قانون “اللجنة المؤقتة” للصحافة والنشر يتجاوز سيل اعتراضات أهل القطاع ويمر من البرلمان
ماموني
مررت لجنة برلمانية مغربية مشروع قانون إحداث لجنة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، ضاربة عرض الحائط بالرفض القاطع لغالبية النقابات والهيئات المهنية في البلاد لهذا القانون، الذي تعتبره استهدافا للصحافة الوطنية واستقلاليتها.
صادقت لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب المغربي، على مشروع إحداث لجنة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، رغم معارضة واسعة من أهل القطاع باعتباره “قاتلا للحريات” وفق تعبيرهم.
وأحجمت فرق الأغلبية والمعارضة باستثناء الفريق الاشتراكي على تقديم تعديلات حول المشروع المثير للجدل، مبررة ذلك بكون هذا المشروع جاء من أجل تدبير مرحلة انتقالية ومؤقتة.
واعتبرت الحكومة أن من أجل تصحيح الوضع غير القانوني الذي ستؤول إليه قرارات المجلس، فقد نص مشروع هذا القانون على إحداث لجنة مؤقتة تحل محل أجهزة المجلس الوطني للصحافة وتحدد مدة انتدابها في سنتين ابتداء من تاريخ تعيين أعضائها ما لم يتم انتخاب أعضاء جدد خلال هذه المدة.
وتأتي المصادقة على مشروع “اللجنة المؤقتة” بالرغم من المعارضة الشديدة لمضامين هذا المشروع، والتي أبدتها عدة هيئات مهنية للصحافة، على رأسها الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، والجمعية الوطنية للصحافة والإعلام والاتصال، إلى جانب فرق برلمانية تنتمي إلى صفوف المعارضة.
ودعا منسق المعارضة داخل مجلس النواب إدريس السنتيسي، في بداية الاجتماع وزير الثقافة والشباب والتواصل محمد المهدي بنسعيد إلى تأجيل الحسم في مشروع القانون، حتى إيجاد حل يضمن تمثيلية كل الجسم الصحافي وأن يكون هناك توافق، مضيفا أنه “يحز في النفس أن هناك طرفا غير ممثل في هذه اللجنة”.
واعتبر مهنيون في الحقل الإعلامي خلال مائدة مستديرة احتضنها المقر المركزي لحزب التقدم والاشتراكية، مساء الثلاثاء، أن “مشروع قانون إحداث لجنة مؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر قاتل للحريات، وهو استهداف للصحافة الوطنية واستقلاليتها وطموحات تأهيلها وتكريس تعدديته”.
وقال محمد لغروس، مدير نشر موقع “العمق”، إن “اللجنة مؤشر على سياق ونقطة ضمن مسار بدأ منذ فترة ولا يزال مستمرا، حيث نشعر كمهنيين أن هناك توجها إلى ضرب المزيد من استقلالية العمل الصحافي ومن حرية الممارسة الصحافية”.
وأكد لغروس أن “خروج خمسة وزراء اتصال سابقين للتنديد بمشروع اللجنة أمر يدل على غياب إجماع يؤيده”.
واعتبر محمد الوافي، المنسق الوطني للجامعة الوطنية للصحافة والإعلام والاتصال، أن “مشروع قانون إحداث لجنة مؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر مشروع لا دستوري، لا قانوني ولا تقدمي وقاتل للحريات، تقدمت به أحزاب تنعت نفسها بالوطنية والتقدمية أحيانا”، وأوضح أن “الجسم الصحافي بالبلاد أبان عن نضجه ومساهمته في بناء الديمقراطية في مراحل عديدة سابقة، ومن الضرورة الاستماع للمهنيات والمهنيين، على أمل أن يتم إحداث تعديلات جوهرية”.
ورفضت مكونات من المعارضة، دون أي اتفاق مسبق بينها، المشاركة في ما أسمته “مهزلة” تمرير المشروع الذي تعتريه الكثير من العيوب والنواقص القانونية، وذلك في أعقاب فشل مسعى تشكيل لجنة فرعية لتعميق النقاش وإعداد تعديلات مشتركة بين الأغلبية والمعارضة.
من مهام اللجنة التحضير للانتخابات الخاصة بأعضاء المجلس الوطني الواجب انتخابهم وتنظيمها طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية.
واقترح الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية، أن تحدد مدة انتداب اللجنة في سنتين كحد أقصى تبتدئ من تاريخ تعيين أعضائها، غير أنه في حال انتخاب أعضاء المجلس الوطني للصحافة طبقا لأحكام المادة من نفس القانون، قبل انتهاء هذا الأجل فإن مهام اللجنة تنتهي بمجرد شروع الأعضاء الجدد في مزاولة مهامهم، مع التنصيص على أن هذه الفترة الانتقالية لا تتجاوز سنتين مهما كانت الظروف.
