من الهند إلى فرنسا: معاداة الإرهاب أم المسلمين؟
تزامنت، في وقت متقارب مؤخرا، واقعتان من مكانين بعيدين جغرافيا وسياسيا وثقافيا، هما الهند وفرنسا، ولكنّ نقاط التشابه بينهما كثيرة، ودلالاتهما العالمية والإقليمية والعربية مهمّة لا يجب تجاهلها لما تحمله من مخاطر على مواطني البلدين، وعلى المسلمين خصوصا والأقليات الدينية والقومية عموما.
الواقعة الأولى جرت على لسان وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، الذي اعتبر أن «الإرهاب الإسلامي السنّي» هو أبرز تهديد لبلاده وأوروبا، ولم يكن هذا التصريح جزءا من الحملات الانتخابية التي اعتاد الساسة الفرنسيون، من اليمين المتطرف العنصريّ وأشباهه، استخدامها لتأجيج المشاعر ضد أفراد الأقلية المسلمة، التي جاء أغلبهم من المستعمرات الفرنسية السابقة في المغرب والجزائر وتونس، بل لإعادة تفعيل حقبة «الحرب على الإرهاب» التي تحاول أمريكا الخروج من مفاعيلها الكارثية، حيث قال دارمانان صراحة «أتينا لنذكرهم أنه بالنسبة للأوروبيين ولفرنسا، الخطر الأول هو الإرهاب الإسلامي السني» وعلى حد قوله «بينما تكون للأمريكيين رؤية قومية أكثر للأزمات مثل التفوق العرقي الأبيض وعمليات إطلاق النار الجماعية المتكررة، والتآمر، لا يجب أن ينسوا ما يبدو لنا في أوروبا بمثابة التهديد الأول: الإرهاب السنّي» مبديا أسفه «لرحيل الأمريكيين من أفغانستان» وانسحاب فرنسا من منطقة الساحل الأفريقية.
مجيء تصريحات دارمانان في الوقت الذي شهد تضاؤلا كبيرا في وجود وتأثير التنظيمات السلفية المسلّحة الإسلامية، مثل «الدولة الإسلامية» و«القاعدة» يثير الشكّ في أهدافه ومقاصده.
التحسّر على خروج جيوش فرنسا من شمال أفريقيا وجيوش أمريكا وأوروبا من أفغانستان يعبّر عن الحاجة السياسية الغربية المستمرة لوجود «خطر الإرهاب الإسلامي» (أو اختراعه) في تعام مقصود عن أسباب ظهور تلك التنظيمات، وعلاقتها الجدلية بتلك التدخلات العسكرية في أفغانستان والعراق، كما بعلاقة السياسات الغربية المتينة بأنظمة الاستبداد والإفقار والفساد، وانحيازها لإسرائيل، ومعاملة بعض النخب الغربية العنصرية لمواطنيها من أقليات إسلامية، وما تؤدي مراكمة كل هذه العوامل من انسداد للآفاق في الكثير البلدان العربية والإسلامية، وضمن أوساط المسلمين في الغرب.
أثارت تصريحات دارمانان الركيكة ردود فعل كثيرة، وخصوصا من هيئات ومؤسسات إسلامية، اعتبرت أن الوزير يتبنى «منهج التجريم بالهوية الجماعية» ويتعمد «تعميم الأحكام الجائرة» كما أن بعض التعليقات أشارت إلى ادعاء الوزير للأصالة الثقافية والنقاء العرقي الفرنسيين وهو المتحدر من أسرة مختلطة الأعراق من «أجداد أرمن، ويهود مالطيين، وجنود بجيش فرنسا في الجزائر».
الواقعة الثانية كانت إشادة رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، في حشد عام، بفيلم «كيرالا» والذي يقدّم سردية مشابهة لسردية دارمانان، في إطار قصة غلبت عليها المبالغات الكبيرة عن تجنيد فتيات هنديات في تنظيم «الدولة» وهو ما رأى فيه مسلمو الهند «شيطنة» لهم، ووصم لهم بالإرهاب، وبالتالي، تبرير الإجراءات العنصرية والانتقامية التي يقودها الحزب الحاكم ضدهم، مما يهدد السلم الأهلي والتجانس الاجتماعي في شبه القارة الهندية.
أدى عرض الفيلم إلى وقوع اشتباكات في إحدى ولايات الهند وتوفي خلالها شخص وأصيب ثمانية آخرون، كما اعتقلت الشرطة أكثر من 100 شخص، وحجبت سلطات الولاية خدمة الانترنت وفرضت حظر التجول، فيما اعتبرت إحدى الولايات الهندية، البنغال الغربية، أن قصة الفيلم مشوهة وحظرت عرضه لمنع حدوث توتّرات دينية.
الواضح أن المسألة لا تتعلّق فقط بالمبالغات الكبيرة في الفيلم، ولكن بالتوظيف السياسيّ الهائل له ضمن رؤية حزب «بهاراتيا جاناتا» الحاكم، وهو حزب قوميّ هندوسيّ، كما أنه حزب يميني اجتماعيا، فهو يدافع عن خفض الإنفاق على الرعاية الصحية والاجتماعية وإضعاف حقوق العمال وتجاهل البيئة، كما أنه معاد للمسلمين والأقليات، وقد اتهم مودي، حين كان حاكم كجرات، بالمسؤولية بالتغاضي عن أحداث عام 2002 في الولاية، والتي جرت فيها أعمال عنف وحشية وقتل واغتصاب طائفية، أدت إلى مقتل 1044 شخصا وفقدان 223، واعتبرت مذبحة مدبرة، وأنها توافق «التعريف القانوني للإبادة الجماعية» وعلى أنها إرهاب دولة وتطهير عرقي.
نقاش موضوع الإرهاب، في كل أشكاله، سواء كان إرهاب الدول أو المنظمات، مهم، حين يوضع في سياق موضوعي سياسيّ يوجّه الضوء على مسببات الإرهاب الاجتماعية والسياسية، ولكن حين يأتي ذكر الإرهاب على لسان أطراف منخرطة في محاولة استعادة تاريخها الاستعماري في أفريقيا، كما هو حال فرنسا في عهد إيمانويل ماكرون، أو ساسة مثل مودي، يمثّل حزبا قوميّا هندوسيا متطرّفا، ومتهما بمذابح وإبادة جماعية، ومسؤولا عن قوانين تعديل المواطنة، وسياسات التمييز بين المواطنين على أسس دينية، فإن المقصود، أكيدا، هو تعزيز اتجاهات اليمين العنصري، التي هي شكل من أشكال إرهاب الدولة ضد مواطنيها، والتحريض على حرب أهليّة، أما «الإرهاب الإسلامي» فليس سوى فزاعة، وصندوق استثمار وحشيّ، تشارك فيه، للأسف، إلى جانب اتجاهات اليمين الأوروبي، إسرائيل، ودول عربية أيضا.