الجزائر تراهن على البرتغال كحليف بديل في شبه الجزيرة الإيبيرية
يراهن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون على البرتغال كشريك بديل عن إسبانيا التي قرر قطع العلاقات الاقتصادية والتجارية معها على خلفية موقفها من قضية الصحراء المغربية. ويرى متابعون أن لشبونة ستحرص على استغلال هذا الانفتاح الجزائري لكن دون أن يكون ذلك على حساب علاقتها مع الرباط.
يؤدي الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون زيارة إلى البرتغال خلال الأيام القليلة المقبلة في محاولة لرسم تحالف جديد في شبه الجزيرة الإيبيرية، وتعويض العلاقات التقليدية مع إسبانيا، وممارسة المزيد من الضغط على حكومة بيدرو سانشيز المتمسكة بتأييد المبادرة المغربية لحل نزاع الصحراء.
وتأتي الزيارة المنتظرة لتبون إلى لشبونة بعد أيام من انعقاد الاجتماع رفيع المستوى بين المغرب والبرتغال تحت شعار “المغرب والبرتغال: تأكيد على شراكة إستراتيجية نموذجية”، وتم خلاله التوقيع على حزمة من الاتفاقيات، والتأكيد على تعزيز الحوار السياسي بين البلدين.
ويرى مراقبون أن زيارة الرئيس الجزائري تستهدف إيجاد حليف بديل لإسبانيا وأيضا تبديد الزخم الإيجابي الذي تشهده العلاقات البرتغالية – المغربية، مستبعدين أن ينجح تبون في تحقيق هدفه المنشود في ظل إدراك لشبونة لأهمية الحفاظ على علاقة قوية مع الرباط.
ويرافق تبون خلال زيارته المنتظرة إلى لشبونة وفد هام من أعضاء الحكومة ورجال الأعمال ومدراء المؤسسات الاقتصادية الحكومية. وكان وزير الاقتصاد البرتغالي أنطونيو كوستا زار الجزائر قبل أسابيع قليلة حيث التقى بالعديد من المسؤولين الجزائريين على رأسهم وزير الصناعة والإنتاج الصيدلاني علي عون، وتم الاتفاق بين الطرفين على توسيع الاتصالات والتشاور من أجل إقامة علاقات قوية شاملة بين الطرفين.
وأوردت تقارير جزائرية بأن زيارة الرئيس تبون إلى البرتغال ينتظر أن تتوج بإبرام عدة اتفاقيات هامة في مجال الطاقة، والتعاون الاقتصادي والتبادل التجاري والتنقل وحركة الأفراد. ويقول المراقبون إن لشبونة ستكون بالتأكيد منفتحة على تعزيز العلاقات مع الجزائر، واستغلال الفراغ الذي خلفته القطيعة بين الجزائر ومدريد، لكنها ستحرص في الآن ذاته على عدم اتخاذ أي مواقف قد تشكل لها إحراجا مع المغرب.
◙ الرئيس الجزائري يزور البرتغال خلال الأيام القليلة المقبلة في محاولة لرسم تحالف جديد في شبه الجزيرة الإيبيرية
ويشير المراقبون إلى أن لشبونة ستحرص في هذا الجانب على التعاطي ببراغماتية شديدة. وتأتي زيارة تبون في خضم قطيعة أعلنتها الجزائر من جانب واحد مع إسبانيا في شهر يونيو من العام الماضي، حيث أعلنت عن تجميد اتفاقية الصداقة والتعاون مع مدريد بسبب ما وصفته بـ”إخلال الحكومة الإسبانية بالتزاماتها السياسية والأخلاقية حول نزاع الصحراء”، بعد إعلان سانشيز تأييد بلاده للمقاربة المغربية في حكم ذاتي للصحراويين تحت سيادة المملكة.
ويبدو أن الرئيس الجزائري يراهن على زيارته إلى البرتغال من أجل إيجاد بديل للتعاون الاقتصادي مع مدريد، بعد الأضرار التي خلفتها القطيعة على وتيرة التعاون التي انخفضت بأكثر من 80 في المئة مقارنة مع السنوات الماضية، بعد قرار الجزائر وقف جميع أشكال التبادل التجاري والاقتصادي باستثناء اتفاقية التموين بالغاز.
واتهم حزب الشعب اليميني مجددا الحكومة الإسبانية بالفشل في تسيير الأزمة مع الجزائر، وعدم القدرة على ترميمها، رغم الخسائر التي تكبّدتها نحو 700 شركة محلية كانت في حالة نشاط مع الوجهة الجزائرية.
وتقدم نواب الحزب بعريضة مساءلة للحكومة ستتم مناقشتها نهاية شهر مايو الجاري في لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس الإسباني، وهي العريضة التي تتهم رئيس الوزراء بـ”مسؤوليته المباشرة عن اندلاع الأزمة المذكورة، وعدم تقدير رد الفعل الجزائري بعد الإقرار بتغيير الموقف تجاه قضية الصحراء”.
ويرى متابعون أن هذا التصعيد من قبل حزب الشعب لا يخلو من خلفيات انتخابية، وأنه سيخبو بمجرد إجراء الاستحقاق التشريعي، في ظل إدراك قيادات الحزب الإسباني لمزايا تحسن العلاقات مع الرباط سواء كان في الجانب الاقتصادي وأيضا في مكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية التي تقلصت على نحو بعيد بفضل التعاون مع الرباط.
ولفتت تقارير إسبانية إلى أنه في الفترة بين شهري يونيو ونوفمبر من العام الماضي، خسرت الشركات الإسبانية 733 مليون يورو من الصادرات إلى الجزائر، وأن المتعاملين الإسبان صدروا في تلك الفترة ما قيمته نحو 165 مليون يورو مقارنة بـ938 مليونا خلال نفس الفترة من العام 2021. وقدرت زيادة الصادرات الإسبانية إلى الجزائر بـ64 مليون يورو وهو ما يعادل 8.8 في المئة في مايو 2021، أما بعد ذلك فقد تراجعت تلك الصادرات بشكل مذهل قدر بـ82 في المئة خلال العام 2022.
◙ زيارة الرئيس الجزائري تستهدف إيجاد حليف بديل لإسبانيا وأيضا تبديد الزخم الإيجابي الذي تشهده العلاقات البرتغالية – المغربية
وفي المقابل لم تظهر بيانات مماثلة في الجزائر حجم التأثير الاقتصادي والتجاري للقطيعة الدبلوماسية بين البلدين، غير أنه ظهر في ندرة العديد من المواد التي كانت تستورد من إسبانيا، وزيادة مذهلة في الأسعار اندرجت في موجة الندرة والغلاء التي عرفتها البلاد في السنوات الأخيرة.
وذكر متعاملون جزائريون مع الأسواق الإسبانية أن القطيعة أثرت كثيرا في تموين السوق المحلية بمختلف المواد، بما فيها الكتاكيت التي كانت توجه لتربية الدواجن، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار الدجاج والبيض، لاسيما وأن الموردين باتوا يتوجهون إلى الأسواق البريطانية والمجرية لتوفير الحاجيات المحلية.
وتسعى الحكومة الإسبانية للاستعانة ببعض الوسطاء، خاصة الاتحاد الأوروبي في إطار اتفاق الشراكة المبرم مع الجزائر للضغط على الحكومة الجزائرية من أجل رفع القيود المفروضة على مدريد، لكن ذلك يصطدم بممانعة جزائرية كان أوضحها الرئيس تبون في رده على نائب المفوض الأوروبي جوزيب بوريل الذي حاول التخفيف من حدة الأزمة بين الطرفين، بالقول “موقف الجزائر واضح وصريح وهي ترفض تخلي مدريد عن مسؤوليتها التاريخية والسياسية في الصحراء”.
وكان نواب المعارضة الإسبانية قد دعوا حكومة سانشيز إلى “تفعيل خطوط الدعم للشركات المتضررة، عبر عمل دبلوماسي مكثف لإعادة بناء علاقة مع الجزائر في إطار معاهدة الصداقة وحسن الجوار”.
ويرى مراقبون أن الجزائر التي تراهن على تغيير في الحكومة الإسبانية بعد الانتخابات المحلية والتشريعية المقررة نهاية الشهر الجاري وشهر ديسمبر المقبل من أجل مراجعة موقفها، تتجه في الآن ذاته إلى إيجاد بديل للمصالح الاقتصادية والتجارية في البرتغال، في ظل إدراكها أن الانتخابات المقبلة قد لا تغير من واقع الحال شيئا.