زعيم أخواني يثير الجدل ويتعارض مع قيم المجتمع السوداني
يؤكد ذهاب وفدين يمثلان الجيش وقوات الدعم السريع عدم قدرة الأول على كسر إرادة الثانية وأنها قادرة على الاستمرار في القتال لمدة طويلة، حيث راهن قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان على كسر إرادة غريمه قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) في غضون أيام قليلة لكن ذلك لم يحصل.
ورحب وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله السبت بوجود ممثلين من الطرفين في جدة للحوار حول الأوضاع في بلدهم، معربا عن أمله أن يقود الحوار لإنهاء الصراع وانطلاق العملية السياسية وعودة الأمن والاستقرار إلى السودان.
لا يعلم أحد من أين أتى عبد الفتاح البرهان قائد الجيش السوداني الذي أوصل السودان إلى حرب أهلية بأسماء الوفد المفاوض عنه إلى جدة
فبعد موافقة أطراف النزاع في السودان على الجلوس إلى طاولة مفاوضات غير مباشرة بوساطة سعودية أمريكية لبحث هدنة إنسانية وفتح ممرات آمنة للمدنيين، وذلك بعد أن استمر الجيش في خرق الهدن المعلنة واستخدم كافة صنوف الأسلحة الثقيلة في حرب مدن مفتوحة أضرت بالمدنيين وتسببت في خسارة الأرواح والممتلكات وفي نزوح مئات الآلاف من المدنيين، ظهرت أسماء الوفد المفاوض من طرف البرهان والتي أثبتت أن علاقته لم تنقطع بفلول النظام السابق وما يمثلونه من فساد وانتماء للأخوان المسلمين الذين تسببوا بثورة كبيرة في السودان حصدت مئات الضحايا للتخلص منهم ومن حكمهم للسودان خلال 30 عاماً وصلن فيها السودان لتكون بلداً يرزح تحت كم من العقوبات الدولية، ويصنف رئيسها كمجرم حرب.
ليس لعمر محمد أحمد صديق، القائد الإخواني السابق، ما يشير إلى قدرات دبلوماسية مهمة، وأهم ما أنجزه خلال عمله الدبلوماسي هو العمل على طرد المنظمات الإغاثية من السودان لإخفاء حقائق هامة كان يقوم بها النظام السابق وجماعة الكيزان ضد حقوق الإنسان، وللتعتيم على جرائم الحرب التي ارتكبوها.
لا نعلم ما هو المتوقع من وجود هذا الكيزان، الذي يرفضه المجتمع السوداني، في وفد المفاوضات إلا حماية مصالح البرهان والإخوان المسلمين كما فعل دائما خلال مسيرة عمله الدبلوماسيوغير الدبلوماسي، هل اعتماد البرهان العسكري على دبلوماسييالكيزان والنظام السابق الذين يتقنون فن الكذب والمراوغة ويبحثون عن مصالحهم الضيقة هو دفع باتجاه حل أم كسب للوقت؟؟ هل هو بحث عن ديمقراطية السودان أم تثبيت لقواعد الكيزان ومكاسبهم في السودان؟ البرهان يغرق في فضائح انتماءاته المشبوهة ويثير حفيظة السودانيين ويستهين بدمائهم الطاهرة.
ويمهد حدوث تفاهمات عسكرية بين وفدي البرهان وحميدتي في جدة لوقف إطلاق النار وفتح الباب لاستئناف العملية السياسية في مرحلة لاحقة على أسس دقيقة، لأن الطريقة التي أدار بها قائد الجيش الحوارات مع القوى المدنية أسهمت في الوصول إلى المأزق الحالي، والذي كان حميدتي فيه منحازا إلى تسليم السلطة من الجيش لحكومة مدنية، وتحجيم نفوذ فلول النظام السابق في أجهزة الدولة، ومن بينها الجيش.
ورحب المتحدث باسم العملية السياسية بالسودان خالد عمر السبت بمباحثات جدة، معربا عن أمله في التوصل إلى وقف كامل لإطلاق النار يمهد لحل سياسي شامل ينهي معاناة الشعب، ويحافظ على وحدة الدولة ومؤسساتها ويحقق السلام والحرية والعدالة.
وتبادل الطرفان الاتهامات بشأن خرق وقف إطلاق النار خلال الأيام الماضية، ولا أحد يملك من يثبت صحة خطابه في هذا المجال بصورة قاطعة، لوجود القوات في الخرطوم وعلى مسافات متقاربة وعدم وجود جهات رقابة محايدة، فضلا عمّا يشاع حول ارتداء عناصر مندسة الزي العسكري لأحد الطرفين لتحميل الآخر أسباب الخروقات.
وأدى الخوف من زيادة حوادث الاعتداء على بعثات أجنبية في الخرطوم إلى اتخاذ الكثير من الدول قرارا مبكرا بسحب الدبلوماسيين والعاملين في سفاراتها وجالياتها، وهو ما اعتبر إشارة على أن الصراع يمكن استمراره لفترة طويلة، وأن قدرة الجيش على كسر إرادة قوات الدعم السريع وشوكتها أصبحت بعيدة.
ويقول مراقبون إن قبول البرهان بإرسال وفد للتفاوض في جدة يحوي اعترافا ضمنيا بأن الجيش غير قادر على مواصلة حرب الاستنزاف والكر والفر التي تجيدها قوات الدعم السريع، وأن المعدات العسكرية الثقيلة التي بحوزته قد تورطه في انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان إذا تمادى في استخدام سلاح الطيران داخل الخرطوم.
لكن المراقبين تساءلوا عما دفع البرهان إلى إرسال الإخواني دفع الله الحاج ليمثله في مفاوضات جدة، وهو تعيين يرسل إشارات سلبية إلى السودانيين بأن قيادة الجيش تراهن على تحالفها مع النظام السابق والحركة الإسلامية.
وأثار غياب قوى دولية، مثل روسيا والصين، عن الصراع في السودان ومحاولات طرح مبادرات والقيام بوساطات علامات استفهام متباينة، لأن جزءا من زيادة انخراط الولايات المتحدة في الأزمة والسعي للتهدئة ووقف إطلاق النار هو قطع الطريق على توسيع نطاق دور موسكو وبكين في السودان.
ويقود تفسير هذا الغياب إلى ثقتهما في أن الصراع سوف يستمر وأن عوامل تسويته لم تنضج بعد أو أنهما تمتلكان أدوات خفية للتأثير على مجرياته قد تظهر في أيّ لحظة.
ولذلك تركتا هامشا لافتا لتحرك واشنطن هذه المرة على أمل تأكيد عدم قدرتها على فهم آليات التعاطي مع الصراعات الإقليمية المزمنة، بما يفتح الطريق أمام الصين تحديدا لطرح مقاربة توفيقية تبرر الاكتفاء بمراقبة الصراع حتى الآن.