تواصل إسبانيا جهودها لدعم ملف الصحراء المغربية وتأييد مبادرة الحكم الذاتي، مشددة على دور المغرب اقتصاديا وتجاريا، فضلا عن عمق العلاقات الإستراتيجية في قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب والهجرة.
جددت الحكومة الإسبانية التأكيد على موقفها الداعم لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، مؤكدة على وجود علاقات “إستراتيجية” تربطها بالمغرب، فضلا عن التعاون الثنائي الذي يشمل جميع المجالات، مقابل رهان جزائري على دور المعارضة الإسبانية لتعطيل تلك المساعي.
وقال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز في حوار للتلفزيون المحلي “علاقتنا مع المغرب إستراتيجية بكل ما تحمله الكلمة من معنى”.
وأشار إلى أن “المغرب مهم بالنسبة لنا من الناحية التجارية، والولوج الاقتصادي إلى قارة مهمة بحجم أفريقيا، والأمن، ومكافحة الإرهاب، وسياسة الهجرة دون أدنى شك”.
كما أكد سانشيز “في هذا الإطار، يجب أن أخبركم أن التعاون الذي يجمعنا مع المملكة المغربية إيجابي للغاية”.
وبشأن قضية الصحراء المغربية، أكد رئيس الحكومة الإسبانية أن بلاده تتبنى “موقفا إيجابيا”، معتبرا المبادرة المغربية للحكم الذاتي “الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لحل النزاع”، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة الأميركية والمجتمع الدولي والبلدان الأوروبية الرئيسية تدعم مخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب سنة 2007.
وقال “أقف على أمر واقع: على مدى السنوات الخمسين التي استمر فيها هذا النزاع، لم يكن هناك تقدم. لذلك، إذا قال المجتمع الدولي والولايات المتحدة والبلدان الأوروبية الرئيسية إنه يجب علينا إيجاد وسائل أخرى لحل هذا النزاع في إطار الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أعتقد أن إسبانيا ينبغي أن تتبنى هذا الموقف البناء”.
واعتبر محمد الطيار، الباحث في الدراسات الإستراتيجية والأمنية، أن “الحزب الاشتراكي نسف كل ما تم بناؤه من طرف داعمي بوليساريو طيلة أكثر من أربعة عقود، عندما كانت إسبانيا تغدي الانفصال بالأقاليم الجنوبية المغربية بشتى الطرق، والجبهة الانفصالية إلى جانب الجزائر تراهن في المقابل على دعم المعارضة حتى تعود الأمور إلى ما كانت عليه”.
وأشار في تصريح لـه إلى أن “الأحزاب الإسبانية أصبحت مقتنعة بأدوار المغرب ولا يمكن ابتزازه بملف الصحراء”.
وتطالب الجزائر وجبهة بوليساريو بأن يترجم زعيم الحزب الشعبي الإسباني ألبرتو نونيز فيخو رفضه لدعم بيدرو سانشيز لخطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء بـ”أفعال”، تلغي تغيير الموقف من نزاع الصحراء.
وكشفت صحيفة “ذي إندبندنت” أن “مصادر مقربة من النظام الجزائري تطالب فيخو بأفعال تلغي تغيير الموقف من نزاع الصحراء المغربية”، حيث حذر وزير الصناعة الجزائري السابق الحزب الشعبي من الانحياز إلى موقف بيدرو سانشيز، معلنا أن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها بلاده لمدة عام على المصدرين الإسبان لن يتم رفعها.
وتزامنا مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية في الشهر المقبل، رفض زعيم الحزب الشعبي ألبرتو نونيز فيخو إظهار كل أوراقه في ملف العلاقات المغربية – الإسبانية، ويواصل تجنب الإجابة عن الأسئلة حول احتمال إلغاء قرار سانشيز بدعم المبادرة المغربية للحكم الذاتي في الصحراء.
وقال في لقاء مع قناة “كادينا سير” الإسبانية، الاثنين الماضي، “لا يوجد أحد سوى سانشيز وألبارس من يستطيع أن يقول ما فعلناه. لا أعرف ما الذي فعلته حكومة بلدي”.
