تبون في موسكو والأعين على التعاون العسكري

أخيرا، بدأ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون زيارته إلى روسيا التي تأجلت مرارا، وهو ما يطرح التساؤلات ما إذا كانت الجزائر قد حسمت موقفها من الصراع الروسي – الأوكراني لصالح موسكو ضد الغرب، وسط ترقب لنتائج الزيارة وخاصة في ما يتعلق بملف التعاون العسكري.

بدأ الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون زيارة إلى روسيا تستمر ثلاثة أيام، وهي الزيارة التي تأجلت لأشهر بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية. وتتركز أنظار المتابعين على التعاون العسكري الذي قد يستفز الغرب، وخاصة الولايات المتحدة التي مارست ضغوطا الأشهر الماضية لمنع عقد صفقة وصفت بالضخمة بين موسكو والجزائر.

ونشرت الرئاسة على موقعها في فيسبوك صورا للرئيس عبدالمجيد تبون في المطار وهو يحيي تشكيلة من الحرس الجمهوري قبل صعود الطائرة.

وجاء في البيان “بدعوة من رئيس فيدرالية روسيا، السيد فلاديمير بوتين، يشرع (…) رئيس الجمهورية السيد عبدالمجيد تبون في زيارة دولة إلى فيدرالية روسيا، تدوم ثلاثة أيام، في إطار تعزيز التعاون بين البلدين الصديقين”.

وتسعى موسكو لتوسيع منافذها في شمال أفريقيا عبر تعزيز التعاون مع الجزائر، وسط انزعاج غربي من دور جزائري فتح الطريق للتمدد الروسي في مناطق نفوذ ومصالح حيوية للغرب.

ويشمل التقارب بين البلدين خصوصا المجال العسكري، حيث تريد روسيا توجيه رسالة إلى الغرب مفادها أن موسكو قادرة على التمدد وبسط النفوذ في منطقة إستراتيجية بالغة الحساسية بالنسبة إلى أوروبا والولايات المتحدة.

وترتبط الجزائر وموسكو بعلاقات تاريخية سواء على المستوى الاقتصادي مع تبادلات تجارية بأكثر من 3 مليارات دولار، أو على المستوى السياسي والإستراتيجي. كما تنسق الجزائر مع روسيا في إطار منتدى الدول المصدرة للغاز وفي اجتماعات الدول المصدرة للنفط (أوبك+).

وبحسب تقارير دولية، تعد الجزائر ثالث مستورد للسلاح الروسي، فيما ‏تعتبر موسكو أول ممول للجيش الجزائري بالأسلحة والأنظمة الحربية بنسبة تفوق ‏‏50 في المئة.‏

وأفادت الرئاسة الجزائرية في البيان بأن الزيارة جاءت بدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في إطار “تعزيز التعاون بين البلدين الصديقين”. وسيشارك تبون خلال هذه الزيارة في أعمال المنتدى الاقتصادي الدولي بسان بطرسبورغ، والذي سينعقد من 14 إلى غاية 17 يونيو، وفق البيان.

ومنتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي حدث اقتصادي ينظم سنويا منذ عام 1997، ويبحث القضايا الاقتصادية الرئيسية التي تواجه روسيا والأسواق الناشئة والعالم.

العلاقات الاقتصادية بين الجزائر وروسيا وطيدة؛ حيث تتجاوز المبادلات التجارية بينهما 3 مليارات دولار

وكانت الرئاسة الجزائرية أعلنت في نهاية يناير الماضي أن تبون اتفق مع بوتين على زيارة دولة ‏سيجريها إلى موسكو في مايو من العام الجاري، لكنها لم تتم في موعدها ‏لأسباب لم تعلن عنها سلطات البلدين.‏

ومنذ نشوب الأزمة الأوكرانية وجدت الجزائر نفسها بين مطرقة الغرب وسندان روسيا، وإنْ استطاعت إلى حد الآن النأي بنفسها عن الضغوط الشديدة؛ فهي تلبي مطالب الغرب بضخ كميات إضافية من الغاز إلى الأسواق الأوروبية من جهة، وتستمر من جهة أخرى في تعاونها العسكري مع روسيا والحفاظ على مكانتها كزبون مهم لسوق السلاح الروسي.

كما تتجه الجزائر إلى أن تكون محور استقطاب مفتوح بين روسيا والولايات المتحدة، في إطار لعبة التحالفات التي تديرها القوتان منذ بدء الحرب الروسية – الأوكرانية.

وقبل أشهر أُعلن عن زيارة تبون إلى روسيا من قبل سلطات البلدين، وكانت ‏مرتقبة قبل نهاية عام 2022، لكنها تأجلت أيضا لأسباب غير معلنة.‏

وسبق للرئيس الجزائري أن أكد في لقاء مع وسائل إعلام محلية أنه ‏سيزور موسكو، وأن بلاده لها علاقات جيدة مع جميع الدول، بما فيها الولايات ‏المتحدة والصين.‏

وقال أيضًا في تصريحات إعلامية بشأن الحرب في أوكرانيا إن بلاده “لا تدين العملية ‏العسكرية الروسية ولا تؤيّدها” وإن “موقفها هو عدم التحيز لأي طرف”.

وكانت الدبلوماسية الروسية قد أعربت على لسان وزير الخارجية سيرجي لافروف عن انزعاجها مما وصفته بـ”الضغوط الأوروبية والأميركية على الجزائر من أجل إبعادها عن حليفها التاريخي والإستراتيجي، وأن هؤلاء (القادة الأمريكان والأوروبيين) لا يدركون طبيعة الموقف الجزائري”، في إشارة إلى الإنزال الدبلوماسي الغربي المفتوح في العاصمة الجزائرية.

وكانت الزيارة مقررة في مايو وفق ما اتفق عليه الرئيسان الجزائري والروسي خلال مكالمة هاتفية في يناير، ولم يتم الإعلان الرسمي عن تأجيلها.

وتنظر روسيا إلى الجزائر وليبيا كبوابتين مهمتين للعمق الأفريقي الذي يعتبر بالنسبة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فضاء حيويا لمصالحهما، فيما تسعى موسكو لتعزيز وجودها في إطار الصراع بينها وبين القوى الغربية على النفوذ والتمدد.

وسبق أن وجه 27 عضوا من الكونغرس الأميركي رسالة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن طالبوا فيها بفرض عقوبات على الحكومة الجزائرية بسبب ما اعتبروه “صفقات أسلحة بالمليارات مع روسيا”.

وأعرب هؤلاء البرلمانيون بقيادة عضو الكونغرس، الجمهورية ليزا ماكلين، في رسالتهم عن تخوّفهم من “تنامي العلاقات الوثيقة بين الجزائر وروسيا”، مشيرين إلى توقيع الجزائر خلال العام الماضي عقود تسلح ضخمة مع روسيا بأكثر من سبعة مليارات دولار وتشمل شراء مقاتلات متطورة من بينها “سوخوي 57″، وهو طراز لم تبعه موسكو لأي دولة أخرى.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: