شكوك تحيط بزيارة تبون إلى باريس: تتم أم تؤجل مرة أخرى
اصطدمت التحضيرات لزيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى باريس بعقبة جديدة عقب تصويت نواب حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالبرلمان الأوروبي على لائحة تنتقد وضع حقوق الإنسان في البلد العربي، بشكل قد يعرقل مسار تطبيع العلاقات.
ونهاية أبريل الماضي، أعلنت الرئاسة الجزائرية إرجاء زيارة تبون إلى فرنسا إلى النصف الثاني من يونيو الجاري عوضا عن مايو الماضي كما كان مقررا.
وأوضحت الرئاسة، في بيان آنذاك، أن القرار جاء باتفاق بين رئيسي البلدين خلال اتصال هاتفي، دون تقديم سبب لهذا التأجيل، في حين أرجعته وسائل إعلام جزائرية إلى الأوضاع التي تعيشها فرنسا بسبب الاحتجاجات التي تجتاح شوارعها جراء اعتماد قانون التقاعد الجديد.
وستكون هذه الزيارة في حال إجرائها، الأولى من نوعها لتبون إلى فرنسا منذ وصوله إلى الحكم في ديسمبر 2019، ويعول عليها الجانبان لإعادة قطار العلاقات إلى سكته بعد هزات متتالية.
وكانت آخر هزة شهدتها العلاقات قضية “تهريب” الناشطة والصحافية المعارضة أميرة بوراوي التي تخضع للرقابة القضائية في بلادها خلال فبراير الماضي، نحو فرنسا عبر تونس، واحتجت الجزائر على الحادثة واستدعت سفيرها لدى باريس للتشاور.
لا زال الفرنسيون ينظرون إلى الجزائر على أنها مستعمرة سابقة والعكس الجزائريون ينظرون إلى فرنسا على أنها المستعمر السابق
وقرر تبون وماكرون في اتصال هاتفي بينهما نهاية مارس الماضي “طي” صفحة هذه الأزمة، و”اتفقا على تعزيز وسائل الاتصال بين إدارتي الدولتين، حتى لا تتكرر مثل هذه الحالات”، حسب بيان للرئاسة الجزائرية صدر آنذاك.
وعادة ما يردد الرئيس الجزائري في تصريحاته أن علاقاته مع نظيره الفرنسي تتسم بالودية، لكن هناك “لوبيات” فرنسية تحاول في كل مرة تعكير صفر العلاقات بسبب عدم تخلصها من عقدة المستعمر القديم للجزائر، في إشارة إلى فترة الاحتلال بين 1830 و1962.
أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فقد علق خلال مؤتمر صحفي نهاية فبراير الماضي، بالعاصمة باريس، على حادثة الناشطة بوراوي بأنها “طعنة في ظهره”، من أطراف لم يسمّها لضرب محاولات تطوير العلاقات مع الجزائر.
وبعد هدوء ما سمّي بعاصفة الناشطة بوراوي، واستئناف الجانبين التحضيرات لزيارة تبون إلى باريس، شهدت العلاقات بين البلدين هزة جديدة، بعد إصدار البرلمان الأوروبي يوم 11 مايو الماضي لائحة تنتقد وضع حرية التعبير في الجزائر وتطالب بالإفراج عن صحافيين تم سجنهم.
وخلفت هذه اللائحة موجة استنكار في الجزائر، ظهرت في بيانات للبرلمان المحلي وأحزاب موالية وصفتها بـ“التدخل غير المقبول في الشأن المحلي” وأنها “تضمنت مغالطات لا علاقة لها بالواقع”.
والتزمت الحكومة الجزائرية الصمت إزاء اللائحة، لكن وكالة الأنباء الرسمية نشرت في اليوم نفسه مقالا جاء فيه أن “المؤسسة الأوروبية التي سقطت من عليائها بقضايا الفساد تثبت مجددا أنها لم تنجح بعد في الانعتاق من قبضة الأفاكين والمفسدين الذين يملون أوامرهم على منتخبين أوروبيين”.
وحرصت الوكالة في مقالها على “ذكر” مشاركة نواب من حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (حزب النهضة)، في إعداد اللائحة والتصويت عليها”.
وتساءلت “حول المغزى من هذا المسعى والعلاقات التي يرغب هذا التوجه السياسي (حزب ماكرون) في بنائها مع الجزائر”.
وقالت الوكالة الجزائرية إن “هذا الحزب الذي يرغب ظاهريا في تعزيز علاقاته مع الجزائر، يضاعف من جهة أخرى الضربات الدنيئة لمسار بناء علاقة قائمة على الثقة المتبادلة”.
وخلص المقال إلى أن “الواضح أنه لا يمكن بناء علاقة على أساس خطاب مزدوج”، في إشارة إلى أن الرئيس الفرنسي يعبّر عن مساع لتعزيز العلاقات مع الجزائر لكن ممارسات حزبه تناقض هذا التوجه.
إعلاميون يرون أن زيارة تبون إلى باريس ستتم في موعدها ووفق البرنامج المسطر من الطرفين رغم الأزمات الطارئة والمناكفات الإعلامية التي سبقتها
وتضمّن هذا المقال من الوكالة الرسمية الجزائرية رسائل للجانب الفرنسي حول انهيار عامل الثقة في بناء علاقات بين البلدين، بشكل جعل الترقب يسود حول مصير الموعد الجديد لزيارة الرئيس تبون إلى باريس.
في هذا السياق، قال المحلل السياسي توفيق بوقاعدة إن “زيارة تبون إلى باريس ستتم في موعدها ووفق البرنامج المسطر من الطرفين رغم الأزمات الطارئة والمناكفات الإعلامية التي سبقتها”.
وأوضح بوقاعدة، الذي يشتغل أستاذا بكلية العلوم السياسية بجامعة الجزائر الحكومية، أن هذه المناكفات الإعلامية الحاصلة بين نواب فرنسيين من حزب الرئيس ماكرون والبرلمان الجزائري والعديد من التشكيلات السياسية “سوف تظل في مستوياتها الدنيا ولن تؤثر على برنامج الزيارة”.
واستطرد بوقاعدة بالقول “تؤكد هذه المناكفات الإعلامية بين الطرفين على أن طبيعة العلاقات الثنائية الجزائرية – الفرنسية المتسمة بالأزمات، سوف تبقى مستمرة رغم زيارتي رئيسي الدولتين ورغم المسارات التي يحاول تبون وماكرون وضعها للتأسيس لعلاقات ثنائية صحية قائمة على المصالح”. وأضاف بوقاعدة أن “هذه المناكفات والأزمات الطارئة بعلاقات الدولتين مردها الملفات العالقة وخاصة ملف الذاكرة في ظل رؤية كل طرف إلى الآخر والتي لم يتم تصحيحها إلى حد الآن”. وتابع “لا زال الفرنسيون ينظرون إلى الجزائر على أنها مستعمرة سابقة والعكس الجزائريون ينظرون إلى فرنسا على أنها المستعمر السابق”.
من جهته، رأى المحلل السياسي رضوان بوهيدل أن زيارة الرئيس تبون المرتقبة إلى باريس “فيها الكثير من الشوائب لغاية الساعة، من منطلق أن فرنسا نفسها تعيش حالة من الفوضى، ولا يمكن أن تستقبل رئيس جمهورية في زيارة دولة في مثل هذه الظروف”.
واعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر الحكومية أن “هناك أحزابا سياسية من حقها أن تقول ما تشاء وما يهمنا هو موقف الدول وليس موقف التشكيلات السياسية سواء في فرنسا أو أوروبا”.
وأكد المتحدث على أن “هذه الزيارة وحتى إن كانت مهمة وضرورية للطرفين نظرا لما يوجد بينهما من علاقات وملفات فوق الطاولة يجب أن تناقش بين قادة البلدين، لكن يجب أن تكون البيئة والظروف مهيئان لتنقل الرئيس تبون إلى فرنسا بكل أريحية”.