بوليساريو تعاني العزلة في الذكرى الخمسين لتأسيسها
الاحتفال بالذكرى الخمسين لتأسيس الجبهة الانفصالية يمر باهتا وفاترا دون أي تفاعل دولي أو إقليمي أو قاري
يمر الاحتفال بالذكرى الخمسين لتأسيس جبهة بوليساريو باهتا وفاترا دون أي تفاعل دولي أو إقليمي أو قاري، على خلاف المناسبات السابقة، ما يؤكد فقدان الحركة الانفصالية للكثير من الحلفاء والداعمين. وتأتي ذكرى تأسيس بوليساريو المدعومة من الجزائر في سياق جيوسياسي عرفت فيه الجبهة فشلا ذريعا على كافة المستويات، أدى إلى تراجع دعم العديد من البلدان الأفريقية والعربية ومن دول أميركيا اللاتينية في السنوات الأخيرة.
كما أنها باتت محل نفور عواصم غربية وازنة أبرزها واشنطن ومدريد وبرلين ولشبونة، وهذا ما يؤشر على أن أطروحة الانفصال لم تعد تُغري الكثير من الدول التي تبحث عن تحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية والأمنية مع المغرب.
وأكد محمد سالم عبدالفتاح، رئيس المركز الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، أن قلة الاهتمام بالأطروحة الانفصالية في السنوات الأخيرة تعتبر مؤشرا واضحا على تغيّر تعاطي المجتمع الدولي سواء مع ملف الصحراء المغربية أو مع الملفات الأمنية التي تعيش المنطقة المغاربية على وقعها.
ولفت عبدالفتاح في تصريحات إلى خروج عدد من الدول الفاعلة والمؤثرة على الساحة الإقليمية والدولية من المنطقة الرمادية وانخراطها في التوجه الأممي المعبر عنه منذ أكتوبر الماضي، والداعم للمقاربة الواقعية والعقلانية التي تتقاطع مع المبادرة المغربية للحكم الذاتي.
وحاول من يسمى سيدي محمد عمار، عضو الأمانة الوطنية والمنسق مع بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء (مينورسو)، أن يغطي على الفشل الذي راكمته بوليساريو في السنوات الأخيرة في علاقاتها مع دول أوروبية وأميركا اللاتينية، بقوله في تصريحات صحفية “نأمل في أن يعيد مقررو السياسات في الولايات المتحدة، وفي الغرب عموما، التفكير في بعض مفاهيمهم الخاطئة ومواقفهم المتحيزة بشأن جبهة بوليساريو”.
وتحركت الآلة الدعائية الانفصالية للتغطية على فشل الجبهة، حيث قال حمدي الخليل ممثل بوليساريو في أنغولا، إن “فاعلية أسلوب الكفاح المسلح خلال 16 سنة فقط ساهمت في تعاظم النجاحات السياسية والدبلوماسية وأدخلت القضية الصحراوية ضمن سلم أولويات المنابر الدولية على غرار منظمة الأمم المتحدة والوحدة الأفريقية وحركة عدم الانحياز وغيرها من المؤسسات الدولية”.
ولم يسجل أي اهتمام أو تفاعل مع ذكرى تأسيس بوليساريو كما كان يطمح زعيم الجبهة إبراهيم غالي وقيادتها، وأشار من يسمى بشرايا حمودي بيون، رئيس الوزراء وعضو الأمانة الوطنية لجبهة بوليساريو، إلى أن الصحراويين يغتنمون مناسبة الذكرى الخمسين لهذه الحركة التحررية، “التي أعطت الشعب الصحراوي قيمته في جميع أنحاء العالم لتذكير المجتمع الدولي بأن تنظيم استفتاء تقرير المصير ‘هو الخيار الوحيد’ لتسوية النزاع في الصحراء الغربية التي يحتلها المغرب منذ عام 1975”.
ويقول مراقبون إن بوليساريو مازالت تردد بعض المفاهيم التي تخلى عنها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومعه المجتمع الدولي كخيار الاستفتاء، منذ سنة 2001، حيث يدعو الأطراف الآن إلى العمل من أجل التوصل إلى حل سياسي واقعي وعملي ودائم وقائم على أساس من التوافق.
ويعتبر مقترح مشروع الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب كمبادرة لحل نزاع الصحراء توجها واعيا متعدد الأبعاد والصلاحيات، ونمطا إستراتيجيا لاستتباب الأمن والاستقرار خاصة في منطقة الساحل والصحراء.
وفي هذا الإطار جددت الولايات المتحدة الاثنين دعمها لمبادرة الحكم الذاتي بوصفها مبادرة جادة وواقعية وذات مصداقية، لحل نزاع الصحراء بشكل نهائي، في حين أن جبهة بوليساريو مازالت تُصر على ما تسميه “حق تقرير المصير”، وترفض المبادرة التي تعرضها الرباط.
◙ بوليساريو مازالت تردد بعض المفاهيم التي تخلى عنها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومعه المجتمع الدولي كخيار الاستفتاء
وأكد محمد سالم عبدالفتاح أن انتصارات الدبلوماسية المغربية فرضت إيقاعها القوي والصادم على بوليساريو وداعميها الذين يتناقصون يوما بعد يوم، حيث كانت المبادرة المغربية للحكم الذاتي في قلب اهتمام دبلوماسي كبير تأكيدا على الرؤية المغربية ذات المصداقية والجادة في البحث عن حل سياسي لنزاع مفتعل طال أمده.
ميدانيا ومنذ طرد بوليساريو من منطقة معبر الكركرات قبل ثلاث سنوات، فقدت أي إمكانية للعودة إلى المعبر الذي أمّنته القوات المسلحة المغربية، وتتم الآن إعادة إعماره بشكل متدرج بالمرافق الضرورية، ما يعني أن الجبهة فقدت ورقة كانت تضغط بها على المغرب والمنتظم الدولي بإيقاف الحركة التجارية المتجهة نحو الدول الأفريقية الواقعة في الغرب الأفريقي.
ونظرا إلى انخفاض الدعم الدولي لأطروحة الانفصال تتخوف قيادة بوليساريو من انفلات قبضتها على المخيمات مع تعالي الأصوات الداعية إلى تجاوز القيادة الحالية بسبب عدم أهليتها لتدبير شؤون المحتجزين بمخيمات تندوف، والدعوة إلى خلق إطار سياسي بديل خصوصا مع فشل قيادة الجبهة في تسويق التهديد المتكرر بالعودة إلى حمل السلاح وتغيير الملامح الجغرافية للمناطق التي تراقبها بعثة مينورسو.
ومع استمرار تدهور الوضع الحقوقي والإنساني والاقتصادي وتدني مستوى الخدمات في مخيمات تندوف، اضطر عدد من قياديي بوليساريو المنخرطين سابقا في الجبهة الانفصالية إلى تأسيس إطار سياسي “مستقل” جديد أطلقوا عليه مسمى “صحراويون من أجل السلام”، للبحث عن حل سلمي لقضية الصحراء المغربية، وعزمهم التواصل مع المغرب.