إعادة هيكلة الإسلام ببلجيكا

أزمة جديدة تعيشها هيئات الجاليات الإسلامية في بلجيكا ، مع الإعلان عن تشكيل “المجلس الاسلامي ببلجيكا “، ليحل مكان “الهيئة التنفيذية لمسلمي بلجيكا “، الذي تنتهي صلاحياته يوم 25 من الشهر الجاري ، عندما اعتبر وزير العدل البلجيكي فانسن فان كويكنبورغ. أن هذه المؤسسة “لم تعد قابلة للاستمرار”، وينبغي أن تحل نفسها، بعد حوالي 34 عاماً على تأسيسها عام 1999 بظهير ملكي .

وكانت مهمة المجلس في حينه القيام بدور تمثيل الجاليات الإسلامية، والمحاور الرئيسي للسلطات البلجيكية ، فيما يتعلق بإدارة شؤون الديانة الإسلامية في بلد يشكل فيه الإسلام الديانة الثانية.

وتألفت “الهيئة ” من مسؤولي المساجد غالبيتها قريبة من الدول الأصلية للمصلين فيها، مثل المغرب وتركيا، ولكنها شهدت خلافات متواصلة بسبب منافسة مغربية-مغربية بين ممثلي الهيئة التنفيذية لمسلمي بلجيكا و مجموعة مغربية تدافع عن مصالح خليجية ببلجيكا .

ولكن الأزمة الأكبر التي واجهها المجلس هي في العام الماضي، حين قرر وزير العدل البلجيكي وقف الدعم للهيئة التنفيذية و المسجد الكبير “، و هو الامر الذي لم يستسيغة بعض المسؤولين عن الشأن الديني ببلجيكا.

المجلس الاسلامي ببلجيكا

البديل الجديد هو “المجلس الاسلامي ببلجيكا “، سيرى النور، رسمياً، في 25 من الشهر الجاري حيث سيتحمل مسؤولية المسلمين ببلجيكا بمباركة وزير العدل دون المسلمين ببلجيكا ، وهو يتكون من 5 اشخاص  ، من العدل و الاحسان و اخوان المسلمين على رأسهم رئيس مسجد النصر بمدينة فيلفورد السيد ميمون اقيشوع الذي سجل اول مسجد ببلجيكا يرسل مصليه الى بؤر التوتر بسوريا و العراق .

سيبصر “المجلس الاسلامي ببلجيكا ” النور قريباً

وتهدف هذه المبادرة، وفق التعريف الذي وضعها لها وزير العدل البلجيكي ، إلى التوصل لتمثيل للإسلام ببلجيكا لمدة سنتين  و العمل على التحضير للانتخابات.

ويراهن وزير العدل البلجيكي على أن يشكل هذا “المنتدى” الجديد قطيعة كبيرة، لأن “المجلس الاسلامي ببلجيكا ” تم تصميمه من أجل تجميع الاتحادات الإسلامية، التي تأسست منذ فترة طويلة على يد المهاجرين كما يعتبر هذا المجلس بمثابة زورق نجاة للوزير بعد تراكم اخطائه في تدبير الشأن الديني ليتفرغ للإنتخابات في السنة المقبلة .

ويستوحي “المجلس” النموذج الألماني الذي كتب له النجاح، لأن الأتراك يشكلون نسبة حوالي 90 في المائة من المسلمين في ألمانيا مما سهّل مهمة الاتفاق، في حين أن شقة الخلاف كبيرة في بلجيكا التي يتوزع فيها ثقل المسلمين بين أغلبية مغربية، ولكن ليست مطلقة، وأقليات أخرى متنافسة معها كالتركية.

وترى أوساط في الجالية الإسلامية أن الدولة البلجيكية حاولت الكثير من أجل تنظيم شؤون الديانة الإسلامية من خلال “الهيئة التنفيذية لمسلمي بلجيكا “، ولكنها لم تنجح، وعندما قررت إيجاد حل جذري، فإنها ارتكبت خطأ يتمثل في مسألة تعيين أعضاء “المجلس” الجديد من طرف وزير العدل البلجيكي دون الاخذ بعين الاعتبار توجهاتهم الدينية التي بإمكانها تشكيل خطر على الطبقة الناشئة في هذا البلد .

الأمر الذي يضرب مبدأ التمثيلية الديمقراطية من جهة، ويخل بقانون العلمانية القائم على فصل الدين عن الدولة من جهة أخرى، عدا عن أن قرار التعيين يحمل بعداً تمييزياً صارخاً، بالمقارنة مع علاقة الدولة بتمثيليات الديانات الأخرى، فهي لا تستطيع التدخل بتحديد من يمثل المسيحيين، أو اليهود في المؤسسات التي تمثلهم.

دور الأجهزة الاستخباراتية في انقسام الهيئة التنفيذية لمسلمي بلجيكا

ولعبت الأجهزة الاستخباراتية على هذه المسألة، ما أدى إلى مشاحنات دائمة بين الهيئة التي تعد نفسها المؤسسة التمثيلية الشرعية، والمسجد الذي يعتبر نفسه هو الأساس ومركز الثقل الإسلامي، ولا يمكنه أن ينضوي تحت جناح أي مؤسسة أخرى.

فالمعروف لدى الجالية المسلمة ببلجيكا أن أعضاء اتحاد مساجد الفلاندرن يعملون لأجندات خارجية تتمثل في الدفاع عن مصالح الوهابية السعودية و الامارات حيث أن اغلبهم يصرحون بها في الجلسات و عبر مواقع التواصل الاجتماعي و في بعض الاحيان ضد بلدهم و مصالح بلدهم ، الشيء الذي تابعته الجالية المغربية عند طرد الامام محمد التوجكاني و خروج الماجن نورالدين طويل يضرب فيه و في مصداقيته و يعطي الاحقية للسلطات البلجيكية حيث يطمح في تولي الامامة بالمسجد الكبير ببروكسيل بعدما كان مرشدا سياحيا في نفس المسجد إبان الوهابية السعودية .

وفي المقابل، نددت “الهيئة التنفيذية لمسلمي بلجيكا ” التي توعدت الوزير البلجيكي بمقاضاته و الاطاحة بقراره الاخير الذي يمس بحق المسلمين في اختيار ممثليهم.

و هذا الوضع يطرح السؤال حول دور الدولة وماذا تريد؟ أول ما تهدف إليه السلطات البلجيكية من باب تشجيع الاندماج، هو إيجاد “إسلام بلجيكي “، والحيلولة دون أسلمة بلجيكا، وهذا يتطلب قطع صلات المهاجرين ببلد المنشأ، وعدم التأثر بالعلاقة بين بلجيكا والبلدان ذات الحضور القوي في أوساط الجاليات مثل المغرب وتركيا.

وهذا أمر واضح وملحوظ، لأن مزاج هذه الجمعيات يتأثر إلى حد كبير بعلاقات بلجيكا مع بلدان الأصل، وإذا اختلفت بلجيكا مع المغرب ، يظهر صدى ذلك لدى المسجد الكبير، الذي تهيمن عليه قيادة مغربية .

والهدف الثاني للدولة البلجيكية هو تبني وجهة نظرها، فيما يتعلق بممارسة الشعائر وتأهيل الأئمة، والتي تقوم على عدة قواعد ملخّصها أن الإسلام دين مثل بقية الديانات الأخرى، يمارسه المواطنون البلجيكيون المسلمون ضمن قوانين المملكة وعلى أساس العلمانية.

وهذه مسألة لم تحسمها السلطات كلياً، على الرغم من أنها قطعت شوطاً كبيراً على صعيد التحكم بالاعتراف بالأئمة، وإبعاد من ترى أنهم يحضون على الكراهية، ويصدرون فتاوى تنعكس سلباً على بلجيكا.

من هذه الفتاوى، المتعلقة بالمرأة وتعدد الزوجات والزواج القسري والجهاد، والذي تقول الدولة أنها ساهمت في التأثير على بعض الشباب، الذين التحقوا بصفوف “التنظيمات الإرهابية”، خصوصاً “داعش”، التي ضمت عدة مئات من البلجيكيين من أصول عربية وأفريقية، وبعض هؤلاء كان يتردد بصورة منتظمة على المساجد كمسجد النصر بفيلفورد، ويقيم علاقة مع بعض الأئمة الذين يحرضون على العنف.

والهدف الثالث هو الابتعاد عن أي دور سياسي للجمعيات الإسلامية والمساجد، التي تتخذ مواقف حيال النزاعات في الشرق الأوسط، خصوصاً القضية الفلسطينية.

وتهدف ضغوط الدولة إلى وقف حملات التضامن والتأييد للشعب الفلسطيني، وذلك على غرار ما تقوم به الجمعيات اليهودية لمساعدة اسرائيل.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: