هل وصلكم ثغاء «أكباش» الحكومة القادمة من بلاد العجم… ومعرض الكتاب تحت الخيام؟!

الطاهر الطويل

سمع المغاربة منذ أيام رئيس الحكومة يبشرهم بالنعيم الأرضي، ولم يدروا أيهما أصح وأجدر بالتصديق: ما يعيشونه ويرونه بأعينهم؟ أم الكلام المفعم بالرومانسية والأحلام الوردية؟
لقد ردد عزيز أخنوش أمام البرلمانيين بلهجة واثقة: «اليوم وغدا أفضل من العشر سنوات السابقة»، وهو كلام سارت بذكره مختلف وسائل الإعلام. والمقصود بالعشر سنوات السابقة تلك التي كان فيها حزب «العدالة والتنمية» يقود الحكومة ـ لمرتين ـ منذ فوزه الكاسح في انتخابات 2011 حتى هزيمته المدوية في استحقاقات 2021. لكن، كيف يدلي أخنوش بذلك التصريح، وهو نفسه كان مشاركا في الحكومة نفسها، بجانب وزراء من حزبه «التجمع الوطني للأحرار»؟
العشر سنوات التي يتحدث عنها مضت وانقضت وطويت «كطي السجل للكتب». والمغاربة الآن، لا ينظرون إلى الوراء، لأن واقع الحال يغني عن السؤال!

حكومة «اليوم والغد الأفضل»!

«اليوم الأفضل والغد الأفضل» تجسدا عمليا هذه الأيام أحسن تجسيد من خلال المثال التالي: ثغاء الأكباش يملأ المواقع والقنوات الإلكترونية المغربية التي استبقت التلفزيونات في اقتحام الأسواق، فاستنتجت أن عدوى الأثمان الصاروخية أصابت أضاحي العيد المقبل، بشكل غير مسبوق في المغرب، ولم يعد المواطن يسمع سوى خمسة آلاف درهم (496 دولارا أمريكيا) فما فوق ثمنا للخروف الواحد، بما يعني ضعف ثمن أكباش العام الماضي تقريبا.
ماذا حصل يا سادة؟ قيل إن القطيع المحلي لا يكفي لسد حاجة الناس من الأضاحي، وبما أن العرض أقل من الطلب فقد ارتفع الثمن، مع أن البعض يعزو المسألة إلى ارتفاع أسعار الأعلاف وتوالي سنوات الجفاف.
أكثر من ذلك، عملت حكومة «اليوم والغد الأفضل» على فتح أبواب الحدود أمام الأغنام الوافدة من إسبانيا والبرتغال ورومانيا. وعوض أن تخفف من الضغط المعيشي الذي يرزح تحته المواطن المغلوب على أمره، فضلت الحكومة نفسها تقديم مساعدات مالية للتجار الكبار مستوردي الأكباش بما معدله 50 دولار عن الكبش الواحد، فضلا عن إعفائهم من أداء رسوم الاستيراد والضريبة على القيمة المضافة. وبعد القيام بعملية حسابية لكل هذه التسهيلات، تخيلوا معي كم سيدفع للباعة الكبار من خزينة المال العمومي مقابل الأغنام المستوردة، علما بأن العدد المتوقع للقطيع القادم من وراء البحار إلى الأسواق المغربية هو «خمسمئة ألف» رأس!
ألم يكن أجدر بالحكومة أن تعلن عن إلغاء شعيرة نحر الأضحية هذه السنة؟ وبذلك، يمكن ضرب عصفورين بحجر واحد: من جهة التخفيف من غلاء المعيشة لدى الطبقة الفقيرة والمتوسطة لا سيما بفعل تراكم الزيادات في أثمان المواد الاستهلاكية، ومن جهة ثانية المساهمة في تقليص أسعار الأكباش بعد العيد. وفي هذا الصدد، يكشف أحد الجزارين أنه لو ألغيتْ شعيرة ذبح الأكباش هذه السنة، لنزل ثمن لحم الغنم إلى حوالي ستين درهما للكيلو الواحد، حيث سيكون اللحم موجودا بوفرة كبيرة.
ولكن الرأسمالية المتوحشة تجعل المسؤولين يفكرون في مصلحة التجار والمقاولين الكبار، ويسقطون من حساباتهم المواطن البسيط.
المغاربة يتذكرون أنه جرى إلغاء شعيرة ذبح الأضاحي في البلاد ثلاث مرات، أولاها: سنة 1963 جراء الأزمة الاقتصادية الناتجة عما سمي بـ»حرب الرمال»، وثانيها سنة 1981 والثالثة سنة 1995، وكلاهما بسبب الجفاف الشديد. فلماذا لم تتكرر المسألة هذا العام أيضا، ما دام الناس «الغلابة» يعانون من الجفاف والسنوات العجاف؟

«جعجعة بلا طحين»!

أزيلت الخيام الكبرى وجمعت، واختفت من ساحة «السويسي» القريبة من أحد أكبر الفنادق الفخمة والمنتزهات المعروفة في العاصمة المغربية، في انتظار أن تعود السنة المقبلة.
ولو استمر الحال على هذا المنوال عدة سنوات، لصرف مال وفير مقابل «تأجير» تلك الخيام التي تنصب من أجل إقامة «المعرض الدولي للكتاب» الذي جرى تهجيره من مكانه المعتاد في قاعة المعارض الكبرى في الدار البيضاء إلى الرباط.
بعيدا عن صخب «الزفة» الإعلامية التي أقامتها وزارة الثقافة، هناك شبه إجماع على أن المسألة مجرد «جعجعة بلا طحين»: أولا لأن فضاء الخيام ليس ملائما لإقامة المعرض، وثانيا لأن البرنامج الثقافي للمعرض غلبت عليه الشللية والمحسوبية وتكرار الأسماء نفسها، وثالثا لأن توقيت المعرض لم يكن مناسبا البتة، إذ تزامن مع فترة الامتحانات، علما بأن نسبة كبيرة من الزوار يفترض أن تتشكل من المدرسين والطلبة.
مسؤولو وزارة الثقافة لا يهمهم كل ذلك، بقدر ما يهمهم الانتشاء ببريق الأرقام والركون إلى الأوهام، حيث يقولون إن دورة هذه السنة استقطبت 240 ألف زائر، واعتبروا ذلك رقما قياسيا. لكن، ما قيمة هذا الرقم إذا قيس مع العدد الإجمالي لسكان المغرب (حوالي 36 مليون نسمة)؟ بل ما قيمته أخذا بعين الاعتبار عدد المدرسين في الابتدائي والثانوي (أكثر من 250 ألف أستاذة وأستاذ) والتلاميذ (أكثر من 7 ملايين) وعدد الطلبة الجامعين (أكثر من مليون و170 ألف)، والأساتذة الجامعيين (أكثر من 21 ألف)، وذلك حسب الإحصائيات المتعلقة بالموسم التعليمي 2021/ 2022.
عوض محاولة ذر الرماد في العيون بأرقام عدد الزوار، وكأنها فتح مبين، الأجدر بالمسؤولين عن الشأن الثقافي تنظيم وقفة تقويمية للمعرض الدولي للكتاب، من أجل الوقوف على ثغراته ومحاولة تجاوزها بالإضافة إلى وضع خطة عملية لتقوية علاقة المغاربة مع الكتاب الذي ينعت بكونه «خير جليس»، حتى لا يكتسي الاهتمام به طابعا «كرنفاليا» ظرفيا، وتظل أزمة القراءة قائمة، وأسئلة اقتناء الكتب مغيبة، ودعم المؤلفين مستبعدا حتى إشعار لاحق!

مسألة حرية شخصية!

فنانة عربية مبتهجة لكونها خلعت الحجاب، وكأنها بذلك حققت فتحا مبينا. أن تضع الحجاب أو تخلعه، ذلك شأنها الخاص الذي لا يعني الناس في شيء، ولا اعتراض عليه. المثير في الموضوع فقط أن تجعله حدثا تروجه من خلال شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، بدل التركيز على أوضاع النساء العربيات ومعاناتهن في البيت والعمل والفضاءات العمومية.
المسألة في البدء والمنتهى مسألة حرية شخصية، وهي الحرية التي انبرت نائبة برلمانية نمساوية مدافعة عنها منذ بضع سنوات، حينما ارتدت الحجاب في البرلمان أمام الكاميرات، احتجاجا على قانون يحظر ارتداء الحجاب في المدارس.
النائبة البرلمانية مارثا بيسمان رددت أمام زملائها وهي تضع المنديل على رأسها: هل تخافون من قطعة القماش هذه؟ انظروا إلي، ماذا تغير وأنا أضع الحجاب؟ هل يغير من تعلم الفتاة؟ أعرف مسلمات رائعات منهن طبيبات ومدرسات وعالمات فيزياء وموظفات وعاملات، إنهن ناجحات في المجتمع، ولا يثنيهن الحجاب عن تحقيق مسيرتهن المهنية».
هنا، إذن، الفرق بين الدفاع عن الحجاب من لدن امرأة أوروبية، والافتخار بإزالته من لدن فنانة عربية!

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: