تصاعد أصوات اليمين تجاه المهاجرين يزيد من فتور العلاقات الجزائرية – الفرنسية
تتصاعد في فرنسا الدعوات السياسية المطالبة بإلغاء اتفاقية الهجرة مع الجزائر ومراجعة قوانينها، في خطوة تعكس مخاوف فرنسية من زحف المهاجرين الجزائريين، وقد تزيد من فتور العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وتدشن مرحلة جديدة من التوتر بينهما.
يدفع اليمين الفرنسي باتجاه إرغام الحكومة على إلغاء اتفاقية العام 1968 المبرمة مع الجزائر بشأن الهجرة، عبر إعداد لائحة من طرف نواب جمهوريين لطرحها أمام البرلمان، وهو ما يمثل منعطفا جديدا في مسار العلاقات بين البلدين، على اعتبار أن مسألة الهجرة تعد واحدا من الملفات الشائكة.
وأعد نواب جمهوريون لائحة لتقديمها للمناقشة أمام البرلمان الفرنسي قريبا، تدعو إلى إلغاء اتفاقية الهجرة المبرمة بين البلدين العام 1968، لتنضم بذلك إلى الأصوات المتصاعدة في فرنسا، حول ضرورة مراجعة قوانين الهجرة، لاسيما تلك المتصلة بالحاملين للجنسية الجزائرية، على اعتبار أن المزايا التي أتاحتها الاتفاقية المذكورة صارت محل استغلال رغم تغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية والدواعي السياسية التي أفرزتها قبل خمسة عقود.
وطالب رئيس حزب الجمهوريين اليميني إيريك سيوتي بـ”مراجعة الاتفاقية”، مبرراً ذلك بـ”رفض القنصليات الجزائرية إصدار تصاريح سفر لمواطنيها المرفوضين على الأراضي الفرنسية”، كما أعرب في تصريح صحفي عن استغرابه من “منح امتيازات للجزائريين الذين يقومون بشتمنا كل يوم”.
وتأتي الخطوة لتبث المزيد من الفتور في علاقة البلدين خلال الأيام الأخيرة، لاسيما بعد التأجيل الجديد للزيارة التي كان منتظرا أن يؤديها الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى باريس منتصف الشهر الجاري إلى أجل غير معلن، ولا يستبعد أن تؤدي إلى أزمة جديدة بين البلدين في حال خضوع الحكومة لمطالب اليمينيين.
◙ طرح الاتفاقية يترجم مخاوف فرنسية من زحف جزائري في أي لحظة نتيجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية
وأدرج دعاة التقارب بين الجزائر وفرنسا الخطوة في نطاق الابتزاز والضغط السياسي على الجزائر من أجل تقديم تنازلات جديدة، بينما يتذرع اليمينيون بأن الاتفاقية لم تعد صالحة بعد مرور نحو خمسة عقود عليها، وانتفاء الظروف والدواعي التي أتت بها.
وتنص الاتفاقية على “دخول 35 ألف عامل جزائري إلى فرنسا سنويا لمدة ثلاث سنوات، ويتمتع المهاجرون الجزائريون بالعديد من المزايا المتعلقة بتصاريح الإقامة ولم شمل الأسرة التي لا يتمتع بها المهاجرون من جنسيات أخرى، وبعض الأفضلية في مجال الإقامة والعمل للجزائريين”.
وكان الهدف من الاتفاقية هو “ملء الفراغ القانوني الناتج عن استقلال الجزائر قبل ست سنوات، في عام 1962، إذ كانت فرنسا تعتبر الجزائر تابعة لها إداريا وليست مستعمرة”.
وأدرجت على الاتفاقية العديد من المراجعات بين سلطات البلدين، حيث تم تقليص العدد إلى نحو 20 ألفا، لكن فرنسا اليمينية تريد إلغاء كل المزايا والمساواة بين جميع المهاجرين، خاصة وأن الجالية الجزائرية لديها باتت هي الأولى في البلاد بعد تراكم الأجيال من خمسينات القرن الماضي إلى الآن.
ويرى متابعون للعلاقات الجزائرية – الفرنسية بأن طرح الاتفاقية المذكورة للنقاش السياسي والبرلماني، يترجم مخاوف فرنسية من زحف جزائري في أي لحظة نتيجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وأن الإبقاء على الاتفاقية يمهد الطريق لتوازنات ديمغرافية جديدة، خاصة وأن 12 في المئة من المهاجرين في فرنسا هم من أصول جزائرية.
وكان رئيس الوزراء الفرنسي السابق إدوارد فيليب قد دعا إلى إعادة التفاوض بشأن اتفاقية 1968 مع الجزائر بشأن قضايا الهجرة، وهو موقف نقله مسؤولون آخرون من اليمين في وقت أصبح ملف الهجرة مجددا في قلب النقاش السياسي الفرنسي. وصرح فيليب لمجلة “ليكسبريس” بالقول “بالطبع هناك علاقات تاريخية قوية جدا بين فرنسا والجزائر، لكن الحفاظ على مثل هذه الترتيبات اليوم مع بلد نقيم معه علاقات معقدة لم يعد مبررا”.
أما الدبلوماسي والسفير الفرنسي السابق في الجزائر غزافييه دريانكور فقد أطلق جملة من التصريحات التي غذت الجدل القائم بين البلدين، حيث ذكر لمجلة “لوبوان” بأن بنود الاتفاقية “باهظة” على فرنسا، كما أنها وضعت المهاجرين الجزائريين في خانة مميزة مقارنة بنظرائهم من جنسيات أخرى “وكأن قوانين الهجرة لا تنطبق عليهم”.
◙ الخطوة تأتي لتبث المزيد من الفتور في علاقة البلدين لاسيما بعد التأجيل الجديد لزيارة عبدالمجيد تبون إلى باريس
كما هاجم الجزائر في مقال له واتهمها بـ”عدم الوفاء بالتزاماتها في ما يخص الاتفاقية لناحية إصدار جوازات السفر القنصلية لترحيل المهاجرين، الأمر الذي يخلق أعباء إضافية على سلطات الهجرة الفرنسية”.
ولفت إلى أن “السياقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الحالية تغيرت جذريا مقارنة بما كانت عليه في العام 1968”. وسياسيا، باتت قضية الهجرة في قلب النقاش العام وجزءاً من البرامج والخطط السياسية لمختلف الأحزاب الفرنسية، أما اقتصاديا، فقد ربط دريانكور بين الحاجة إلى اليد العاملة في البلاد في اقتصاد ما بعد الحرب العالمية الثانية والواقع الحالي، حيث انتفت هذه الحاجة اليوم وبالتالي يجب على القضاء أن يوقف الامتيازات الممنوحة للجزائريين وإخضاعهم لقانون الهجرة المطبق على كافة المهاجرين في البلاد دائماً، حسب السفير السابق.
وتتجه الأنظار إلى البرلمان الفرنسي للحسم في المسألة، خاصة في ظل التركيبة السياسية والحزبية فيه، حيث تفتقد التيارات المشكلة له إلى الأغلبية المريحة سواء لتمرير اللائحة أو إسقاطها، ولو أن رئيس مجلس الشيوخ اليميني جيرار لارشيه أعرب عن تأييده لإجراء “مراجعة للاتفاقية”، في وقت تريد الأغلبية الرئاسية إيجاد حل وسط مع مشروع قانون حول الهجرة.
وتسعى الحكومة الفرنسية لإقرار قانون جديد للهجرة تدرج فيه تغييرات لافتة على القانون المعمول به حاليا، منها شرط إتقان الحد الأدنى من اللغة الفرنسية قبل الحصول على الإقامة، وتسهيل طرد الأجانب المدانين بأحكام قضائية على الأراضي الفرنسية، وتعديل آليات منح حق اللجوء، وزيادة أعداد مراكز الاحتجاز.