مسلحو الحركة الإسلامية يقودون المعارك في الخرطوم
اتخذت الحرب الدائرة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع بعدا خطيرا عقب تداول معلومات عن تورط عناصر إسلامية جرى قتلها أو أسرها وهي تحارب بجوار الجيش، ما يعزز رؤية قوات الدعم السريع في التحذير من مغبة الوقوف وراء احتدام المعارك في الخرطوم والعمل على إفشال مبادرات وقف الحرب وعرقلة الوساطات لمنع العودة إلى العملية السياسية السابقة.
ويمكن أن يعيد الكشف عن هذه المعلومات نظر بعض الجهات التي التزمت الحياد في الحرب أو تلك التي دافعت عن قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان باعتباره ينتمي إلى مؤسسة عسكرية نظامية تدافع عن وحدة الدولة، بينما هو يدير حربا لحساب حركة إسلامية وجدت فيها فرصة لخلط الأوراق طمعا في السيطرة على المشهد العام.
وانشغلت مواقع التواصل الاجتماعي في السودان خلال الأيام الماضية، ولا تزال منشغلة، بخبر مقتل رئيس منظومة الفكر والتأصيل في الحركة الإسلامية السودانية محمد الفضل عبدالواحد عثمان خلال مواجهات عسكرية بمنطقة الشجرة وهو يقاتل في صف الجيش ضد قوات الدعم السريع.
ويكمن وجه الخطورة في أن محمد الفضل أحد أبرز قادة كتيبة البراء بن مالك الجهادية وقام البعض من قيادات الإخوان (الكيزان) بنعيه، من بينهم قادة في الحركة الإسلامية مثل علي كرتي وسناء حمد القيادية في التنظيم والوزيرة الملقبة بأخت الشهيدين.
◙ دوائر سودانية عديدة باتت مقتنعة بأن الكيزان يشاركون في التخطيط والقتال ضمن صفوف الجيش
واحتشد هؤلاء وغيرهم على منصات مختلفة لذكر مآثر الرجل واستخدموا عبارات التكبير والتهليل، وجرى نظم أشعار في من أطلقوا عليه “شهيد معركة الكرامة”.
وأثير خلال الفترة الماضية جدل حول أسباب اندلاع الحرب في منتصف أبريل الماضي والجهة التي بادرت بإطلاق أول رصاصة فيها وقادت إلى تداعيات عسكرية مريرة.
وحذر قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) في أول بياناته عقب بدء الحرب من أن الجيش استهدف قواته في إحدى معسكرات العاصمة الخرطوم وضرب عليها حصارا بغرض الانقلاب وإعادة نظام الرئيس السابق عمر البشير إلى السلطة بعد أن أطاحت به ثورة شعبية عارمة.
ونفى الجنرال البرهان ما جرى تداوله مبكرا وحاول تأكيد أن قواته تحارب “متمردين” لأجل الحفاظ على وحدة المؤسسة العسكرية ومنع تفكك الدولة.
وقال المحلل السياسي السوداني حسن إسحق إن “مشاركة فلول النظام السابق شيء متوقع في ظل حكمه الذي امتد إلى حوالي ثلاثة عقود مستمرة أدار خلالها الكيزان البلاد، ووجودهم في قلب المؤسسة العسكرية يصعب إنكاره”.
وأضاف لـ”العرب” أن “مصرع الجهادي محمد الفضل أو غيره من المؤكد أنه يسبب للبرهان حرجا أمام قوى إقليمية ودولية قطع لها وعودا بعدم عودة حزب المؤتمر الوطني (المنحل) إلى الواجهة مرة أخرى بعد سقوط نظام البشير”.
وعقب مقتل محمد الفضل بدأت تتكشف بعض خيوط اللعبة، وشعرت دوائر عديدة بأن الكيزان يشاركون بصورة أساسية في المؤامرة وما تلاها من تخطيط وقتال عناصرهم ضمن صفوف الجيش.
واتُّهِمت قيادات في الجيش بتبني أفكار أيديولوجية متشددة، وبأنها حشدت الجنود لخوض حرب واسعة ضد قوات الدعم السريع وفقا لعقيدة غرستها فيهم الحركة الإسلامية.
حسن إسحق:
مصرع الجهادي محمد الفضل يسبب حرجا للبرهان إقليميا ودوليا
وتمكنت قوات الدعم السريع من قتل وأسر عناصر منتمية إلى الحركة الإسلامية في الفترة الماضية، بما عزز روايتها حول فكرة التعاون والتنسيق بين الإسلاميين والبرهان، ما أعاد إلى الأذهان البيان الذي ألقاه علي كرتي بعد فراره من سجن كوبر إثر اندلاع الحرب وتوعده الدعم السريع ومؤازرة الكيزان للبرهان.
ولم يكن أغلب من قاتلوا بجوار الجيش، ومن بينهم محمد الفضل الذي بايع أمير داعش في وقت سابق، من المجندين في صفوفه أصلا، بل هم قياديون متطرفون يقاتلون تحت إمرة الحركة الإسلامية بالتنسيق مع قيادة الجيش ولديهم مشروع توسعي يريدون استعادته في السودان لتأكيد أن سقوط نظام البشير صفحة عابرة في تاريخ البلاد.
وتشير معطيات حصلت عليها “العرب” إلى أن كتيبة البراء بن مالك من الميليشيات الرئيسية في الحركة الإسلامية، تضم مجاهدين يعملون بالتنسيق مع الكيزان في الجيش ويرتدون زيه الرسمي ويوجدون ضمن قوات سلاح المدرعات في منطقة الشجرة.
وارتفع عدد القتلى في صفوف كتيبة المجاهدين، التي تقاتل إلى جانب قوات سلاح المدرعات، إلى أكثر من عشرين شخصا، فضلا عمّن انضموا إلى فروع أخرى، ما يعزز التقارير التي أفادت بضلوع الحركة الإسلامية مباشرة في الصراع.
وسطع اسم كتيبة البراء بن مالك على لسان القيادي الإسلامي أنس عمر خلال أبريل الماضي في معرض تهديده بالحرب، حيث دعا مقاتلي هذه الكتيبة إلى إعلان جاهزيتهم لإسقاط الاتفاق الإطاري، وهو ما سمّاه “الإملاءات الخارجية”.
◙ أثير خلال الفترة الماضية جدل حول أسباب اندلاع الحرب في منتصف أبريل الماضي والجهة التي بادرت بإطلاق أول رصاصة فيها وقادت إلى تداعيات عسكرية مريرة
وتعزز بعض التقارير الحديثة مدى تأثير الحركة الإسلامية داخل الجيش، والذي زاد إثر هروب قيادات محسوبة على فلول البشير من معتقلات الخرطوم بعد نشوب الحرب.
وحذرت القوى المدنية من مخاطر تغلغل هؤلاء في الجيش والكثير من مؤسسات الدولة العميقة، خاصة بعد قيام البرهان بحل لجنة تفكيك النظام السابق ومحاربة الفساد عقب الانقلاب العسكري في أكتوبر 2021، وهؤلاء صار لهم دور كبير في الإعلام والتعبئة والحشد الشعبي في الكثير من الولايات الهادئة.
وتتعامل عناصر الحركة الإسلامية مع المعركة ضد قوات الدعم السريع على أنها معركتها الأخيرة لاسترداد النفوذ، ولا تتوانى عناصرها عن القيام بدور الحاضنة السياسية للجيش بعد تأكد ضعف قوى مدنية أعلنت دعمها له ثم تبخرت في الشارع.
ويشكل تنظيم المجاهدين، الذي يضم أطيافا متباينة من المتشددين وما يملكه من إمكانات مادية راكمها طوال سنوات حكم البشير، ذراعا طويلة للجيش حاليا.
وأصبح ما يسمى بـ”كتائب الظل” أداة فاعلة في المعارك بعد قتل وأسر وهروب الكثير من عناصر الجيش، وهي تنسق مع قيادة داخل القوات المسلحة وتلعب دورا مؤثرا في مسار الصراع العسكري والسياسي، وقضيتها تتجاوز الحرب والانتقام من قائد الدعم السريع الذي أفشل مخططها إلى الانتقام من قوى الثورة التي أطاحت بنظام البشير.