تكثّف فرنسا تحركاتها بهدف تطويق الأزمة الدبلوماسية بينها وبين المغرب، والتي مازالت تراوح مكانها بسبب عدم خروج الرئاسة الفرنسية عن مواقفها الضبابية بخصوص الصحراء المغربية.
وإثر زيارة إريك سيوتي رئيس حزب الجمهوريين إلى المغرب في أبريل الماضي طالب وفد عن مجموعة الصداقة الفرنسية – المغربية في مجلس الشيوخ الفرنسي، برئاسة كريستيان كامبون، بإعادة الدفء للعلاقات الدبلوماسية وإعادة إطلاق المشاريع المشتركة بين البلدين.
وجدد الوفد البرلماني الفرنسي، في ختام زيارته إلى المغرب (بين 25 و29 مايو الماضي)، الالتزام بالعمل على استعادة الثقة المتبادلة بين البلدين بشكل كامل، وطي صفحة الأزمة بينهما لاسترجاع كل إمكاناتها وتجسيد علاقة ثنائية جيدة بين الرباط وباريس في المستقبل.
وخلال اللقاء الذي جمع وفد مجلس الشيوخ الفرنسي مع كلّ من نزار بركة أمين عام حزب الاستقلال، ووزير التجهيز والماء، وعبداللطيف وهبي الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، ووزير العدل، تم التأكيد على ضرورة المضي قدما بالعلاقات المغربية – الفرنسية، والتغلب على التوترات التي نشأت في الأشهر الأخيرة، منها مشكلة قيود التأشيرات التي أثرت بشكل خاص على المغاربة في السياحة أو الدراسة أو العمل.
وأكد كريستيان كامبون، رئيس الوفد ولجنة الشؤون الخارجية والدفاع والقوات المسلحة بمجلس الشيوخ الفرنسي، في تصريحات صحفية على أمله أن “تكون هذه الزيارة الودية الفرنسية – المغربية فرصة لإعادة تأكيد الصداقة العميقة والأبدية والصلبة بين فرنسا والمغرب”. وأشار إلى أن “هناك أوقات يمكن أن تنشأ فيها مشاكل صغيرة لحكومتنا، لكن دور جمعيتنا البرلمانية هو التدخل ومحاولة معالجة تلك الصعوبات”.
في المقابل أكد رئيس مجموعة الصداقة المغربية – الفرنسية محمد زيدوح على “أهمية زيارة الوفد البرلماني الفرنسي في إعطاء دفعة جديدة للعلاقات الثنائية وتعزيز أسلوب الحوار المشترك لتكريس المزيد من الثقة”، موضحا أن “المغرب أصبح يشكل مركزا للاستقرار في منطقة الساحل والصحراء عموما”.
ويرى هشام معتضد، الخبير المغربي في العلاقات الدولية، أن “التحركات التي تقوم بها جهات رسمية وغير رسمية في فرنسا، لتطويق الأزمة الفرنسية – المغربية، مرتبطة بتبني موقف سياسي من الدولة الفرنسية وليس مجرد علاقات عامة”.
وأضاف في تصريح لـه، أنه “رغم التحركات الإيجابية تحتاج الرباط إلى ما هو أكثر من الخطابات الظرفية أو الزيارات البروتوكولية والشكلية لتجاوز الخلافات السياسية ذات الأبعاد السيادية”.
وتضم مجموعة الصداقة في مجلس الشيوخ الفرنسي 64 عضوًا، بينما تتكون مجموعة الصداقة المغربية من حوالي عشرين مستشارًا ونائبًا، ويرأسها محمد زيدوح.
وسبق لرئيس مجموعة الصداقة المغربية – الفرنسية المنبثقة عن مجلس المستشارين محمد زيدوح أن أدى رفقة وفد من مجلس المستشارين زيارة إلى فرنسا استغرقت ثلاثة أيام في ديسمبر الماضي، واستقبله في مجلس الشيوخ الفرنسي الرئيس جيرار لارشر، الذي شدد على أهمية الدبلوماسية البرلمانية والتعاون مع المغرب، الشريك الموثوق به الذي يعمل من أجل استقرار منطقة الساحل والصحراء.
ومؤخرا دعا العديد من السياسيين الفرنسيين (نواب، أعضاء في مجلس الشيوخ، رؤساء بلديات) قصر الإليزيه إلى أن يكون “أكثر وضوحًا” ويعترف بسيادة المغرب على الصحراء، الأمر الذي سيساعد على “استقرار” المنطقة بأكملها، وهو أمر إستراتيجي للغاية.
وأكد رشيد لزرق، رئيس مركز شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية، أن “الدبلوماسية البرلمانية تنشط في مثل هذه الأزمات لكن لا يعول عليها كثيرا”.
وشدّد على أن “رئاسة فرنسا مازالت تقاوم مطالبة المغرب بضرورة خروجها من المنطقة الرمادية وتوخّي الوضوح السياسي في تعاملها مع المملكة بشأن عدد من الملفات الهامة وعلى رأسها ملف الصحراء، والابتعاد عن سياسة الضغوط ضد الرباط لمساومتها على موقفها المبدئي”.
◙ الرباط تحتاج إلى ما هو أكثر من الخطابات الظرفية أو الزيارات البروتوكولية والشكلية لتجاوز الخلافات السياسية ذات الأبعاد السيادية
وأعرب رئيس الوفد الفرنسي كريستيان كامبون عن أمله في أن “تمضي فرنسا إلى أبعد من ذلك قليلاً في دعمها لخطة الحكم الذاتي المغربية بالصحراء”، بعد تطور الوضع ولاسيما الاستثمارات المغربية الكبرى التي تم القيام بها من أجل التنمية الاقتصادية للمنطقة، مشيرا إلى أن “فرنسا كانت دائما إلى جانب المغرب في الأمم المتحدة، وأنها ستكون قادرة، عندما يحين الوقت، على اتخاذ القرارات اللازمة لمراعاة التطورات الجارية”.
وعلى امتداد الأشهر الماضية بدا مؤكدا أن العلاقات المغربية – الفرنسية بلغت أدنى مستوياتها على كافة المستويات، رغم الزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا إلى العاصمة المغربية الرباط في ديسمبر الماضي، سعيا منها لتجاوز القضايا الخلافية التي أثرت سلبا في العلاقات بين البلدين.
وفي هذا السياق حمَّل الطاهر بنجلون، الكاتب المغربي الفرنكفوني الفائز بجائزة غونكور عام 1987 والمقرب من الدوائر الرسمية في المغرب وفرنسا، الرئيسَ إيمانويل ماكرون مسؤولية تدهور العلاقات بين فرنسا والمغرب، موضحا خلال مقابلة له مع قناة إسرائيلية أنه “في زمن هولاند وساركوزي وشيراك وميتران، كان هناك رؤساء دول وأيضا محاورون في الإليزيه والرباط، لكن مع ماكرون تم حذف هذا المنصب، حتى قبل فترة طويلة من قضية بيغاسوس”.
وكان ماكرون قد اعترف، خلال المؤتمر الصحفي الذي أعقب خطابه حول العلاقات بين فرنسا وأفريقيا في 27 فبراير الماضي، بوجود مشاكل بين المغرب وفرنسا، مستدركا أن علاقاته الشخصية مع العاهل المغربي الملك محمد السادس “ودية” وأنها “ستبقى كذلك”.
بدوره، أكد مسؤول في الحكومة المغربية، في حديث مع مجلة “جون أفريك” الفرنسية، أن العلاقات بين البلدين “ليست ودية ولا جيدة، لا بين الحكومتين ولا بين القصر والإليزيه”.