اليمين الفرنسي يحضر مشروع لائحة في البرلمان لإلغاء امتيازات المهاجرين الجزائريين.. وحديث عن إمكانية تأجيل زيارة تبون لباريس
يستعد نواب في حزب الجمهوريين اليميني في فرنسا لطرح مشروع لائحة لإلغاء اتفاقية 1968، التي تتيح امتيازات خاصة للمهاجرين الجزائريين، في تطور لافت يُتوّج أشهرا من حملة متواصلة قادتها شخصيات فرنسية، بعضها معروف بعدائه لكل ما هو جزائري، ضد استمرار هذه الاتفاقية.
ووفق ما نشرته صحف فرنسية، فقد صاغ نواب في حزب الجمهوريين مقترح اللائحة التي ستعرض لاحقا على الجمعية الوطنية الفرنسية للتصويت، وذلك كخطوة أولى ملموسة تجسيدا للمطالبات المتكررة في صفوف تيارهم بإلغاء الاتفاقية التي تنظم التنقل والهجرة بين الجزائر وفرنسا.
وفي ديباجة مقترح اللائحة الذي نشرت مقتطفات منه، يبرر النواب سعيهم لإلغاء الاتفاقية بكونها مشجعة للغاية للهجرة الجزائرية في فرنسا وبأن “السياق السياسي والدبلوماسي والاقتصادي” الذي كان سائدا أثناء المفاوضات سنة 1968 مختلف تمامًا عن الواقع المعاصر. ووفق ما أوردوه، فإن هذه الاتفاقية تمنح الجزائريين “حقا تلقائيا في هجرة غير عادلة وغير مبررة وغير مستحقة وغير ملائمة”.
يبرر النواب سعيهم لإلغاء الاتفاقية بأن السياق السياسي والدبلوماسي والاقتصادي الذي كان سائدا أثناء المفاوضات سنة 1968 مختلف تماما عن الواقع المعاصر
ويعتزم النواب طرح هذا المقترح في الأيام المقبلة. لكن وفق وسائل إعلام فرنسية، فإن ذلك غير ممكن نظرا للأجندة البرلمانية التي لا تتيح لكتلة الجمهوريين تقديم مقترح لائحة إلا في شهر ديسمبر المقبل. وحتى في حال، أودع المقترح، فإنه سيكون رمزيا فقط ومن أجل الاستهلاك الداخلي، لأن القانون الفرنسي ينص على أن الاتفاقيات الدولية تظل من اختصاص الدولة الفرنسية.
وبات ينضم كل يوم شخصيات من اليمين الفرنسي حتى تلك التي توصف بالمعتدلة لطلب إلغاء الاتفاقية، آخرها كان جيرارد لارشي رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي الذي أيد المسعى، متوافقا بذلك مع ما طرحه رئيس حزب الجمهوريين إيريك سيوتي (معروف بتصريحاته العدائية للجزائر) واثنان من كبار قادة هذا التشكيل السياسي، من اقتراحات في جريدة لوجورنال دو ديمونش للحد من الهجرة، أهمها اقتراح تعديل دستوري للحد من أسبقية القانون الأوروبي والاتفاقيات الدولية على القانون الفرنسي، بهدف إزالة العوائق أمام إلغاء 1968.
وما أعطى دفعا قويا للجمهوريين، تصريحات إدوارد فيليب رئيس الوزراء الفرنسي السابق الموالي للرئيس إيمانويل ماكرون، الذي دخل على خط المطالبين بمراجعة الاتفاقية التي اعتبر أنها تمنح مزايا لدخول وإقامة الرعايا الجزائريين، بشروط أفضل بكثير من القانون العام، وهو ما لا ينطبق حسبه على مواطني أي دولة أخرى. وأبرز أن ثمة علاقات تاريخية قوية للغاية بين فرنسا والجزائر، لكن الحفاظ على مثل هذا الوضع اليوم مع بلد لدينا علاقات معقدة معه لم يعد له ما يبرره بالنسبة لي”.
ووجد اليمين في تصريحات فيليب كونه من مساندي ماكرون وأحد المرشحين المحتملين لخلافته، مسوغا إضافيا لتحركهم ودعم خطابهم الذي يلعب على وتر المخاوف من تغير التركيبة الديموغرافية لفرنسا. فقد حذر فيليب من أن الهجرة أصبحت “أمرا واقعا” في فرنسا، مع “تسارع شديد للغاية في زيادة عدد الأجانب” منذ بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ولفت إلى تغير “الأصل الجغرافي للأجانب”، حيث تأتي نسبة أكبر من الأجانب من شمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء، حسبه.
ويعد السفير الفرنسي السابق في الجزائر اكزافيي دريونكور (شغل المنصب في ظل رئاسة ساركوزي وماكرون) أبرز المنظرين لإلغاء الاتفاقية من خلال كتبه ولقاءاته المكتوبة والمصورة التي يتحدث فيها دائما عن استعمال ورقة الاتفاقية كأداة ضغط على السلطات الجزائرية. ومما طرحه مؤخرا في حوار مع لوفيغارو، دعوة حكومة بلاده للتفاوض مع الجزائريين على وقف العمل بالاتفاقية لمدة 6 أشهر، والتحجج بالسياق العام الفرنسي المتخوف من تدفقات المهاجرين، وفي حال رفضوا ذلك، وهو المتوقع حسبه، يتم إلغاؤها.
ومع أن الجانب الجزائري، يُظهر لحد الآن تجاهلا تاما لدعوات إلغاء الاتفاقية، إلا أن الصحافة الفرنسية تعتقد أن ثمة برودا في العلاقات على خلفية هذه الحملة، قد يؤثر من جديد على موعد زيارة الرئيس عبد المجيد تبون المقررة منذ مدة في النصف الثاني من يونيو الجاري والتي لم يجر تحديد موعدها رسميا.
وقالت صحيفة لوباريزيان نقلا عن مصدر دبلوماسي إن باريس باتت تنتظر هذه الزيارة في بداية الخريف. وأبرزت أن سبب التأجيل يعود لمشاكل بسيطة في جدول الأعمال. نفس المعلومة نقلتها إذاعة أوروبا 1 التي أكدت مصادرها أن الأجندة ممتلئة لدى الجانبين، لكن لا يستبعد العثور على وقت مناسب خلال يونيو يمكن أن تجرى فيه الزيارة.
يمثل الجزائريون حاليا 13 في المئة من مجموع المهاجرين في فرنسا، وهم يشكلون رافدا قويا للاقتصاد الفرنسي في أغلب القطاعات، كما يبرز حضورهم بشكل لافت في القطاع الصحي
وتتضمن اتفاقية 1968، التي تم التفاوض بشأنها 4 سنوات فقط بعد استقلال الجزائر، عدة امتيازات، بعضها كان متعمدا لجذب العمالة الجزائرية في وقت كان الاقتصاد الفرنسي يشهد فيه انتعاشا كبيرا وبحاجة ماسة لليد العاملة. وأهم هذه الامتيازات، حصول الجزائريين على شهادة إقامة لمدة 10 سنوات بعد 3 سنوات من الإقامة مقابل 5 سنوات للآخرين، وحق الجزائري المتزوج من فرنسية في الحصول على شهادة إقامة لمدة 10 سنوات بعد عام واحد من الزواج والتسهيلات الخاصة بممارسة مهنة حرة والحصول على إقامة لمدة 10 سنوات بموجب ذلك. كما يمكن للجزائري بعد 10 سنوات من إثبات الوجود في فرنسا، أن يسوي وضعيته والحصول على كامل حقوقه حتى وإن دخل فرنسا بطريقة غير شرعية.
ويمثل الجزائريون حاليا 13 في المئة من مجموع المهاجرين في فرنسا، وهم بعيدا عن النظرة اليمينية يشكلون رافدا قويا للاقتصاد الفرنسي في أغلب القطاعات، كما يبرز حضورهم بشكل لافت في القطاع الصحي حيث ينشط آلاف الأطباء والممرضين الجزائريين في المستشفيات الفرنسية.