إلغاء زيارة تبون مجددا يعمق الشكوك بين الجزائر وفرنسا
تحدثت تقارير فرنسية عن تأجيل جديد لزيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى باريس، الأمر الذي سيضاعف من الشكوك القائمة بين الطرفين ويعكس أزمة صامتة مرشحة لكل المآلات، في وقت يكشف فيه التأجيل مرة أخرى عن وقوع الجزائر تحت ضغط مزدوج، بما أن زيارة مماثلة منتظرة إلى موسكو في نفس التوقيت مرشحة لنفس المصير.
وكشفت تقارير إعلامية في باريس عن أن زيارة الرئيس الجزائري، التي كانت منتظرة منتصف الشهر الحالي، ستتأجل إلى الخريف القادم، دون أن تكشف عن الطرف الذي طلب ذلك، لكن تحدثت عن فرضيات مختلفة للقرار سبق وأن طرحت في تبرير التأجيل السابق، غير أن اللافت هو الإجماع على مناخ معقد بين البلدين لا يسمح بتعزيز التقارب بينهما.
ونقلت إذاعة “أوروبا 1″، عن حصولها على معلومات تفيد بأن “الزيارة التي كان ينتظر أن يؤديها الرئيس الجزائري إلى فرنسا، ستتأجل إلى أشهر أخرى”، وأرجعت السبب إلى ما أسمته بـ”الأجندة والمناخ غير المناسب”، في إشارة إلى تطورات طرأت في الآونة الأخيرة عملت على تعكير الجو بين البلدين.
◙ بهذا التأجيل تكون زيارة تبون إلى فرنسا قد اقتربت من الإلغاء، وقد تمهد لبروز توتر جديد بين البلدين
وتحولت الزيارة الرئاسية لكل من فرنسا وروسيا إلى هاجس يؤرق القيادة السياسية في الجزائر، لارتباطها باعتبارات وتوازنات إقليمية ودولية، فإلى جانب توازي أجندتهما وتوقيتهما منذ الإعلان عنهما خلال العام الماضي، فإنهما يجمعان نقيضين في الساحة الدولية، حوّلا صراعهما في الأزمة الأوكرانية إلى معركة تغيير التحالفات الإقليمية والدولية والضغط على الامتدادات خارج القارة الأوروبية.
لكن متابعين لشؤون المنطقة يقدمون رواية أخرى لأسباب فشل القيادتين السياسيتين بالجزائر وفرنسا في تعزيز التقارب بينهما، ويعزون ذلك إلى وجود “لوبيات قوية في باريس وفرنسا لا يروقها التقارب بين البلدين، ولذلك تدفع في كل مرة إلى افتعال أزمات مختلفة”.
وعاد الدبلوماسي المتقاعد والسفير الفرنسي السابق بالجزائر غزافييه دريانكور إلى الواجهة من خلال دعوته في تصريح صحفي إلى “مراجعة اتفاقية العام 1968 المبرمة بين البلدين” والتي تتضمن جملة من المزايا للمهاجرين الجزائريين، وذلك بدعوى التحكم في شؤون الهجرة، وهو الموقف الذي يتوافق فيه مع رئيس الوزراء السابق إدوارد فيليب ورئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه، ويظهر قائمة واسعة من الشخصيات الفرنسية غير المتحمسة للتقارب مع الجزائر.
ولا تكاد المنغصات التي تحول دون تطبيع كامل للعلاقات بين البلدين تتوقف، وخاصة ما تعلق منها بتصريحات منسوبة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
ومؤخرا، كشف تسريب صوتي للرئيس الفرنسي عن انطباعات سلبية وانتقادات شديدة للجزائر تصل إلى درجة الإهانة، حين يصف الرجل الأول فيها بـ”الساذج”، وبفاقد القدرة على القرار، في تلميح إلى تحكم القوة الفعلية لشؤون البلاد من خلف الستار وهي المؤسسة العسكرية، فضلا عن وصف الجزائر بـ”سوق الخردة الروسية” في إشارة إلى اعتماد الجزائر في تسليح جيشها على السلاح الروسي.
وفي هذا التسريب، حض الرئيس الفرنسي الأوروبيين على التعامل الذكي وبالتبجيل للنظام الجزائري لأنه مصدر أساسي لتموين القارة الأوروبية بالنفط والغاز، وأن “المغرب لو كانت له النية لإيذاء الجزائر لالتهمها في ظرف قياسي، إلا أن أولوياته الأخرى التي يهتم بها تلهيه عن ذلك”، وأنه “لو خرج هذا الكلام لفجّر الوضع”.
وكان ماكرون أثار غضب الجزائر بعد تصريحات نقلتها صحيفة لوموند في 2 أكتوبر 2021، متهما النظام “السياسي – العسكري” الجزائري بتقديم “تاريخ رسمي لا يستند إلى حقائق” لشعبه.
وقال الرئيس الفرنسي أيضا إن “بناء الجزائر كأمّة، ظاهرة تستحق المشاهدة. هل كانت هناك أمّة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟ هذا هو السؤال (…)‟.
وبهذا التأجيل تكون زيارة تبون إلى فرنسا قد اقتربت من الإلغاء، خاصة وأن الموعد القادم الذي تحدثت عنه التقارير الفرنسية بعيد نسبيا، وقد يكون تمهيدا إلى الجهر بأزمة متجددة بين الطرفين.
وفي المقابل لا توجد مؤشرات عملية عن زيارة تبون إلى موسكو منتصف الشهر أيضا، الأمر الذي يرشحها إلى التأجيل مجددا، وهو ما يترجم حجم العبء الذي باتت تشكله الزيارتان المذكورتان على القيادة الجزائرية وتدفع بها إلى أتون عزلة هي في غنى عنها، بعدما كانت تراهن عليهما من أجل فتح آفاق جديدة في الساحتين الإقليمية والدولية.
ويبدو أن ضغوط طرفي الصراع في الأزمة الأوكرانية على الجزائر قد ألقت بظلالها على القرار الجزائري، في ظل الحديث عن انقسام داخل النخبة الحاكمة حول تحديد الموقف النهائي من الانحياز لهذا الطرف أو ذاك بعدما أصبح من الصعب تفعيل خطاب الحياد، حيث يفضل نافذون داخل المؤسسة العسكرية التماهي مع الروس، في حين يفضل مقربون من تبون التقارب مع فرنسا لربح الموقف الأوروبي.
◙ الزيارة الرئاسية لكل من فرنسا وروسيا تحولت إلى هاجس يؤرق القيادة السياسية في الجزائر، لارتباطها باعتبارات وتوازنات إقليمية ودولية
وتسعى الجزائر لإقناع الغرب بأنها ماضية في تخفيف تعاملاتها مع موسكو، لكن في الوقت نفسه تحاول إقناع الروس بأنها في صفّهم، وهذا التناقض لا تقبل به موسكو كما لن يقبل به الغرب، وخاصة واشنطن التي تلوّح في وجه النظام الجزائري بقانون “مكافحة أعداء أميركا عن طريق العقوبات” (كاتسا) الذي أقره الكونغرس في عام 2017.
وبعد اتهامات أميركية للجزائر بأنها ستموّل حرب روسيا في أوكرانيا في حال مضت في إنجاز صفقة عسكرية مع روسيا بقيمة 7 مليارات دولار، بدأ المسؤولون الجزائريون البحث عن مخارج لهذه الأزمة.
ووقّع نواب من الكونغرس قبل فترة عريضة دعوا فيها وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى إشهار ورقة العقوبات على الجزائر بسبب تعاونها العسكري مع روسيا، وبرّر النواب الخطوة بكون الصفقات العسكرية الضخمة المبرمة بين الجزائر وموسكو تساعد في تمويل الخزينة الروسية وتضعف أثر العقوبات الغربية المفروضة على روسيا على خلفية عمليتها العسكرية في أوكرانيا التي انطلقت في فبراير الماضي.