تحمل اتفاقية التوأمة التي جرى توقيعها بين مدينتي العيون وهوليوود دلالات سياسية مهمة، في علاقة بنجاح الدبلوماسية المغربية في تكريس سيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية.
وقع كل من رئيس بلدية العيون كبرى مدن الصحراء المغربية، حمدي ولد الرشيد، وعمدة مدينة هوليوود بولاية فلوريدا الأميركية، جوش ليفي، اتفاقية توأمة بين المدينتين هي الأولى من نوعها على الصعيدين الأفريقي والإقليمي.
وتعكس هذه الاتفاقية نجاح الدبلوماسية الموازية في ترسيخ الاعتراف بمنطقة الصحراء أرضا مغربية، وأن النزاع الجاري حولها لا يعدو كونه مفتعلا.
وتستهدف اتفاقية التوأمة تعزيز علاقات التعاون الثنائي في المجالات الاقتصادية والثقافية والتعليمية والسياحية، في إطار التعاون اللامركزي بين المغرب والولايات المتحدة.
وتتيح الاتفاقية استكشاف فرص التعاون المشتركة في مجالات متعددة، علاوة على تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين المدينتين، وبحث فرص الاستثمار المشترك، وتطوير الروابط التجارية والاقتصادية بين الشركات والمؤسسات في كلا البلدين.
وأكد عمدة مدينة هوليوود بفلوريدا في تصريح للصحافة أن هذه الاتفاقية تمثل بداية علاقة أوثق مع مدينة العيون في المجالات الاقتصادية والثقافية، منوها بنوعية الاستثمارات والبنيات التحتية التعليمية والرياضية والسوسيو – اقتصادية والصحية بالمدينة المغربية، كما عبر عن رغبته في تعزيز العلاقات الثنائية، من خلال تبادل زيارات وفود من المدينتين.
وعرض رئيس بلدية العيون والقيادي بحزب الاستقلال المشارك في الحكومة، المنجزات والمشاريع التنموية التي تم تشييدها بمدينة العيون وكذلك المجهودات الجبارة والمتواصلة التي يقوم بها العاهل المغربي الملك محمد السادس في سبيل تنمية الأقاليم.
وأشار إلى دور المنتخبين في تدبير الشأن المحلي، وكذلك تعزيز البنيات التحتية الأساسية بالمدينة، ونقل صورة عن تدبير جماعة العيون حاضرة الأقاليم الجنوبية، وطريقة اشتغال منتخبيها في بلورة وتنزيل الورش التنموية، وبسط المؤهلات والفرص المفتوحة، واستعراض حجم الأمن والاستقرار في المنطقة.
ويضع مشروع التوأمة لبنة أخرى في سيرورة التقارب الدبلوماسي بين المغرب والولايات المتحدة، وأكد ولد الرشيد أن هذه الخطوة تكتسي أهمية بالغة من خلال ما تتيحه الشراكة مع مدينة هوليوود الأميركية من تعزيز للدبلوماسية الرسمية والموازية، ما من شأنه ترسيخ الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء الذي أقرّت به واشنطن في 2020.
واعتبر نوفل بوعمري، المحلل السياسي المغربي، أن التوأمة الموقعة بين المدينتين تدخل في إطار الدور الدبلوماسي للبلديات الترابية المنتخبة التي تمثل السكان المحليين الصحراويين، وهذا الدور يستفيد منه ملف الصحراء لأنه يبرز الأدوار الدبلوماسية للمنتخبين وأن هؤلاء ليسوا فقط منتخبين بشكل صوري بل يتمتعون بأدوار حقيقية يقومون بها على المستوى المحلي والدولي و على مستوى تعزيز مغربية الصحراء من خلال استقطاب منتخبين من مختلف مناطق العالم.
وأوضح بوعمري في تصريح لـه أن “هذا التوجه يعزز فرص انفتاح المنطقة على باقي العالم وتقديم منطقة الصحراء ليس فقط في صورة منطقة ‘نزاع’ كما يريد بذلك الخصوم، بل في صورة أخرى يتقاطع فيها الديمقراطي مع الوطني والدبلوماسي، وكل ذلك يعزز الموقف السياسي المغربي ويؤكد على الاعتراف الدولي بشرعية المؤسسات المنتخبة وبشرعية التواجد السياسي للمغرب على مختلف الواجهات، خاصة أن الأمر يتعلق بمنتخبين أميركيين وقادمين من إحدى المدن الأميركية المعروفة عالميا.
وقام أعضاء الوفد الأميركي، خلال إقامتهم في مدينة العيون، بزيارات ميدانية إلى عدد من المشاريع، سواء التي تم إنجازها أو التي توجد قيد الإنجاز، ووقفوا عن قرب على الجهود المبذولة لضمان تنمية شاملة ومستدامة بالأقاليم الجنوبية المغربية.
الاتفاقية تتيح استكشاف فرص التعاون المشتركة في مجالات متعددة، علاوة على تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين المدينتين، وبحث فرص الاستثمار المشترك
وأوضح ليفي أن القطاعات ذات الأولوية في العيون وفلوريدا متشابهة ومتكاملة، مشيرا إلى قطاعات الطيران والزراعة والتعليم. ودعا في هذا الصدد إلى إرساء تعاون وثيق بين الشركات في هوليوود والعيون عاصمة الأقاليم الجنوبية للاستفادة من فرص الاستثمار في المدينتين.
وقال المسؤول الأميركي إن مدينة العيون وصلت إلى هذا المستوى بفضل النظرة الثاقبة للملك محمد السادس وأيضا بجهود السلطات المحلية وتعاون المجالس المنتخبة، وهذا أمر يحفز مجلس مدينة هوليوود الأميركية على تبادل الخبرات والتجارب مع هذه المدينة، والعكس بالعكس.
وعلى المستوى السياسي بحث كل من محافظ جهة العيون الساقية الحمراء، عبدالسلام بيكرات، ورئيس بلدية العيون، ووفد مجلس مدينة هوليوود العلاقات التاريخية التي تربط المغرب والولايات المتحدة، كما تم تناول مستجدات الوضع المتعلق بنزاع الصحراء، وجهود المغرب من أجل حل هذا النزاع، وذلك من خلال طرحه لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وهي المبادرة التي تحظى برضى وقبول سكان الأقاليم الجنوبية وممثليهم في المجالس المنتخبة، إلى جانب الدعم المتزايد الذي باتت تحصده إقليميا ودوليا.
وتعكس اتفاقية التوأمة، التي ستمتد سنوات قابلة للتجديد التلقائي، المكانة التي باتت تحظى بها مدينة العيون على المستوى الدولي، حيث يرى المنتخبون بالمدينة أن من شأنها أن تسهم في إشعاع الإقليم الصحراوي وتثمين جهود التنمية في المنطقة ودورها المحوري في تهيئة الأرضية الأساسية لتنزيل المقترح المغربي بمنح الصحراء حكما ذاتيا، وإعطاء صورة عن التمثيلية الديمقراطية لمنتخبي جماعة العيون بما يعزز الاندماج والوحدة الترابية.
وكانت الولايات المتحدة اعترفت في ديسمبر 2020 بمغربية الصحراء، وأكدت دعمها لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية باعتبارها الحل الوحيد الكفيل بتسوية النزاع مع جبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر.