الاستقبال الباهت لرئيس جبهة بوليساريو الانفصالية خلال حضوره حفل تنصيب الرئيس النيجيري سيواغو بولا أحمد تينوبو، يعكس توجها رسميا في نيجيريا للقطع مع الجبهة مقابل تطوير علاقتها مع المغرب.
شهدت العلاقات بين المغرب ونيجيريا تحسنا ملحوظا في السنوات الأخيرة على المستويين السياسي والاقتصادي، وتراجع دعم أبوجا لجبهة بوليساريو في المنظمات الإقليمية والدولية، لكن تجاهل زعيم جبهة بوليساريو إبراهيم غالي خلال حفل تنصيب الرئيس النجيري الجديد سيواغو بولا أحمد تينوبو، يشير إلى أن العلاقات تتجه نحو القطيعة.
ولم يحظ إبراهيم غالي باستقبال رسمي في المطار أو أثناء وبعد مراسيم تنصيب الرئيس النيجيري. ورغم اعتراف نيجيريا بجبهة بوليساريو الذي دام لسنوات، فقد عرفت العلاقات بين الطرفين برودا اتضح أكثر في عهد الرئيس المنتهية ولايته محمدو بخاري، حيث تفادت نيجيريا أي دعم لوجستي أو سياسي أو مادي، في المقابل تتطور الشراكة الاقتصادية مع المغرب على العديد من الأصعدة والمجالات.
ويقول محللون مغاربة إن علاقات المغرب مع نيجيريا في طريقها الصحيح سياسيا واقتصاديا، وهو ما يعني فشل مساعي الجزائر لتقويض تفاهمات الدولتين والتأثير على علاقاتهما السياسية والاقتصادية والدبلوماسية، وفرض الجبهة على مثل هذه التظاهرات عسى أن تحقق من ورائها زخما دعائيا للجبهة الانفصالية وتقديمها كدولة داخل الاتحاد الأفريقي ومؤسسات أخرى.
إبراهيم غالي لم يجد في مطار أبوجا أحدا من كبار المسؤولين النيجيريين الذين يفترض بروتوكوليا أنهم يستقبلون رؤساء الدول
ولم يجد إبراهيم غالي في مطار أبوجا أحدا من كبار المسؤولين النيجيريين الذين يفترض بروتوكوليا أنهم يستقبلون رؤساء الدول، كما ظهر غالي في بعض الصور مبعدا عن رؤساء الدول ويتابع مراسيم تنصيب الرئيس
الجديد من خلف الزجاج، ولم يحظ بأي استقبال خلال هذه الزيارة، ولم تلتقط له أي صورة رسمية مع مسؤولين نيجيريين. وسبق للرئيس النيجيري الجديد سيواغو بولا أحمد تينوبو أن عبر في خطاب ألقاه ضمن حملته الانتخابية خلال شهر يونيو الماضي، عن إعجابه بالمغرب، وعبر عن أمله في بناء دولة في نيجيريا تشبه الأمة المغرببة. وقدم مجموعة من الوعود وقال إنه سيعمل على تحقيقها، من أجل وضع البلاد في المسار الصحيح.
وفي إطار تطور العلاقات بين الرباط وأبوجا، أكد الرئيس النيجيري السابق في شهر فبراير 2021 “نحن ممتنون دائما للمغرب على الدعم الذي قدمه لنا في إنتاج الأسمدة في البلاد”، وتابع “لدينا 42 شركة تنتج الأسمدة في ست مناطق جيوسياسية”.
وبفضل دبلوماسية متحركة وبرغماتية وموضوعية، نجح المغرب في إبعاد أبوجا عن محور الجزائر – جنوب أفريقيا، التي كانت في السنوات القليلة الماضية الداعم لبوليساريو داخل الاتحاد الأفريقي، حيث جعلت المملكة فسحة للنيجريين للتعامل مع ملف بوليساريو دون ضغوطات سياسية أو ابتزاز اقتصادي.
ويتوقع خالد الشرقاوي السموني، مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية، في تصريح لـ”العرب”، أن تقوم نيجيريا بتغيير موقفها من الوحدة الترابية للمملكة وبالتالي سحب اعترافها ببوليساريو، وذلك نظرا للمصالح والتحديات المشتركة بين البلدين والتعاون في مجال مكافحة التطرف والإرهاب في المنطقة، وخاصة شمال نيجيريا، والتعاون الاقتصادي في منطقة غرب أفريقيا.
ومن مؤشرات فشل الجزائر في التأثير سلبا على علاقات المغرب ونيجيريا، لم يعد المسؤولون النيجيريون يتطرقون إلى موضوع الصحراء خلال المناقشة العامة للجمعية العامة للأمم المتحدة، ولم تعد نيجيريا كما سابقا إلى تنظيم “استفتاء لتقرير المصير”، بل تؤكد على ضرورة توصل أطراف النزاع إلى حل سياسي متوافق عليه، وهذا تطور يحسب لنجاحات المملكة المغربية الدبلوماسية والسياسية في ملف الوحدة الترابية.
ووصف وزير الشؤون الخارجية النيجيري جيوفري أونياما في يونيو الماضي بالرباط، التعاون الاقتصادي الذي يربط بلاده بالمغرب بـ”الثوري”، مؤكدا خلال ندوة صحفية مشتركة مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة، عقب مباحثاتهما على هامش أشغال الاجتماع الوزاري الأول لدول أفريقيا الأطلسية، “أننا جد مرتاحين لهذه العلاقة التي أثمرت بعض المشاريع في إطار الشراكة بين نيجيريا والمغرب”.
ورجح نبيل الأندلوسي، رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الإستراتيجية، أن يتطور مسار العلاقات الثنائية ويتقوى بشكل إيجابي، في عهد الرئيس الجديد لنيجيريا بولا أحمد تينوبو، المنتمي إلى نفس حزب وتوجه الرئيس السابق محمدو بخاري، والذي عبر من خلال عدة
تصريحات عن إعجابه بالتجربة المغربية في المجالين التنموي والاقتصادي، مشددا على أن تقوية هذا التوجه ستدفع نيجيريا إلى تغيير موقفها من الوحدة الترابية للمملكة المغربية، مما سيؤدي إلى سحب اعترافها بـ”الجمهورية الوهمية”.
وأضاف الأندلوسي في تصريح لـه أن نيجيريا راعت مصالحها الإستراتيجية بترجيح علاقاتها مع المغرب على حساب محور الجزائر – جنوب أفريقيا الداعم لبوليساريو، وهي واعية بدور المغرب الذي يستثمر بقوة وبشكل كبير ومتزايد في نيجيريا، والقائم على مقاربة “رابح – رابح” التي اختارتها الرباط كشعار لتنمية علاقاتها بالدول الأفريقية الصديقة، من خلال عدة مؤسسات اقتصادية تملكها الدولة أو تعتبر مساهما أساسيا فيها، وعلى رأسها مكتب الشريف للفوسفات، الذي دشن خلال سنة 2022، مصنعا جد متطور لصناعة الأسمدة
بنيجيريا.
وبعد يوم واحد على إعلان فوز بولا أحمد تينوبو بالانتخابات في نيجيريا، وجه العاهل المغربي الملك محمد السادس برقية تهنئة له، أعرب فيها “عن عزمه الأكيد على المضي قدما في العمل سويا من أجل ترسيخ الشراكة الإستراتيجية وتوسيع التعاون الثنائي ليشمل قطاعات جديدة وواعدة تخدم المصالح المشتركة للشعبين الشقيقين، وتسهم في تنمية واستقرار ووحدة القارة الأفريقية”.
وبدأت نيجيريا تولي أهمية أكثر للعلاقات الاقتصادية مع المغرب مقارنة بعلاقاتها مع جبهة بوليساريو، حيث فتحت زيارة الملك محمد السادس إلى هذا البلد في ديسمبر 2016 صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، كما استطاع المغرب إقناع نيجيريا بالالتزام بالحياد الإيجابي في ملف الصحراء.
وأكد المحلل السياسي المغربي محمد لكريني أن في فترات قريبة كانت نيجيريا تعد من ركائز المحور الثلاثي الذي يتضمن أيضا الجزائر وجنوب أفريقيا الداعمين لبوليساريو، لكن اعتراف المسؤولين النيجيريين بتطور العلاقات بين البلدين وتعزيزها في مجالات ومشاريع عدة يندرج في مسار إيجابي بإقرار بتمتين العلاقات بين البلدين باعتباره المدخل الأساسي لتأييد المغرب في وحدته الترابية، وشطب الجبهة الانفصالية من جدول تعاملات أبوجا على المستوى الأفريقي.