تواجه الحكومة المغربية الارتفاع الملفت لنسب الطلاق باستحداث تدابير أسرية تهدف إلى الحد من حالات الانفصال بين الشركاء. وتشتغل القطاعات المعنية بالمرأة والطفل على مقاربة اجتماعية شاملة تعتبر الأسرة لبنة أساسية في التماسك الاجتماعي وتعتمدها كرافعة للتنمية. وسيتم تفعيل الوساطة الأسرية التي تسبق اللجوء إلى القضاء، كما سيتم تحسيس المقبلين على الزواج بأهمية الاستقرار في بناء المؤسسة الزوجية.
يلجأ الكثير من الأزواج في المغرب إلى الطلاق كحل لمشاكلهم الزوجية في إشارة إلى فشل الحلول الأخرى لتجنب قرار الانفصال، ما أدى إلى ارتفاع نسب الطلاق في المغرب ارتفاعا ملفتا خلال السنوات الأخيرة، وهو ما جعل الحكومة تعترف بخطورة هذا المنحى وتبحث عن تدابير أسرية جديدة لمعالجة الأسباب المؤدية إلى الطلاق.
وأقرت وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة عواطف حيار بأن رصد وزارتها لمؤشرات الطلاق في المغرب أبان في السنوات الأخيرة عن كون نسبة الطلاق تأخذ منحى مرتفعا، وأن 80 في المئة تقريبا من حالات الطلاق “تأتي من التوافق بين الزوجين على إنفاذ الطلاق” (طلاق اتفاقي).
وفي جوابها عن سؤال لفريق التجمع الوطني للأحرار بمجلس النواب بهذا الخصوص، قالت الوزيرة إن “الحكومة تشتغل في تفاعل مع هذه المعطيات على تنفيذ سياسة أسرية جديدة تعتمد على مقاربة اجتماعية تعتبر الأسرة لبنة أساسية في التماسك الاجتماعي، بالإضافة إلى أنها فضاء محوري لتملّك ثقافة المساواة والحقوق”.
لذلك ستتم توعية المقلبين على الزواج بأهمية المؤسسة الأسرية، كما سيتم اعتماد الوساطة الأسرية في حال نشوب الخلافات بين الزوجين.
وخلصت حيار إلى أن “برنامج جسر الأسرة من شأنه أن يساعد الشريكين قبل الزواج وبعده عبر الاستفادة من تكوين وتنشئة اجتماعية سليمة”، موضحة أنهم “سيعملون على توعية الأزواج قبل مرحلة الزواج حول المسؤولية المشتركة بين الأب والأم”.
ضرورة تفعيل مسطرة الصلح بشكل جدي خاصة حين تثمر العلاقة الزوجية وجود أطفال في حاجة إلى الاستقرار
ونشرت وزارة العدل المغربية إحصائيات تؤكد أن محاكم الاستئناف قامت بتسجيل 20372 حالة طلاق في المغرب عام 2023، أما المحاكم الابتدائية فقد سجلت 68995 قضية طلاق للشقاق فقط، في حين بلغ عدد حالات الطلاق الاتفاقي 24257 حالة، وتطليق الخلع 6611 حالة.
ويعد الطلاق مؤشرا اجتماعيا قويا على مدى تماسك العلاقات الأسرية وبالتالي متانة واستقرار النسيج الاجتماعي، ووفق المادة 114 من مدونة (قانون) الأسرة المغربية، يمكن للزوجين أن يتفقا على مبدأ إنهاء العلاقة الزوجية من دون شروط، أو بشروط لا تضر بمصالح الأطفال. وعند وقوع هذا الاتفاق، يقدم الطرفان أو أحدهما طلب الطلاق للمحكمة مرفقا به الإذن بتوثيقه، وتحاول المحكمة الإصلاح بينهما ما أمكن، فإذا تعذر الإصلاح أذنت بالإشهاد على الطلاق وتوثيقه.
وأغلب دعاوى إنهاء العلاقة الزوجية سواء تلك المقدمة من الزوج أو الزوجة تتم حسب الأستاذ محمد ألمو المحامي بهيئة الرباط، في إطار مسطرة التطليق للشقاق باعتبار هذه الأخيرة تتيح تسهيلات مسطرية وموضوعية، إذ تبقى الوحيدة المتاحة للزوجة لإنهاء العلاقة الزوجية دون إثبات الضرر أو الهجرة أو عدم الإنفاق، مبرزا أن المقاربة القانونية وحدها غير كافية للتخفيف من الظاهرة كون أساليب الردع القانوني غير مجدية في الحفاظ على استقرار العلاقة الزوجية.
وفي هذا الصدد أشارت رئيسة شعبة النيابة العامة المتخصصة برئاسة النيابة العامة عزيزة هندار إلى تسجيل تراجع كبير في حالات الصلح، كما أفادت هندار، خلال ندوة صحفية، من تنظيم الجمعية المغربية للنساء القاضيات، بأن ظاهرة الطلاق تشهد ارتفاعا مقلقا بالمملكة، إذ انتقلت من 72 ألف قضية طلاق وتطليق سنة 2016 إلى 126 ألف قضية سنة 2021.
ولفتت هندار، خلال هذه الندوة تحت عنوان “الوساطة الأسرية واستقرار الأسرة”، إلى تسجيل تراجع كبير في عدد الإشهادات على الصلح إلى 15 ألف حالة خلال سنة 2021، بعدما كانت تتجاوز 20 ألفا سنة 2016.