ووصف الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية محمد بنعبد الله، ما يعيشه قطاع الصحافة والنشر بـ”الفضيحة”، مردفا أنها لم تقع في أحلك لحظات التضييق والمراقبة على الإعلام بالمغرب.
وعلقت الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، بأنها “كانت خلال 22 سنة من العمل الاقتراحي والتشاركي الجاد، تجد نفسها مضطرة إلى إدانة هذا الانحراف غير المسبوق في مقاربة الشأن الإعلامي الوطني، ليس فقط في ما يتعلق بإقصاء أحد أهم مكونات المشهد الإعلامي بشكل مثير للذهول، ولكن بالخصوص في الإساءة البليغة للمجتمع وحقه في إعلام متعدد ومستقل ونزيه يراقب الحكومة ويسائلها”.
وندد نادي الصحافة بالمغرب بالتدخل في تسيير وتدبير المجلس الوطني للصحافة، مضيفا أن مشروع القانون المتعلق بتشكيل “لجنة مؤقتة” لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، “خارج السياق العام للمنظومة القانونية الوطنية”.
واعتبرت النقابة الوطنية للصحافة المغربية، في بيان لها، أن إحداث لجنة مؤقتة لتسيير شؤون الصحافة والنشر يندرج في سياق مرحلة انتقالية يجب التركيز خلالها على الإصلاح الشامل للقوانين المؤطرة للقطاع.
يشار إلى أن الحكومة صادقت منتصف أبريل الماضي على مشروع قانون يقضي بإحداث لجنة مؤقتة لتسيير المجلس الوطني للصحافة لمدة عامين. ويأتي هذا القانون بعد عدم التمكن من إجراء انتخابات المجلس الوطني للصحافة، ما أفضى إلى إحداث لجنة مؤقتة واستمرار المجلس المنتهية مدة انتدابه في ممارسة المهام المخولة له.
نقابة الصحفيين ترى أن إحداث لجنة مؤقتة لتسيير شؤون الصحافة والنشر يندرج في سياق مرحلة انتقالية يجب التركيز خلالها على الإصلاح الشامل للقوانين المؤطرة للقطاع
وتعهد إلى اللجنة ممارسة المهام المنصوص عليها في المادة الثانية من القانون الذي ينص على العمل على توفير الشروط الملائمة الكفيلة بتطوير قطاع الصحافة والنشر وتنمية قدراته.
وتتمثل مهام اللجنة، وفق مشروع القانون، في تقييم شامل للوضعية الحالية لقطاع الصحافة والنشر واقتراح الإجراءات الهادفة إلى دعم أسسه التنظيمية، في أجل لا يتجاوز 9 أشهر تبتدئ من تاريخ تعيين أعضائها، وتعزيز أواصر علاقة التعاون والعمل المشترك بين مكونات القطاع الصحافي وقطاع النشر.
ومن مهام اللجنة أيضا التحضير للانتخابات الخاصة بأعضاء المجلس الوطني الواجب انتخابهم وتنظيمها طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية.
وتُحدد مدة انتداب اللجنة في سنتين ما لم يتم انتخاب أعضاء جدد خلال هذه المدة. كما يترأس اللجنة الرئيس المنتهية ولايته يونس مجاهد. وتتكون عضويتها من نائب رئيس المجلس الوطني للصحافة المنتهية ولايته بصفته نائبا لرئيس اللجنة، رئيس لجنة أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية، رئيس لجنة بطاقة الصحافة المهنية، ثلاثة أعضاء يعينهم رئيس الحكومة من بين الأشخاص المشهود لهم بالكفاءة والخبرة في مجال الصحافة، وأيضا قاض ينتدبه الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ممثل عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
وكانت الهيئات دعت رئيس الحكومة إلى “تجميد المشروع، والعودة إلى المنظمات المهنية، والاحتكام إلى الدستور والقانون”، كما دعت السلطات المكلفة بالتواصل إلى “الخروج من وضعية الطرف في هذا الموضوع، والتحلي بالجدية في التعاطي مع قضايا الشأن المهني العام، والكف عن نكث العهود والالتزامات التي تقدمها للشركاء”.
وأكدت مصادر من داخل المجلس الوطني للصحافة، المنتهية ولايته، أن الحكومة لم تعرض هذا المشروع على أنظار المجلس، رغم أن القانون المحدث له ينص على استشارة الأخير من أجل الإدلاء برأيه.