ أن الأمم تتطور من العصبية إلى الجماعة والدولة لا العكس؟ فالتحول من حالة الدولة والجماعة إلى التقسيمات العرقية والمذهبية والإثنية وغيرها يعني أننا نسير في رحلة هبوط وانهيار.
كيف يتم التعامل مع هذا التقسيم بالقبول والافتخار، وتنظم له القصائد، وتتباهى به شخصيات تحسب نفسها على الطبقة المثقفة والأكاديمية؟
يشابه ذلك إلى حد كبير معطيات الانتماء الحزبي، والذي يلعب نفس الدور التضليلي في العملية الانتخابية، فالحزبي لديه الاستعداد لغض النظر عن الفساد والأخطاء والتجاوزات التي تصدر من القادة السياسيين الذين ينتمون لنفس الحزب، بينما لا يتردد عن التنكيل بالخصوم إذا صدر منهم أدنى خطأ.
وربما شهدنا ذلك جليا في النزاعات السياسية التي تحدث بسبب منع الذبيحة الحلال أو منع الحجاب في الجامعات ، أو غيرها، فالأولوية للانتماء الحزبي وهو يغطي الخطايا وربما الجرائم السياسية والمالية التي تقع منهم.
وعلى نفس المنوال يمكن اعتبار أن نمط العلاقات في الديمقراطيات الناشئة بين النائب والناخب تقوم بالدرجة الأولى على المصالح التي يقدمها الأول للثاني، وهذه العلاقة النفعية من شأنها أن تدفع الناس نحو التغاضي عن تهم الفساد التي تلاحق النائب، وربما القبول بفساده طالما كان يحقق منافع خاصة.
وتتعزز الأعذار بقدرة المرشح على تأطير نفسه بمبادرات من قبيل المساهمة في بناء المساجد ودور العبادة والإشراف على الاعمال الخيرية و حضور مناسبات تنظمها الجالية المغربية ، فهذه الحزمة من أعمل البر والإحسان يمكن أن تطهّر تاريخ المرشح الفاسد في أعين الناس، وتبرّر اختياره ممثلا عن الجالية.
وتشير بعض الدراسات الغربية إلى أن نشر معلومات الفساد من جهات يثق فيها المجتمع من شأنه التأثير على نتائج صناديق الاقتراع، لكن في حال ما بسطت قوى الفساد يدها على مصادر المعلومات، فمن المؤكد أن الناخبين سيقعون في فخ التضليل.
هذه الانتكاسات الفكرية والاجتماعية أو قل “التخلف الاجتماعي” هي العلة التي تقف خلف تدني مستوى اختيارات الجالية المغربية في الانتخابات، حتى أصبح لدينا نواب من اصول مغربية يمثلون أنفسهم أكثر مما يمثلون مجتمعهم، وآخرون يركعون لقرارات الاحزاب بدلا من خدمة الجالية .
وهكذا يتفتت الوعي السياسي على صخرة المنظومات العرقية والعائلية والقبلية والحزبية، وبدلا من أن تكون هذه المكونات إضافة إلى الحياة السياسية، والتنوع قوة للمجتمع، تتحول بفعل التخلف إلى عوامل ضعف، ولذا فمن النباهة الاشتغال على توعية المجتمع بذاته، والتأكيد على أن قوته تكمن في اختيار الأكفأ وليس الأقرب.