وأكدت الحكومة المغربية أن القطاعات المعنية بالمرأة والطفل تشتغل على مقاربة شاملة تعتمد على الأسرة كرافعة للتنمية، وعلى سياسة أسرية مندمجة ستكون جاهزة عما قريب.
وسجلت معطيات رسمية صادرة عن وزارة العدل المغربية أن طلاق الشقاق يتقدم قائمة أنواع الطلاق المسجلة في 2020، بـ68.995 قضية، تليه حالات الطلاق الاتفاقي بـ24.257، ثم طلاق الخلع بـ6611 حالة.
ولفت لحسن دحماني، الباحث في العلوم الاجتماعية، إلى أن ارتفاع ظاهرة الطلاق ازدادت مع جائحة كورونا، حيث فقد العديد من معيلي الأسر وظائفهم، إضافة إلى كون المنازل ليست أماكن لائقة للعيش، بل هي أماكن للمبيت فقط، الأمر الذي جعل الأسرة تدخل في دوامة من المشاكل الناجمة عن هذا الوضع الجديد، ليصبح الطلاق هو الحل الأنسب لكلا طرفين، غير أنه ليس الحل الحقيقي، بل هو نمط من التخلي عن المسؤولية فقط، ليصبح الأبناء ضحية علاقات فاشلة لم تستطع تجاوز أزمتها.
وشدد لحسن دحماني، في تصريح لـه، على أن مسألة الطلاق في عمقها ترتبط ببعدين أساسيين: الأول بعد بنيوي يرتبط بالسياسات العامة للدولة في المجال الاجتماعي (التشغيل، الصحة، التعليم)، والثاني فردي يرتبط بوعي الأفراد وقدرتهم على عقلنة حياتهم الأسرية، وذلك من خلال القدرة على تصنيف الحاجيات الضرورية والأولويات على حساب الأمور الثانوية والكماليات.
ومن خلال الاطلاع على كل الملفات المتعلقة بالطلاق أو التطليق طبقا للمادة 3 من مدونة الأسرة، وأخذا بعين الاعتبار أن النيابة العامة طرف رئيسي في كل الملفات المتعلقة بمدونة الأسرة، فإن طلبات فسخ عقود الزواج لا تستثني أحدا وبنفس الحدة تقريبا سواء بالنسبة للفئة الشابة أو المتوسطة أو المسنة وكيفما كانت طبقاتهم الاجتماعية أو مستوياتهم الدراسية.
كما تشمل حالات الطلاق والتطليق أيضا حتى الزيجات التي عمرت لأمد طويل مما يترتب عليه لا محالة، فضلا عن التفكك الأسري، ظهور بعض التصرفات المشينة التي تنعكس سلبا على كافة أفراد الأسرة، من قبيل الإقبال على تعاطي المخدرات وغيرها.
وللحد من ظاهرة الطلاق، تشدد القاضية مليكة أشكورة، عضو الودادية الحسنية للقضاة، على ضرورة تفعيل مسطرة الصلح بشكل جدي خاصة حين تثمر العلاقة الزوجية وجود أطفال في حاجة إلى المحافظة على استقرار الأسرة وتماسكها وحماية العلاقات الأسرية، وهو ما تحث عليه مدونة الأسرة بمباشرة جلسة الصلح مباشرة بعد تعيين الملف من طرف القاضي المقرر في كل أنواع طلبات الطلاق أو التطليق، باستثناء التطليق للغيبة، وذلك بحضور حكمين أو إنجاز تقرير من طرفهما ويمكن الاستعانة بالمجالس العلمية والمساعدات الاجتماعية، وتكرر محاولة الصلح باستعمال تقنيات الوساطة.
وإذا ما تخلف طالب الطلاق أو التطليق عن هذه الجلسة، يؤدي ذلك حتما إلى صدور حكم برد الطلب باعتباره تراجعا عن الغاية المتوخاة وهي إنهاء العلاقة الزوجية، في إشارة إلى أن هناك محاولات لزيجات متنازعة كللت بالصلح بالرغم من قلتها.
فيما توضح الدكتورة حنان بن شقرون، رئيسة مركز إشعاع للدراسات الأسرية، أن “بالتأمل في حالات الطلاق نرى من بين الأسباب غياب التكوين لدى المقبلين على الزواج، لأن البعض لا يستحضر ما تحتاجه الأسرة من مهارات وخبرات ومعلومات، ومن تجارب وعلم وفهم وإرادة، ومن صبر وتضحية، وبالتالي لا بد من إخضاع المقبلين على الزواج لتكوين ومنحهم شهادة تعد من الوثائق المطلوبة لإبرام عقد الزواج”.
وتشدد الدكتورة بن شقرون، في تصريحات صحفية، على غياب أو ضعف الوساطة الأسرية الحقيقية التي تسبق اللجوء إلى القضاء، وترى أن لا معنى لأن تظل هذه المؤسسة مغيبة أو تمارس هذه الوساطة بشكل سطحي صوري، لا ينفذ إلى عمق المشكلة ولا يساعد على حلها، مقترحة تفعيل المجالس العلمية من أجل تحقيق أفضل للوساطة الأسرية، واستعمالها من أجل استنفاد كل الطرق للإصلاح قبل اللجوء إلى المحاكم لطلب الطلاق.