قلق في المغرب بسبب تنامي هجرة الأطباء … وزير الصحة: «لا يمكن وقفها» وخبير: «ستتفاقم مستقبلاً»

يواجه المغرب نقصاً حاداً في عدد الأطباء نتيجة تنامي هجرة الكثير منهم سنوياً إلى أوروبا وكندا، وهو ما تؤكده التصريحات الرسمية والمؤسسات المهنية التي تطالب بإيجاد حلول ناجعة لهذه “الظاهرة”.
وأوضح الدكتور الطيب حمضي، الخبير في السياسات والنظم الصحية، أن عدد الأطباء المغاربة في المهجر يبلغ 14 ألف طبيب، كما أن ثلث الأطباء المكوَّنين سنوياً في البلاد يهاجرون كل عام.
وأشار، مُتحدِّثاً لـ”القدس العربي”، إلى أن هناك خصاصا يقدر بـ 32 ألف طبيب في المغرب، وفق معايير منظمة الصحة العالمية، التي تتمثل في 15.3 طبيباً لكل 10 آلاف نسمة كمعيار أدنى، موضحاً أنه سنة 2022، يوفر المغرب 7.8 أطباء وفق المعيار الأدنى. وشدد الخبير نفسه على ضرورة تدريب المزيد من الأطباء، مع الإجراءات المصاحبة على الصعيد المهني والاجتماعي.
في السياق نفسه، أكدت دراسة لـ”مؤسسة أساتذة الطب بالقطاع الحر”، أن المغرب يواجه عند بداية تعميم التغطية الطبية “عجزاً على مستوى الكفاءات الطبية، إذ لا يتجاوز معدل توفر الأطباء 7,8 أطباء بدلاً من 23 طبيباً لكل 10 آلاف نسمة (معيار منظمة الصحة العالمية)؛ وهو رقم بعيد أيضاً عن المتوسط العالمي.
وعزت الدراسة ذلك إلى “قدرة تدريب منخفضة (2000 بدلاً من 3000)”، و”ندرة مدرّسي الطب بشكل متزايد”، و”نزوح دائم على مستويات مختلفة (قبل شهادة الثانوية العامة وبعدها وبعد الدكتوراه وبعد التخصص)”، بالإضافة إلى “قدرة ضعيفة على استعادة الأطباء المغاربة المقيمين بالخارج ثم سوء التوزيع الجغرافي”. وواصلت المؤسسة المهنية دق ناقوس الخطر بالإشارة إلى أن المغرب يفقد 600 إلى 700 طبيب كل عام، أو 30 في المئة من الأطباء المدرّبين حالياً، مشيرة إلى أن “هذا النزوح يشمل جميع الفئات، من طلاب الطب إلى الأخصائيين الطبيين والمدرسين”، ولاحظت أن “هذا النزوح الخارجي يفاقم العجز الحالي، وتأثيره ذو شقين وكمي وقبل كل شيء نوعي لأنه بشكل عام الأفضل هو من يغادر”.
هذه المعطيات تؤكدها الحكومة المغربية نفسها، إذ جاء على لسان وزير التعليم العالي، عبد اللطيف ميرواي، أن نصف الأطباء المتخرجين سنوياً في المغرب وعددهم 1400 طبيب يهاجرون إلى أوروبا.
واستشهد بترحيب الدول الأوروبية “باستقدام الأطباء المغاربة المتخرجين”، من خلال تعليق ألمانيا “منح التأشيرة لجميع الوافدين خلال الجائحة باستثناء الطلبة الأطباء المغاربة”.
وأفاد أن ما بين 10 و14 ألف طبيب مغربي يمارسون المهنة في الخارج وذلك من أصل 23 ألف زميل لهم يمارسون الطب في المغرب.
وردّاً على سؤال طُرح في البرلمان، أوضح المسؤول المغربي أن الحل المطلوب لسد نقص الكوادر الطبية “هو تدريب عدد أكثر لكي نتحمل النسبة التي تهاجر من الكوادر الصحية”، مبرزاً أن “العالم كله يعرف حركية، ونعيش عوْلمة للموارد البشرية في القطاع الصحي”. وأقر الوزير في خضم حديثه عن هجرة الأطباء المغاربة، بأحد أسباب الإغراء والمتمثل في الأجور التي تمنحها أستراليا “مضاعفة بعشر مرات مثلاً”. وتابع بالإشارة إلى أنه “في إطار الإصلاحات المتعلقة بالوظيفة الصحية، لدينا إجابات عن بعض النواقص، منها ما يتعلق بهجرة الأطر (الكوادر) الصحية إلى الخارج”، وكشف عن أهم ملامحها وهي تغيير “نمط العمل ونمط الأجر والتعويضات التي تتعلق بالبعد الجغرافي”، وكلها “سيطالها التعديل”، ومنها إقرار “تعويضات عن أنسب الخدمات”، مما “سيحسن من المستوى الاجتماعي للأطر (الكوادر) الطبية”، كما أنه “سيخلق جاذبية نحو القطاع”.
الدكتور الطيب حمضي، الخبير في السياسات والنظم الصحية، يؤكد على أن أهمية موضوع هجرة الكوادر الصحية “تأتي أولاً لنقص الأطباء لدينا، وثانياً ما يسببه التنقل الديموغرافي الذي يفرض الحاجة أكثر وأكثر إلى مهنيين صحيين، وثالثاً، الورش الملكي الخاص بالتغطية الصحية الذي سيقوي الطلب على الخدمات الصحية، أما السبب الرابع فيتمثل في تفاقم هذه الظاهرة في السنوات المقبلة عالمياً ومغربياً”.
وأشار لـ”القدس العربي” إلى أن الغرب ما زال يطلب الأطباء الأجانب، نظراً لكون طلبتهم يرفضون دراسة الطب بسبب سنواته، وأيضاً بسبب الأجور المنخفضة والمسؤولية القانونية الكبيرة.
أما في ما يتعلق بالحلول التي ينبغي تطبيقها عالمياً، فلخّصها الدكتور الطيب حمضي في إنعاش المنظومات الصحية بضخّ الأموال فيها، وتحسين الأجور، وأيضاً تحسين ظروف التكوين والعمل. وشدد على ضرورة تدريب المزيد من الأطباء، مع الإجراءات المصاحبة على الصعيد المهني والاجتماعي.
جدير بالذكر أن دراسة حديثة كشفت عن نسبة 70.1٪ من الطلاب الذين أنهوا دراستهم الطبية في المغرب أعلنوا أنهم يعتزمون مغادرة البلاد بمجرد تخرجهم، وذلك لأسباب منها، عدم الرضا عن الراتب في المغرب بعد 7 سنوات من الدراسة، وعدم الرضا عن التكوين (التدريب)، كما أضافت الدراسة إلى جملة الأسباب تشويه سمعة الطبيب في وسائل الإعلام، إلى جانب نقص الميزانية المخصصة للبحوث في قطاع الصحة. وفي مقابل ذلك، أكدت الدراسة نفسها أن أسباب الجذب من طرف دول الاستقبال، تتمثل في ظروف العمل في الدول الأجنبية، وتدريب أفضل، وتحسين نوعية الحياة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: