مر عقد تقريبا عن وفاة مرشدها عبدالسلام ياسين دون أن يطرأ أي تطور على جماعة “العدل والإحسان” المغربية، في مشروعها السياسي والتنظيمي بما يتناسب والتغيرات الحاصلة في المجتمع المغربي. ولا تزال الجماعة الإسلامية حبيسة مشروع الخلافة الطوباوي مركزة على مفردات تجاوزها الزمن، باحثة عن مبررات لمقاومتها أي نفس للتغيير.
وقال عبدالواحد متوكل، رئيس الدائرة السياسية للجماعة، في حوار نشره موقع الجماعة الإلكتروني، “إن المشاركة من داخل المؤسسات القائمة من أجل الإصلاح التدريجي، خرافة لم يعد يصدقها أحد، وقد سلكت هذه الطريق أحزاب شتى يسارية وليبرالية وإسلامية وفشلت كلها وبدون استثناء فشلا ذريعا”. وتساءل متوكل “هل من الحصافة في شيء أن نسلك طريقا سلكه غيرنا وانتهوا إلى ما انتهوا إليه من الخيبة والفشل وفقدان المصداقية؟”.
واعتبر رئيس الدائرة السياسية للجماعة أن المشكلة الجوهرية في النظام السياسي المغربي هي الاستبداد وقرينه الفساد، وعنهما تتفرع كل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والإدارية.
وتتمسك جماعة العدل والإحسان بالبقاء خارج المؤسسات ومقاطعة الانتخابات ولا تود الدخول في العملية الديمقراطية، لأن هذا التوجه يخدم مصالحها، وتكرر قيادات الجماعة نفس الخطاب السلبي دون أن تطرح مشروعا اجتماعيا وسياسيا واقعيا يساهم في تجاوز المشاكل التي يمر بها المغرب.
وقال أستاذ العلوم السياسية محمد فقيهي، في تصريحات لـه ، إن “جماعة الإحسان والعدل تتبنى ذات الخطاب الذي يردده حزب العدالة والتنمية رغم الفارق القائم على المشاركة في الحياة السياسية من داخل المؤسسات”.
وأضاف فقيهي أن “المواطن المغربي قد يتعاطف مع الخطاب الأيديولوجي للجماعات التي تستعمل الدين غطاء للسياسة في مرحلة ما، لكن لا يمكن توجيهه بالأيديولوجية والشعارات، وإنما بالممارسة الحقيقية والإنجاز، وهذا مرتبط بخصوصية التجربة السياسية للمغرب”، مشيرا إلى أن تعاطي التيار الإسلامي مع الواقع السياسي خاطئ، وأن المضي في المتاجرة بالدين كصك تجاري لا يجدي حاليا.
وتتخذ جماعة العدل والإحسان موقع المعارضة دون الانفتاح على اللعبة السياسية والانتخابية منذ تأسيس الجماعة قبل أربعين سنة. ولا تبدو الجماعة الإسلامية في وارد التفكير في تغيير هذا الموقع وبناء موقف جديد يتأسس على مشاركة من الداخل يمكن أن تفضي إلى إصلاح تدريجي.
وقال متوكل في الحوار مع موقع جماعته، إن “المطالب ذات الأولوية حاليا في المغرب هي حرية التعبير، وحرية التنظيم، وحرية الحركة، وحرية التجمع، بعدها يمكن أن ننظر في الصيغ المناسبة للتوافق على خارطة طريق، وبداية صحيحة من أجل التغيير المنشود”.
ويبدو أن تركيز متوكل على حرية التعبير، يأتي كإشارة إلى اعتقال ياسر العبادي، ابن محمد العبادي، الأمين العام لجماعة العدل والإحسان، قبل ثلاث سنوات، بسبب ما تضمنته تدويناته على مواقع التواصل الاجتماعي من مفردات مجرّمة وتقع تحت طائلة القانون الجنائي، حيث أنه وصف الدولة بـ”الدكتاتورية والإرهاب”، كما اتهمها بممارسة “التعذيب” و”الاختطاف” دون أن يكون لديه دليل ملموس على ادعاءاته.
وقال منتصر حمادة، الباحث في الجماعات الإسلامية، إن جماعة العدل تعمل على تطويع المفردات بما يخدم مصلحتها، وأن القانون يحمي حرية التعبير ولا توجد حرية غير مسؤولة، موضحا أنه لا أحد يعترض على أي نقد بصيغة مسؤولة، ولكن في اللحظة التي تم فيها صرف النظر عن مقتضى النصوص القانونية هنا فقد ورط هذا الشخص نفسه في مشاكل رغما عنه.
وحاول القيادي بجماعة العدل والإحسان التمويه على مسألة إقحام مفردة الخلافة كحمولة سياسية ودينية، لكنه رجح ذلك كـ”نظام سياسي عادل يبدّد ظلمة قرون الفساد والاستبداد، ولا عيب من أن نستعمل، من أجل التواصل، مصطلحات متعارفا عليها بين الناس، إن كانت لا تتناقض مع روح الإسلام ومبادئه”، مشددا على أن الجماعة لا تعارض من أجل المعارضة وإنما لأسباب سبق ذكرها، ولا تزال هذه الأسباب قائمة.
ويرى هشام عميري، أستاذ العلوم السياسية، أن جماعة العدل تردد شعارات زائفة، مستحضرا ما وقع في عام 2005 عندما جرى حديث عن رؤيا تتعلق بأن الجماعة ستنتقل إلى الحكم في العام 2006، وهي الرؤيا التي تسببت في تقديم مجموعة من الأعضاء لاستقالتهم من التنظيم، بسبب المبالغة في الطوباوية والأحلام.
ولفت عميري في تصريحات لـه إلى أن الجماعة عرفت عدة تحولات ما بعد فترة الشيخ المؤسس عبدالسلام ياسين وهي تعيش أزمة، ويمكن القول إنها أصبحت غائبة عن القضايا السياسية والاجتماعية مقارنة مع فترة مؤسسها.
وتستمرّ العدل والإحسان في تحين الفرص للركوب على الاحتجاجات الاجتماعية لخلق حالة عدم استقرار تستفيد منها، وبالفعل شاركت الجماعة الإسلامية في الاحتجاجات الاجتماعية، منها حراك الريف بين 2016 – 2017، في محاولة منها لتوسيع قاعدة منتسبيها بهدف الوصول إلى تحقيق طموحها في ما تسميه دولة الخلافة، عن طريق ما يتم تسميته في أدبيات الجماعة بـ”القُومة”، (ثورة اجتماعية)، وفشلت خطتها في إخراج الناس إلى الشارع للعصيان وكسر الحجر الصحي الذي تم فرضه بسبب كوفيد، في بعض المدن المغربية، والاصطدام مع السلطات للركوب على نتائجها.
ولم يخف عبدالواحد متوكل أمله في تفجر بـ”انتفاضة شعبية”، مستدركا بالقول “إننا لا ندعي أننا نمتلك كل خيوطها، حيث إن التحولات الاجتماعية تتحكم فيها عدة عوامل، بعضها في مكنة البشر وبعضها يتجاوزهم، ومن الناس من يكون له نصيب معتبر من القدرة والمساهمة، ومنهم من يكون له دون ذلك”، مضيفا أن “لا بد من التقاء العوامل الذاتية والموضوعية، الإرادية والتلقائية، الكسبية والقدرية في لحظة ما من أجل انطلاق الشرارة الأولى للتغيير. نبذل ما في وسعنا لإبراء الذمة”.