أهداف زيارة الرئيس الجزائري إلى البرتغال وتوقيتها يثيران جدلا واسعا
لم تخل زيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى البرتغال من مواقف معارضة لأهدافها، فيما اعتبر آخرون أنها لم تحظ باهتمام رسمي برتغالي كبير وفق البروتوكولات المعمول بها، في وقت تسعى فيه الجزائر لدعم العلاقات الاقتصادية بينها وبين لشبونة.
أثارت زيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى البرتغال جدلا واسعا حول أهدافها وتوقيتها، خصوصا بعد مراهنته على لشبونة كشريك بديل عن إسبانيا في شبه الجزيرة الإيبيرية، إثر قطع العلاقات الاقتصادية والتجارية معها على خلفية موقفها من قضية الصحراء المغربية.
ورافقت زيارة تبون إلى البرتغال مواقف رافضة، إذ نشر بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر لحظة خروج عبدالمجيد تبون من أحد اللقاءات، حيث يمكن سماع بعض الهتافات الاحتجاجية تجاه تبون، وتطالب بإنهاء “حكم العسكر” في البلاد على حد وصفهم، وبإطلاق سراح معتقلي الرأي.
وانتشرت مقاطع فيديو لأشخاص، قيل إنهم من أفراد الجالية الجزائرية، يظهرون فيها وهم يرشقون سيارة الرئيس تبّون بالبيض، ورددوا بعض الشعارات المعارضة له.
كما اعتبر آخرون أن زيارة تبون لم تحظ باهتمام رسمي برتغالي كبير، بعد استقباله في المطار من قبل مسؤولين دبلوماسيين وليس من قبل رئيس الدولة وفق البروتوكولات الرسمية المعمول بها.
وفي الوقت الذي كان من المنتظر أن تحط طائرة الرئيس في باريس أو موسكو حطت في لشبونة، ما يدعو إلى التساؤل عن سر قفز البرتغال إلى سلم أولويات الجزائر، على حساب عواصم أبرز وأثقل في ميزان دبلوماسية البلد العربي.
الجزائر تسعى من خلال تعزيز علاقتها بالبرتغال للضغط على إسبانيا، ونقل تحالفها الدبلوماسي من مدريد إلى لشبونة
ولم يسبق الزيارة “المفاجئة” إلى العاصمة البرتغالية لشبونة الكثير من الضجيج، حيث جرى الاتفاق بشأنها منذ نهاية العام الماضي، خلال زيارة وزير الخارجية البرتغالي جواو كرافينيو إلى الجزائر.
وتعتبر لشبونة العاصمة الأوروبية الثانية التي يزورها تبون منذ توليه الحكم في 2019 بعد أن زار العاصمة الإيطالية روما في مايو 2022، ما يعكس رغبة الجزائر في إحياء علاقاتها التاريخية مع البرتغال بالتوازي مع فتور العلاقات مع إسبانيا.
وكانت زيارة تبون مقررة إلى باريس في 2 مايو الجاري، قبل أن تتأجل، وهو ما يعكس الخلافات بين البلدين وصعوبة إجراء الزيارة قبل تجاوز الملفات الشائكة والمثيرة للجدل.
ولئن كانت زيارة موسكو أكثر حساسية وأعقد، رغم العلاقات الجيدة بين البلدين، فإن الضغوط الأميركية على الجزائر، ومحاولات تصنيفها ضمن الحلف الروسي، رغم تبنيها سياسة الحياد بشأن الحرب في أوكرانيا، تجعلها أكثر تريثا وحذرا.
وترفض الجزائر استقبال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، الذي أبدى رغبته في زيارتها، بالنظر إلى الخلافات بخصوص تغيير موقف بلاده من ملف الصحراء المغربية، وتبنيها للمقترح المغربي بشأن الحكم الذاتي للإقليم، وهذا ما جعل البرتغال تحظى بالأولية، خاصة وأن البلدين يتمتعان بعلاقات تاريخية يراد إحياؤها مجددا.
مقاطع فيديو متداولة لأشخاص قيل إنهم من أفراد الجالية الجزائرية يظهرون فيها وهم يرشقون سيارة الرئيس تبّون بالبيض
ويختصر قول تبون من البرتغال “تجمع الجزائر والبرتغال نظرة متطابقة في العديد من القضايا الدولية” الأسباب التي دفعته إلى زيارة لشبونة قبل أي عاصمة أوروبية باستثناء روما، التي تعد المشتري الأول للغاز الجزائري، بل الشريك التجاري الأول.
وتباحث الطرفان في ملفات دولية، من بينها ليبيا ومالي ودول الساحل وإقليم الصحراء وفلسطين، وفق ما صرح به تبون.
ووصف الرئيس البرتغالي العلاقات بين البلدين بأنها “وطيدة”، مشيدا بالدور التاريخي للجزائر في دعم الديمقراطية في بلاده، حيث دعمت الجزائر المعارضة البرتغالية في وجه النظام العسكري الدكتاتوري الذي قاده أنطونيو سالازار (1936 – 1970).
وأزال الرئيس البرتغالي مارسيلو دي سوزا اللبس بشأن موقف بلاده من قضية الصحراء، وقال عقب المحادثات التي جمعته بنظيره الجزائري في 23 مايو إن موقف بلاده “ثابت ويحترم ويدعم دور الأمم المتحدة وقراراتها بشأن قضية الصحراء، وتسعى إلى تحقيق مبادئ الديمقراطية في هذا الشأن”.
ويتطابق هذا التصريح مع الموقف الجزائري من قضية الصحراء، ما يفسر إجراء الزيارة في موعدها دون تأجيل.
ولا شك أن الجزائر من خلال تعزيز علاقاتها مع البرتغال إنما تسعى بالدرجة الأولى لزيادة الضغط على حكومة سانشيز، وذلك عبر نقل تحالفها الدبلوماسي في شبه الجزيرة الإيبيرية من مدريد إلى لشبونة.
اقرأ أيضاً:
وتملك الجزائر ورقتين رئيسيتين تلعبهما في البرتغال، أولاهما أنها توفر نحو 82 في المئة من حاجة البلاد إلى الغاز الطبيعي، وفق وزير الاقتصاد البرتغالي أونطونيو كوستا سيلفا، حيث تستورد البرتغال ما لا يقل عن 2.5 مليار متر مكعب سنويا من الغاز الجزائري.
وثانيتهما أن البرتغال ترى أنها مَدينة للجزائر بالتخلص من النظام العسكري الدكتاتوري والتحول نحو الديمقراطية، بفضل احتضانها لمعارضين، ودعمهم قبل الإطاحة بنظام سالازار العسكري الفردي.
وقال وزير الخارجية البرتغالي أوغوستو سانتوس سيلفا، خلال زياته إلى الجزائر في مارس العام الماضي، إنّ “البرتغال عليها دين للجزائر لأنها لعبت دورا مهما في مسار دمقرطة البلاد، ودعمت المعارضة الديمقراطية ضد الدكتاتورية فيها”.
وأضاف الوزير البرتغالي أن الجزائر لعبت دورا بارزا في عام 1975، خلال التوقيع على اتفاقية سمحت باستقلال العديد من الدول الأفريقية، التي استعمرتها البرتغال، في الجزائر. وهو ما شكّل ميلاد دول تتحدث اللغة البرتغالية (أنغولا، موزمبيق، غينيا بيساو…).
وهذان الأمران (الطاقة ودعم المعارضة الديمقراطية) يجعلان العلاقات الجزائرية – البرتغالية ذات طبيعة خاصة ومرتبطة بوثاق اقتصادي وتاريخي متين.
ويمكن للبرتغال بحكم قربها الجغرافي من الجزائر أن تكون سوقا بديلة للسلع التي كانت تستوردها الأخيرة من إسبانيا، كما يمكن أن تكون سوقا للصادرات الجزائرية خارج المحروقات، خاصة تلك التي كانت تصدرها إلى إسبانيا.
ورغم العلاقات الممتازة بين البلدين إلا أن حجم التجارة البينية في عام 2022 لم يتجاوز 1.4 مليار دولار، منها 1.1 مليار دولار صادرات جزائرية، غالبيتها من إيرادات الغاز الطبيعي، و300 مليون دولار فقط صادرات برتغالية، إلا أن هذه الزيارة من شأنها أن تشجّع التبادل التجاري بين البلدين، لكن ذلك سيكون حتما على حساب الشركات الإسبانية، التي لم تتجاوز قيمة صادراتها للجزائر خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري 10 ملايين دولار.
وبلغت خسائر الشركات الإسبانية من غلق السوق الجزائرية في وجهها نحو 800 مليون دولار، وفقا للحسابات الأولية الصادرة عن الدائرة الجزائرية – الإسبانية للتجارة والصناعة، ما دفع شركات إسبانية إلى مطالبة حكومة سانشيز بإيجاد حل لما أسمته “الحصار التجاري الجزائري المضروب على أنشطتها” بعد الانخفاض الكبير في صادراتها، على خلفية الأزمة الدبلوماسية بين البلدين بسبب قضية الصحراء.