وكمؤشر على فشل الضغط الجزائري واللوبي الإسباني المدافع عن بوليساريو، على فيخو، بشأن العلاقات المغربية – الإسبانية، قال إنه “لا يمكنه أن يعرف عن الموقف الذي سيتخذه بشأن قضية الصحراء”.
وأكد خالد الشرقاوي السموني، مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن “الجزائر لن تستطيع التأثير الكبير في قرار المعارضة الإسبانية بخصوص مبادرة الحكم الذاتي أو حشد تكتل معاد للمصالح الإستراتيجية للمغرب، الذي أصبح رقما صعبا في معادلة التوازن الإقليمي في منطقة المتوسط وشمال أفريقيا، وفاعلا ومؤثرا في السياسات الإقليمية والدولية والتي تعيها الدولة الإسبانية جيدا، بل إن المغرب الآن يملك أوراقا رابحة في محاربة الإرهاب والطاقة والهجرة، لا يمكن لأي حزب أو حكومة قادمة تجاوزه، وهو ما يحكم التعاون والاحترام المتبادل الذي رسخته خارطة الطريق بين الطرفين”.
وأكد أن “في غياب الرؤية الإستراتيجية، فشلت السياسة الخارجية الجزائرية وبوليساريو في الضغط لتغيير موقف الإسبان من الصحراء المغربية، في وقت يسعى فيه المغرب لتمتين علاقات قوية مع إسبانيا على جميع الأصعدة، بشكل جدي وفعال، وفي نفس الوقت لا يسمح لأي طرف بأن يمس بسيادته الوطنية أو وحدته الترابية أو باستقراره”.
ويبدو أن فيخو لا يريد أن يتورط في تصريح يهدد العلاقات مع المغرب ويصعب عليه مستقبلا طريقة تعامله مع الرباط، إذ إن في السابع من أبريل 2022، قبل السفر إلى الرباط للقاء العاهل المغربي الملك محمد السادس، التقى رئيس الحكومة بيدرو سانشيز مع ألبرتو نونيز فيخو لمدة ثلاثين دقيقة تقريبا، وكان زعيم الحزب الوحيد الذي أصر سانشيز على الاجتماع به في ذلك اليوم.
ونفى سانشيز بصفة قطعية أن يكون التغيير الحاصل في الموقف الإسباني من مغربية الصحراء بمثابة رضوخ لابتزاز ما أو ذا أهداف إستراتيجية مرتبطة بتدبير ملف الهجرة أو السيطرة على تدفقاتها في الحدود الجنوبية كما تدعي المعارضة، مشدّدا على أن “التعاون بين مدريد والمملكة المغربية أمر إيجابي للغاية بشأن سياسة الهجرة”.
وفي محاولة منه لإبعاد ملف الصحراء المغربية والعلاقات مع الرباط عن أي استغلال انتخابي من طرف المعارضة الحزبية، قال بيدرو سانشيز، إنه مقتنع تماما بفوزه في الانتخابات المزمع تنظيمها في الثالث والعشرين من يوليو القادم.
وأكد أنه “على ثقة تامة بفوزه في الانتخابات بالأصوات والمقاعد اللازمة لتكوين أغلبيته التي لن تكون مطلقة”، مضيفا أنه “ستكون لدينا أغلبية تقدمية مع يولاندا دياز”.
وأثارت يولاندا دياز مرشحة الائتلاف الحزبي سومار، غضب بوليساريو والجزائر، بوضعها السفير الإسباني لدى الأمم المتحدة أوغستين سانتوس مارافير، المعروف بدعمه للمغرب في قضية الصحراء المغربية ومساندته لمقترح الحكم الذاتي لحل هذا النزاع، في المركز الثاني على قائمة سومار في الانتخابات التشريعية للثالث والعشرين من يوليو.
ووفق ما ذكرته تقارير إعلامية إسبانية، فإن هذا الاختيار كان بمثابة “الصدمة” لجبهة بوليساريو وأنصارها في إسبانيا.