تبون منزعج من قمة جدة بلا سبب
سعت وسائل الإعلام الجزائرية إلى تأكيد انزعاج الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون مما جرى قبل قمة جدة وخلالها، فالسعودية سعت لإظهار دورها الدبلوماسي المتزايد في القضايا الإقليمية والدولية، في وقت يتساءل فيه المراقبون عن أسباب الانزعاج الجزائري وهل أن الرياض مجبرة على أن تشاور الجزائريين في مختلف التفاصيل بما في ذلك قائمة الضيوف.
وكان يتوقع أن يقوم الرئيس الجزائري بتسليم رئاسة القمة العربية بصفة شخصية إلى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز. لكن دعوة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان لنظرائه في دول مجلس التعاون الخليجي فضلا عن العراق والأردن ومصر لبحث عودة سوريا إلى الجامعة العربية، أثارت غضب الجزائريين بالرغم أن الاجتماع تشاوري ومن حق السعودية أن تدعو من تشاء في أيّ وقت ولمعالجة أيّ قضية.
وأبرزت مصادر محلية انزعاج الجزائر من أن هذا الاجتماع تم من دون دعوة وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف للمشاركة فيه، من ناحية لأن الجزائر هي رئيسة القمة، ومن ناحية أخرى لأن عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية كانت أحد أبرز المواضيع التي سعت إليها الجزائر في الإعداد للقمة العربية التي انعقدت في نوفمبر الماضي.
◙ الفصائل الفلسطينية المتنازعة هي التي أحبطت جهود الجزائر، لأن الأساس الذي اقترحته الجزائر لم يكن قابلا للتطبيق
إلا أن مراقبين قالوا إن الاجتماعات الخليجية التي تضم العراق والأردن ومصر ليست جديدة، وهي تمثل إطار تعاون إقليمي يتصل بقضايا مشتركة. وإن الإطار الخاص بالجامعة العربية المتعلق بدعوة سوريا إلى العودة إلى مقعدها تم في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة في السابع من الشهر الجاري، بمشاركة وزير الخارجية الجزائري.
ومن هذا الاجتماع سافر وزير الخارجية السعودي إلى الجزائر في اليوم التالي ليلتقي بالرئيس تبون، من ناحية لكي يبلغه بالنتائج، ومن ناحية أخرى ليؤكد على دعوته إلى القمة. مما لا يبقي مبررا للانزعاج.
وحرصت المصادر الإعلامية الجزائرية على أن تظهر انزعاجا إضافيا بالإشارة إلى أن مسودة البيان الختامي للقمة، تجاهلت كليا مبادرة لمّ الشمل الفلسطيني التى رعاها الرئيس تبون، وذلك على الرغم من أن إعداد الخطوط العريضة للمسودة تم بمشاركة وزير الخارجية الجزائري.
وتضمن “إعلان جدة” إشارة إلى دعم القمة للوصاية الهاشمية لحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية وإدارة أوقاف وشؤون الأقصى التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية بصفتها صاحبة الصلاحية الحصرية، وكذلك دور لجنة القدس التي يرأسها العاهل المغربي الملك محمد السادس، وبيت مال القدس في الدفاع عن مدينة القدس وصمود أهلها. وهو ما تم تفسيره على أنه سبب آخر للانزعاج، ولكن الحقيقة هي أن هذا النص ثابت بين القمم العربية، وأشار إليه “إعلان قمة الجزائر” نفسه بالحرف.
أما أن الجزائر كانت تتطلع إلى أن تشير مسودة إعلان جدة إلى دورها في تحقيق المصالحة الفلسطينية ودعوتها إلى الاستمرار في هذا الدور، فالحقيقة بشأنها هي أن هذا الدور لم يحقق شيئا.
ويقول مراقبون إنه بدلا من أن توجه الجزائر اللوم إلى السعودية بتجاهل دورها، فإنها كان يجب أن تلاحظ أن المنعطف بالنسبة إلى سوريا جاء بعد زلزال 6 فبراير الماضي وهو أمر ساهم في تغيير المعادلات، من نواحيها الإنسانية قبل السياسية.
كما أن الفصائل الفلسطينية المتنازعة هي التي أحاطت جهود الجزائر بالفشل، لأن الأساس الذي اقترحته الجزائر لم يكن قابلا للتطبيق من جانب السلطة الفلسطينية نفسها، وهو الذي كان يقوم على مبدأ إجراء انتخابات لا تريد سلطة الرئيس محمود عباس خوضها.
وعلى الرغم من أن المصادر الجزائرية نظرت إلى دعوة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للمشاركة بإلقاء كلمة في القمة، على أنه أمر تم دون تشاور مع الرئاسة السابقة للقمة، فإن العرف الدبلوماسي السائد هو أن توجيه الدعوات من صلاحيات الدولة التي تستضيف القمة. ودعوة زعماء أجانب لإلقاء كلمات أمر معتاد، ولا يحتاج إلى تشاور مسبق.
وكان وزير الخارجية السعودي التقى بالرئيس تبون في الجزائر في الثامن من الشهر الجاري لينقل له دعوة المشاركة في القمة، وليبلغه بنتائج اجتماع وزراء الخارجية العرب بشأن سوريا. وقال الأمير فيصل بن فرحان عقب اللقاء “إن الزيارة تأتي استكمالاً للتعاون والتنسيق بين السعودية والجزائر في الأمور كافة، وبالأخص ما يتعلق بالشأن العربي”. وأضاف “لقد وجدت كالعادة توافقاً تاماً في الرؤى بين البلدين، وقد استشعرت من قبل الرئيس تبون حرصه على المضي قدماً في مجالات التعاون الثنائي كافة”.
وكان وزير الخارجية السعودي التقى وزير الخارجية الجزائري في القاهرة. وأفاد بيان للخارجية الجزائرية أن أحمد عطاف والأمير فيصل بن فرحان ناقشا “آفاق تجاوز الأزمات السياسية والأمنية التي تهدد استقرار العديد من الدول العربية”، و”تطور العلاقات في المنطقة المغاربية، والمساعي المبذولة لإنهاء الأزمات في كل من السودان واليمن وليبيا وسوريا ولبنان”.
وفي سياق التحضير لقمة جدة، أكد الجانبان “ضرورة اغتنام هذه الفرصة المتجددة لمواصلة الجهود، بغية تنقية الأجواء العربية، وتعزيز الوفاق العربي، امتداداً لما أفضت إليه قمة الجزائر 2022 من قرارات وتوجهات ترمي إلى تحقيق لمّ الشمل ورصّ الصف العربي في مواجهة مختلف التحديات المطروحة إقليمياً ودولياً”.
كما اتفق الوزيران على “وضع خطوات عملية لتقوية الإطار القانوني والهيكلي للعلاقات الثنائية، وإثراء الترسانة القانونية المسيّرة للتعاون الثنائي، وتأسيس المجلس الأعلى للتنسيق الجزائري – السعودي، وتشجيع تبادل الزيارات الرسمية من أجل استكشاف وتجسيد الفرص الواعدة للتعاون والشراكة في المجال الاقتصادي”.
وتشير هذه التوافقات إلى أن الجانبين حرصا على أقصى مستوى ممكن من التنسيق في مجمل القضايا التي تناولتها القمة، لاسيما وأن الوزير عطاف شارك أيضا في الاجتماع الوزاري الذي أعلن عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، مما لا يبقي مبررا للانزعاج.
ويقول مراقبون إن الأمر يتعلق بتقلبات مزاجية باتت مألوفة في السياسة الخارجية الجزائرية، وليس بأسباب موضوعية. والجزائر حتى وإن لم تحقق الكثير خلال توليها رئاسة القمة، فلأنها تباطأت في عقد القمة، حتى لم يبق لديها ما يكفي من الوقت لكي تنجز شيئا، إذ سجلت مدة رئاسة لم تستغرق أكثر من ستة أشهر، ما يجعل غياب الرئيس تبون عن القمة، إذا تعلق بما تتداوله المصادر المحلية الجزائرية من أسباب، سوف يبدو نوعا من انزعاج بلا سبب.