الخوف من تهمة سوء التسيير يشل روح المبادرة لدى المسؤولين في الجزائر
تسعى الحكومة الجزائرية من خلال مشروع قانون يرفع التجريم عن فعل التسيير إلى فتح مجال المبادرة أمام المسؤولين لتحريك القطاعات والمؤسسات التي يديرونها ورفع المخاوف التي كبلت الإدارات طيلة السنوات الماضية، حيث بات المسؤولون يتفادون تحمل مسؤولياتهم في المسائل والملفات المتصلة بنشاطهم خشية الوقوع تحت طائلة المسائلة، الأمر الذي شل حركة التنمية والاستثمار على المستوى المحلي.
وكشف مجلس الوزراء في اجتماعه الأخير الذي عقد برئاسة رئيس الحكومة أيمن بن عبدالرحمن عن تعديلات جديدة للنصوص المتعلقة بعمل المسؤولين العموميين، والتي تضمن لهم حرية المبادرة وترفع عنهم فعل التجريم الذي ظل يلاحقهم طيلة السنوات الماضية بدعوى الحرب على الفساد وسوء تسيير المال العام.
وتأخرت هذه التعديلات كثيرا قياسا بالتوقيت الذي شدد فيه الرئيس عبدالمجيد تبون على وجوب حماية الدولة لكوادرها وممثليها، وحضهم على المبادرة واتخاذ القرار المحلي، بعيدا عن أيّ خوف من المتابعة أو التحقيقات الأمنية التي شلت حرية التصرف لدى المسؤولين المحليين.
تعديلات جديدة للنصوص المتعلقة بعمل المسؤولين العموميين تضمن لهم حرية المبادرة وترفع عنهم فعل التجريم
وتعود هذه التصريحات لتبون إلى ما قبل ثلاث سنوات في خطاب مطول تطرق فيه للتحديات الداخلية.
ويوجد العشرات من المسؤولين المحليين من إداريين وولاة وحتى منتخبين في المجالس المحلية في السجون بسبب متابعات قضائية جراء ضلوعهم في ملفات فساد وتبديد المال العام، بحسب تقارير متداولة، الأمر الذي راكم المخاوف لدى طبقة المسؤولين المحليين وحتى المركزيين، وشل لديهم روح المبادرة بسبب الخشية أن يتحول أيّ قرار إلى مصدر متاعب في حياتهم اليومية.
وذكر بيان لمجلس الوزراء بأن “رئيس الوزراء ترأس اجتماعا للحكومة خصص لدراسة العديد من الملفات، منها مشروعان تمهيديان لقانونين قدمهما وزير العدل حافظ الأختام عبدالرشيد طبي، ويتمثلان في تعديل بنود في قانون العقوبات، في إطار قراءة ثانية تهدف إلى تعزيز مكافحة الجريمة وتحسين أداء العدالة والحماية الجزائية للمعلم وكذا بعض الفئات الضعيفة”.
وأضاف البيان “يكرس هذا التعديل كذلك التزام الدولة التام من أجل مرافقة المسيرين والمستثمرين وحمايتهم، لاسيما من خلال رفع التجريم عن فعل التسيير وتجريم عرقلة فعل الاستثمار قصد الإضرار بالاقتصاد الوطني”.
وجاء في البيان أيضا “هذا المشروع قد تكفل بتعليمة رئيس الجمهورية المتعلقة بتشديد العقوبات المطبقة في مجال الغش والتزوير بكل أشكاله، ولاسيما تزوير وثائق الإقامة للحصول على عقار أو سكن بغير وجه حق”.
ويبدو أن الشلل الذي خيم على المؤسسات الحكومية ودوائر القرار المحلية قد أدى إلى فرملة مخطط الحكومة في تحريك التنمية المحلية، وتفعيل الاستثمار المعول عليه في خلق الثروة ومواطن الشغل، الأمر الذي أفضى إلى حالة من الشك داخل مفاصل الدولة، خاصة في ظل الإطاحة المستمرة برموز كانت إلى وقت قريب صاحبة قرار في إدارة الشأن العام.
ولفت البيان الى أن “المشروع التمهيدي يرمي الى إصلاح عميق ونوعي لقانون الإجراءات الجزائية قصد تكييفه مع نص وروح الإصلاحات المنبثقة عن التعديل الدستوري لأول نوفمبر 2020 ذات الصلة بقطاع العدالة”.
وشدد على أن النص الجديد يرمي إلى تحسين تسيير القضايا الجزائية ورقمنة الإجراءات وتعزيز الحقوق والحريات، وتكريس مبدأ الأمن القانوني، وكذا مكافحة الجرائم الخطيرة، بالإضافة إلى إصلاح المحكمة الجنائية ومراجعة الأحكام المتعلقة ببعض المحاكم الجنائية.
ومنذ دخول الدستور الجديد حيز التنفيذ في نوفمبر 2020، دخلت الحكومة في برنامج واسع لتكييف النصوص التشريعية مع مقاصد الوثيقة الأولى في البلاد، حيث تم تكييف العديد من القوانين الناظمة لمختلف القطاعات، وكان آخرها قانون الإعلام، والنقابات وحق الإضراب، وعمل البرلمان وقانون العقوبات، في انتظار تشريعات أخرى تتصل بقطاعات أخرى.
وعلى صعيد آخر قدم وزير التجارة وترقية الصادرات طيب زيتوني عرضا تقييميا للحكومة حول تنفيذ مخطط إعادة تأهيل وتطوير الشركة الجزائرية للمعارض والتصدير” صفاكس” بغرض تعزيز وعصرنة مساحات العرض، وإدماج خدمات جديدة تستجيب لاحتياجات العارضين ومحيطهم المباشر بغرض تمكين الشركة الجزائرية للمعارض والتصدير من تكييف عروض خدماتها مع الديناميكية الاقتصادية الوطنية الجديدة ومع أفضل الممارسات الدولية.
وفي مجال الصحة، وأمام عودة مرض السل للانتشار بعد عقود من الاختفاء، قدم وزير الصحة عبدالحق سايحي عرضا حول السياسة الوطنية لمكافحة داء السل ووسائل الوقاية من هذا المرض.
واستعرض الوزير مجمل الوسائل التي سخرتها الدولة لتحسين التكفل بالمرضى المصابين بهذا الداء وكذلك مرضى السرطان، ولاسيما من حيث إنجاز المنشآت الصحية المتخصصة والمتمثلة في مراكز مكافحة السرطان والمصالح المتخصصة المدمجة على مستوى المؤسسات العمومية للصحة، والأجهزة الطبية، إلى جانب المجهود المالي المبذول لضمان تموين منتظم بأدوية الأورام السرطانية.
وكان الرئيس تبون، قد قرر في وقت سابق، إعادة تنظيم آلية أعمال التحقيق في مسائل الفساد، حيث جرد المصالح الأمنية المحلية من صلاحية التحقيق مع المسؤولين وحصرها في الأجهزة المركزية بطلب من المسؤول الأول عن القطاع، كما أبطل العمل بما كان يعرف بـ”الرسائل المجهولة “، تفاديا للممارسات الكيدية.