أحزاب مغربية مطالبة بإرجاع أموال الدعم… وعجائب المرشحين بين الاختفاء وتحويل «صيدلية» إلى «مقر» حملة انتخابية

خروقات بالجملة تلك التي سجلها المجلس الأعلى للحسابات (مؤسسة دستورية)، خلال افتحاص وتدقيق مصاريف الأحزاب السياسية (28 حزباً) من المال العمومي الممنوح لها كدعم في الانتخابات التي جرت في الثامن من سبتمبر 2021.
التقرير المسهب للمجلس تضمن حالات عجائبية نوعاً ما بالنظر إلى الجدية الكبيرة التي تحملها طبيعة التدقيق في مصاريف الهيئات السياسية على هامش المبالغ التي حولت لها كدعم.
أول ما يثير الانتباه في تقرير المجلس عدد الأحزاب التي أدلت بحسابات حملاتها الانتخابية داخل الأجل القانوني، تراجع من 20 حزباً برسم اقتراع 2016، إلى 14 حزباً برسم اقتراع 2021، وبالتالي فإن نصف الأحزاب قدمت حساباتها بعد مرور الأجل القانوني لذلك.
لغة التقرير التي جاءت بالأرقام وأسماء الأحزاب تثير شهية الانتقاد كما فعل مدونون ومتتبعون للشأن السياسي، وبعضهم يكون جاهزاً لهذه المناسبة. ويبقى أكثر ما يثير موجة “السخرية السوداء” حالات اعتبرت عجائبية وغريبة جداً، مثل وكيل لائحة لحزب “الاتحاد الدستوري”، الذي صرف مبلغاً مهماً من مجمل الدعم المقدم له، كتعويض لتحويل صيدلية إلى مقر لحملته الانتخابية.
القانون واضح في هذا الباب، فعملية التحويل أو النقل لا تدرج في قائمة المصاريف المحددة في الحملات الانتخابية، ملاحظة المجلس ردّ عليها المرشح بتقديم إشهاد بتوصل الصيدلي بالمبلغ، لكنه لم يفهم أن المسألة برمتها مرفوضة قانوناً، لذلك فإن النفقة المتعلقة بـ “التعويض عن إفراغ محل” لا تدخل في باب المصاريف الانتخابية المنصوص عليها في القانون، وهو ما يلزمه تبعاً لذلك، بإعادة المبلغ إلى الدولة. حالة أخرى ذكرها التقرير، تتمثل في مرشح عن حزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية”، الذي تلقى مبلغاً محترماً وضخماً للمساهمة في تمويل حملته الانتخابية، لكنه اختفى دون أثر يذكر.

 


الهيئة السياسية من جهتها قدمت ما يفيد تسلم المترشح المبلغ كاملاً، عبر حساب بنكي، لكن الأخير لم يقم بإيداع حساب حملته لدى المجلس، والمثير فعلاً أنه اختفى ولم يتمكن الحزب من التواصل معه.
الحالة الثالثة والأكثر عجباً، هي منح بعض الأحزاب مبالغ مالية لبعض المرشحين الذين لم يترشحوا باسمها، بل إن البعض لم يترشح أصلاً وصرف تلك المبالغ خارج ما أعدت له.
أهم ما يمكن تسجيله في الانتقادات التي وجهها الرأي العام للأحزاب السياسية المتخلفة عن إيداع حساباتها وتلك التي لم ترجع مبالغ مالية من المال العمومي منذ الانتخابات ما قبل الأخيرة، أنه لا توجد انتقادات بالمرة، تقرير المجلس مر مرور الكرام في منصات التواصل الاجتماعي بالنسبة لعموم الرواد، فقط النخبة السياسية والفكرية التي تفاعلت مع مضمونه ووجهت بضرورة “وضع النقاط على الحروف”، وهو ما علق عليه متابع بقوله: “حروف كلمة المال لا نقط فيها”. الملاحظات التي سجلها المجلس الأعلى للحسابات تتكرر في كل انتخابات، إذ يشدد على إعادة المبالغ المالية التي لم تقدم الأحزاب كشوفات أو إيصالات أو إشهادات تفيد بأوجه صرفها، بل هناك من لم يصرفها من الأصل واحتفظ بها.
من الملاحظات الأساسية التي سجلها تقرير المجلس أن ستة أحزاب سياسية فقط هي التي فتحت حساباً مصرفياً خاصاً بموارد ونفقات اقتراع 8 سبتمبر، وجود أحزاب وهيئات لم تقم بإرجاع المبالغ التي لم تصرف في الانتخابات إلى خزينة الدولة.
كما أن بعض الأحزاب والهيئات قدمت مستندات ناقصة لتبرير أوجه صرف الدعم العمومي رغم إنذارها من طرف المجلس الأعلى للحسابات لتقديم الوثائق المبررة لهذا الصرف داخل أجل شهر من توصلها بالإعذار.
هذا غيض من فيض ورد في تقرير المجلس الأعلى للحسابات، أمام تساؤلات المتتبعين حول تفعيل القانون في مواجهة الأحزاب السياسية المتخلفة عن إرجاع ما بذمتها من مال عمومي لخزينة الدولة. المحامي محمد الغلوسي رئيس “الجمعية المغربية لحماية المال العام”، تفاعل مع التقرير ومع الملاحظات التي سجلها المجلس، وأكد في تدوينة أنه “لا بد من تحريك تلك المتابعات في حق المتورطين في هدر وتبديد واختلاس المال العام”، معتبراً “الوقائع التالية تقع تحت طائلة المساءلة الجنائية ويستوجب من النيابة العامة تحريك المتابعة القضائية ضد مسؤولي بعض الأحزاب والهيئات والمرشحين أنفسهم من أجل تبديد واختلاس المال العام طبقاً لمقتضيات الفصل 241 من القانون الجنائي”. وبالنسبة لصاحب التدوينة، فقد أجمل “الوقائع التي تكتسي صبغة جنائية ويتعين على رئيس النيابة العامة تحريك الدعوى العمومية بشأنها، في عدم إرجاع المبالغ التي لم يثبت صرفها في اقتراع 8 سبتمبر، رغم أن الفصل 43 من قانون الأحزاب يفرض على هذه الأخيرة إرجاع تلك المبالغ تلقائياً عملاً بأحكام المادة 32 من ذات القانون”. وأيضاً منح بعض الأحزاب مبالغ لفائدة مرشحين لم يترشحوا باسمها أو لم يترشحوا أصلاً أو استعملوا تلك المبالغ في غير ما أعدت له طبقاً للقانون، بالإضافة إلى تقديم مستندات ووثائق ناقصة لتبرير أوجه صرف الدعم العمومي.
وحسب الغلوسي، فإن “تخليق الحياة السياسية يفرض على الأحزاب أن تشكل قدوة في الخضوع للقانون وأن تكون أول من يسارع إلى استنكار أي شكل من أشكال الفساد وهدر المال العام لا أن يبحث بعضها فقط عن طرق للاستحواذ على المال العام والاختفاء بعد ذلك من المشهد في انتظار انتخابات أخرى تمكنها من الحصول على الغنيمة”. وهو سلوك شبيه حسب المحامي، بأسلوب “الشناقة” (المضاربون في الأسواق).

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: