تواصل الحكومة المغربية جهود مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال عبر التصدي لعمليات استغلال المبادرات الخيرية من قبل جمعيات تسعى لتحقيق أهداف خاصة وتحويل الأعياد الدينية، مثل عيد الأضحى، إلى فرص لتحصيل ربح مادي.
دعا وزير الداخلية المغربي عبدالوافي لفتيت الولاة (المحافظين) والعمال إلى تشديد المراقبة على الطلبات المقدمة من قبل جمعيات للاستفادة من رخص التماس الإحسان العمومي بمناسبة عيد الأضحى، تعزيزا للإجراءات التي اتخذها المغرب في مكافحة تبييض الأموال.
ويأتي ذلك بعدما وصلت إلى السلطات المغربية تقارير تفيد بتحول رؤساء جمعيات مدنية إلى وسطاء يسعون لتحقيق الربح من صدقات المحسنين داخل البلاد وخارجها، حيث أظهر التدقيق من طرف الجهات المتخصصة حول وضعية بعض هذه الجمعيات، شبهات تورطها في أنشطة وهمية للتضليل.
واستنفرت هذه التعليمات الجديدة السلطات المحلية، في سياق الأبحاث المنجزة حول نشاط الجمعيات التي قدمت طلبات للحصول على رخص التماس الإحسان العمومي، من أجل مساعدة الأسر المحرومة على شراء أضحية العيد، فيما أظهر التدقيق حول وضعية بعض هذه الجمعيات شبهات تورطها في أنشطة وهمية للتضليل وتجنب تجميدها، إذ اعتاد القائمون عليها خلال السنوات الثلاث الماضية تفعيلها قبل العيد، وارتباطهم بوسطاء في أوروبا، يتوفرون على بطاقات إقامة دائمة في فرنسا وإسبانيا وهولندا، وينشطون باسم مكاتب فرعية لجمعيات موجودة في المغرب.
النائب البرلماني عبدالله بوانو يشدد على أنه مع مراقبة عمليات جمع التبرعات وتوزيعها لأغراض خيرية، يجب محاصرة أي جهة تتخذ هذه الواجهة التضامنية جسرا لتمويل الإرهاب
وتتزايد عمليات توظيف المبادرات الخيرية في تحقيق أهداف خفية في المناسبات الدينية، كشهر رمضان وعيد الأضحى، التي تشهد تسارعا في وتيرة العمل الخيري والتضامني.
وشدد النائب البرلماني عبدالله بوانو على أنه مع مراقبة عمليات جمع التبرعات وتوزيعها لأغراض خيرية، يجب محاصرة أي جهة تتخذ هذه الواجهة التضامنية جسرا لتمويل الإرهاب وتبييض الأموال، دون التعارض مع قيمة التضامن داخل المجتمع.
وفعّلت مصالح وزارة الاقتصاد والمالية، التي تنشط ضمن لجنة دراسة طلبات الترخيص لالتماس الإحسان العمومي، المحالة عليها من قبل الأمانة العامة للحكومة، تدابير وإجراءات مكافحة تبييض الأموال، فيما رصدت الأبحاث تعدد الحسابات البنكية لجمعيات، وتنوع قنوات تحصيلها لأموال من قبل محسنين داخل المملكة وخارجها، إذ استغلت أجهزة الرقابة المالية اتفاقيات التبادل مع المؤسسات في أوروبا، من أجل التواصل حول تحويلات أنجزها وسطاء في أوروبا لفائدة جمعيات موجودة في المغرب.
واستغلت جمعيات رخص التماس الإحسان العمومي من أجل تحصيل مبالغ ضخمة، والتلاعب بفواتير اقتناء أضاحي من قبل “كسابة” (مربي الأغنام)، أظهرت مراجعة حساباتهم بيعهم خرافا بأسعار غير حقيقية، بهدف جمع مبالغ ضخمة، قفزت على حسابات بنكية لهذه الجمعيات، فيما رصدت أبحاث أعوان الداخلية استعانة جمعويين بربات بيوت وسماسرة من أجل تحصيل صدقات ومساعدات مالية وعينية لفائدة حالات وهمية، موثقة بواسطة بطاقات هوية مزورة ومقاطع صوتية وأشرطة فيديو مضللة، ليتم تحويل مبالغ ضخمة إلى حسابات شخصية لأفراد غير منخرطين في جمعيات، ولا يرتبطون بأي علاقة قانونية معها.
وأكد رشيد لزرق أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية أن “هذا التوجه من طرف الدولة يخدم حماية المواطن من أي استغلال يطاله من طرف المتاجرين بالجانب الإنساني”، وأوضح أن “العمل الخيري أصبح ورقة توظفها أطراف على مدار السنة للكسب المادي أو لأغراض تتعلق بتبييض الأموال، أو تخل بأحد الشروط والقواعد المتعلقة بعملية التوزيع المنصوص عليها في القانون”.
ويمنع قانون الإحسان العمومي (قانون العمل الخيري) دعوة العموم إلى التبرع وتنظيم عمليات جمع التبرعات، أو توزيع المساعدات، لتحقيق أهداف تجارية أو دعائية أو انتخابية، أو من أجل الترويج لمنتجات أو سلع أو خدمات، وبقصد استغلال حالة شخص أو أكثر يوجدون في وضعية هشة أو احتياج أو في حالة استغاثة.
وينص القانون على حق كل متبرع في الاطلاع لدى الجهة المرخص لها جمع التبرعات على حصيلة عمليات جمع التبرعات من العموم، والتأكد من إنفاقها في الأغراض المخصصة لها بأي وسيلة من الوسائل المتاحة؛ كما ينص على ضرورة الإدلاء بتقرير مالي حول استخدام أموال التبرعات في حالة تجاوز حصيلتها 500 ألف درهم، وإخضاعها لمراقبة محاسب معتمد يشهد بصحة الحسابات التي يتضمنها التقرير.
واعتبر محمد بن عيسى، رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، أن “ممارسة الإحسان العمومي عبر المنصات الرقمية ممارسة غير قانونية وانتهاك لحقوق الآخرين، وقد تكون وسيلة لعمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب”.
وبعدما كان يتم إطلاق مبادرات شخصية أو جماعية تعكس روح التضامن الاجتماعي في السنوات الماضية، من خلال حملة تبرعات من محسنين لشراء أضاحي العيد وتوزيعها على من لم يتسن لهم شراؤها، سجل متابعون تراجعا ملحوظا في عمليات دعائية علنية لجمع التّبرعات وشراء الأضاحي لفائدة الفئات الفقيرة، التي لا تستطيع توفيرها، نتيجة لصرامة القانون وتعقد إجراءات الإحسان العمومي وما تحمله من تبعات قانونية لكل من يتغاضى ويخالف تلك الإجراءات.
وجاءت تلك الإجراءات للحد من استغلال حملات جمع التبرعات والإحسان وحملات التضامن لأهداف أيديولوجية وحزبية أو للاحتيال وكسب الأموال من وراء تلك الحملات التضامنية.
وأكد وزير الداخلية عبدالوافي لفتيت أن النص المنظم للإحسان العمومي يسعى إلى إحاطة عمليات جمع التبرعات وتوزيع المساعدات بكافة الضمانات الكفيلة بحماية الجهات المانحة والمنظمة، وكذلك المستفيدين من المساعدات.