حكم قضائي يكرس ضلوع الجيش الجزائري في الشأن السياسي

أثار سجن جنرال سابق بالجيش الجزائري جدلا حول حقيقة تدخل المؤسسة العسكرية في توجيه الشأن السياسي للبلاد، رغم الحرص على التزام الحياد في خطابها، وسط تصاعد أصوات تنادي بضرورة النأي بالجيش عن الصراعات السياسية.

أصدر القضاء العسكري الجزائري حكما نهائيا في حق مدير استخباراتي مسجون، بعدما وجه له تهما تتعلق بالتأثير في مسار الانتخابات الرئاسية، وإدارة الذباب الإلكتروني، الأمر الذي يكرس تدخل المؤسسة العسكرية في توجيه الشأن السياسي للبلاد، رغم خطاب الحياد والتظاهر بعكس ذلك، وهو ما طرح في شكل مطالب سياسية نادت بإبعاد الجيش عن الشأن السياسي، وحصر مهامه في شؤون الدفاع عن سيادة وإقليم الدولة.

وأدانت المحكمة العسكرية بالبليدة، مدير الأمن الداخلي السابق الجنرال واسيني بوعزة، بعقوبة 16 عاما سجنا نافذا، بعدما وجهت له تهما جديدة تتعلق بالتأثير في مسار الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية العام 2019، وإدارة الذباب الإلكتروني لأغراض تهدد وحدة وتماسك المجتمع.

وتزامن شغله لمنصب مدير الأمن الداخلي، وهو إحدى الدوائر الأساسية في جهاز الاستخبارات، لنحو عام مع احتجاجات الحراك الشعبي، حيث خرجت أعداد كبيرة من الجزائريين للمطالبة بتغيير النظام السياسي القائم، وكان رأس واسيني بوعزة، أحد المطلوبين من طرف هؤلاء، إلى جانب عدد من رموز السلطة.

صدور الحكم القضائي المذكور يؤكد تقديم السلطة اعترافا بضلوع النخب العسكرية في إدارة الشأن السياسي للبلاد

وتم توقيف الرجل العام 2020 في إطار صراع محتدم بين أركان النظام، ليكون أول ضلع يسقط من جناح قائد الجيش الراحل الجنرال أحمد قايد صالح، حيث وجهت له حينها العديد من التهم وفتحت بشأنه عدة ملفات، فكان أول قرار صادم له هو تنزيل رتبته العسكرية من جنرال إلى جندي.

واللافت في الحلقة الجديدة من مسلسل المحاكمة، هو ظهور تهم سياسية تتعلق بالانتخابات الرئاسية والحملات الدعائية التي كان ينفذها الذباب الإلكتروني في ذروة الحراك الشعبي، الأمر الذي يؤكد ضلوع كبار ضباط المؤسسة العسكرية في صناعة وتوجيه القرار السياسي للبلاد.

ويرتبط الجنرال واسيني بوعزة بدعم مرشح الانتخابات الرئاسية عزالدين ميهوبي، والضغط على مسؤولين عسكريين ومدنيين في مختلف المستويات من أجل تتويج الرجل بكرسي قصر المرادية، وساد الاعتقاد حينها بأن المرشح ميهوبي هو رئيس الجزائر القادم، بناء على المعلومات التي تسربت من بعض الدوائر حول دعم العسكر له، قبل أن تنقلب المعادلة في آخر الأمتار لصالح المرشح عبدالمجيد تبون، بإيعاز من الرجل الأول في المؤسسة العسكرية حينها الجنرال أحمد قايد صالح.

كما ارتبط وجود الرجل على رأس جهاز الأمن الداخلي، بحملات دعائية على شبكات التواصل الاجتماعي، عملت على شيطنة وتشويه المكون الأمازيغي، وربطه بالخيانة والعمالة للخارج، فضلا عن دعوتها إلى تطهير المؤسسات الرسمية للدولة من كل من له علاقة جغرافية أو ثقافية بالمكون المذكور، الأمر الذي وضع البلاد حينها على حافة نزاع عرقي يهدد وحدة وتماسك المجتمع.

وبصدور الحكم القضائي المذكور، تكون السلطة قد قدمت اعترافا غير مسبوق بضلوع النخب العسكرية في إدارة الشأن السياسي للبلاد، ورغم أن المسألة محل إجماع، لكنها غير معلنة، وهي مسألة يعتبرها أكاديميون ومختصون رافدا أساسيا للأزمة السياسية المتراكمة في البلاد، حيث سيطر العسكر على دواليب السلطة منذ الاستقلال الوطني في 1962، ولم يسمح بتمدين المجتمع ومنحه الحق الطبيعي في اختيار حكامه المدنيين.

هناك عدد من ضباط سامين في قضية الجنرال واسيني بوعزة، صدرت بحقهم عقوبات سجن تتراوح بين 10 و14 عاما سجنا نافذا

وكان معاونون ومقربون من الرئيس عبدالمجيد تبون، قد تعرضوا إلى ضغوطات كبيرة من طرف مصالح الأمن الداخلي بهدف إفشال ترشحه، وهو ما اضطر مدير حملته الانتخابية الأول الدبلوماسي عبدالله باعلي إلى إعلان انسحابه، وتم سجن رجل الأعمال عمر عليلات، كما أعلن الحزب الذي ينتمي إليه تبون (جبهة التحرير الوطني)، عن دعم المرشح ميهوبي، في سابقة أولى بتاريخ الحزب.

وأبرز ما يؤكد ضلوع الجيش في إدارة الشأن السياسي للبلاد، هو تصريحه لهيئة المحكمة بأنه كان “ينفذ أوامر الرجل الأول في المؤسسة أحمد قايد صالح”، كما دافع عن ضباط آخرين في نفس الملف، بأنهم “كانوا ينفذون أوامره”، الأمر الذي يؤكد قاعدة “العسكر هو من يصنع الرؤساء”، ويبرز دور وتقاليد المؤسسة في توجيه وإدارة الشأن السياسي من خلف الستار.

ويعتبر مراقبون أن المصير، والعقوبات التي تسلط على الجنرال “الجندي”، هو نتيجة طبيعية لمآلات الصراع والتوازنات داخل دوائر النظام، فكما كان يطمح إلى صناعة رئيس على المقاس لصناعة مجد ونفوذ لشخصه وجناحه، سارت التطورات في غير صالحه.

ويتابع المدير السابق لجهاز الأمن الداخلي في عدة قضايا وملفات، ولذلك تعددت الأحكام والعقوبات، فبعد التربح غير المشروع، وعدم احترام القانون العسكري، والتزوير والتدخل في شؤون القضاء، حمل ملفه تهما جديدة تتعلق بالتأثير في الانتخابات الرئاسية وإدارة حملات الذباب الإلكتروني، فضلا عن الخيانة العظمى.

ويتواجد عدد من ضباط سامين في قضية الجنرال واسيني بوعزة، صدرت بحقهم عقوبات سجن تتراوح بين 10 و14 عاما سجنا نافذا.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: