ازدهار سياحة الأعمال يضع المغرب على مشارف موسم استثنائي
أكد خبراء أن استعادة المغرب تركيزه على صناعة سياحة الأعمال واستضافتها داخل البلاد، بعد النتائج الملموسة التي تحققت قبل تفشي الوباء، تعد بنمو كبير للقطاع السياحي عموما في 2023، والذي يسعى لطي صفحة أزمة هي الأقسى له منذ سنوات.
الرباط- يراهن المغرب بقوة على أن يكون وجهة عالمية لسياحة الأعمال خلال السنوات المقبلة بفضل ما يتمتع به من استقرار أمني واجتماعي، وهو ما يعزز نشاط قطاع السياحة، الذي يُعدّ أحد أبرز القطاعات الإستراتيجية لإيرادات الدولة.
وينبع تفاؤل المسؤولين مع عودة الزخم إلى السياحة منذ بداية العام الماضي، في الوقت الذي تستضيف فيه البلاد العديد من المؤتمرات والمعارض، وكان آخرها أعمال الاجتماعات السنوية المشتركة للهيئات المالية العربية المنعقد حاليا في الرباط.
ولكن التوقعات تشير إلى أن القطاع سيشهد أداء استثنائيا في 2023 مع تدفق قادة المال والأعمال إلى البلاد للمشاركة في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي، التي ستُعقد بمدينة مراكش بعد خمسة أشهر من الآن.
ومن المقرر أن تستضيف المدينة السياحية الأولى في البلاد هذه الاجتماعات خلال الفترة بين التاسع والخامس عشر من أكتوبر المقبل، بما يُمثل عودة هذا الحدث الاقتصادي الأكبر من نوعه عالميا إلى القارة الأفريقية بعد ما يناهز نصف قرن من انعقاده في كينيا.
وتتوقع السلطات المغربية حضور أكثر من 14 ألف مشارك من وزراء مالية واقتصاد ومحافظي بنوك مركزية ومسؤولين من 190 دولة، إضافة إلى ممثلي المجتمع المدني والمؤسسات المالية.
وسيكون هذا الحدث محطة ترويجٍ للوجهة المغربية لدى دول العالم، بعدما عانت الأمرّين منذ جائحة كورونا، وبعدها الحرب الروسية – الأوكرانية، ما أضرّ بهذا القطاع الحيوي، الذي يُشكّل أهم مصادر العملة الصعبة للبلاد، إلى جانب الصادرات وتحويلات المغتربين.
وتهدف رؤية المغرب للسنوات المقبلة حتى نهاية العقد الحالي لجعل السياحة أحد المحركات الرئيسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالبلاد.
وأظهرت الإحصائيات الرسمية التي تم نشرها مؤخرا أنه في الربع الأول من العام الجاري، زار السوق المحلية 2.9 مليون سائح بارتفاع 17 في المئة مقارنة بالفترة عينها من سنة 2019 القياسية.
وجاءت الزيادة، بشكل أساسي، من أسواق إسبانيا وبريطانيا وإيطاليا والولايات المتحدة، وهو ما ساهم في ارتفاع الإيرادات بنحو 141 في المئة على أساس سنوي إلى 2.5 مليار دولار.
ويزيد الرقم الذي تم تحقيقه في الفترة بين يناير ومارس الماضيين بواقع 52 في المئة مقارنة بالأشهر الثلاثة الأولى من عام 2019 قبل جائحة كورونا، وفقا لبيانات مكتب الصرف، الهيئة الحكومية المكلفة بإحصائيات التجارة الخارجية.
وكان رئيس الحكومة عزيز أخنوش قد أكد الأسبوع الماضي خلال جلسة بالبرلمان بأن السياحة تشكل أحد محركات الاقتصاد من حيث مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 7 في المئة، ودورها في توفير الوظائف لاسيما للشباب، ولذلك “يتطلب اهتماما متزايدا”.
13 مليون سائح يتوقع وصولهم إلى البلاد في 2023 على أن يبلغ العدد 15.8 مليون في 2025
واعتمد المغرب في مارس الماضي خارطة طريق جديدة لقطاع السياحة للسنوات الأربع المقبلة بميزانية تناهز 6.1 مليار درهم (580 مليون دولار) لرفع عدد السياح الأجانب من 11 مليون زائر العام الماضي إلى 17.5 مليون بحلول عام 2026.
ومن المتوقع أن تحقق الخطة إذا سارت على النحو المطلوب دون منغصات قفزة بإيرادات السياحة السنوية إلى 11.5 مليار دولار.
وتُبدي وزارة السياحة تفاؤلا كبيرا بتوقعات هذا العام لتجاوز أرقام 2022، الذي شهد دفعة قوية جرّاء المشاركة المتميزة لمنتخب المغرب في كأس العالم لكرة القدم في قطر.
ووفقا لتصريح منصف طيبي رئيس قسم التقنين والجودة بوزارة السياحة لاقتصاد الشرق من بلومبرغ فإن “الإيرادات بالعملة الصعبة بلغت العام الماضي نحو 9.2 مليار دولار، بزيادة 16 في المئة مقارنة بعام 2019”.
ويُرتَقب أن يكون 2023 عاما قياسيا للقطاع مع التخطيط لتدشين 35 خطا جويا جديدا لخدمة ثماني وجهات مغربية ابتداء من موسم الصيف، الذي يشهد توافدا كبيرا للسياح والمغتربين.
واعتبر طيبي أن ما تمّ تحقيقه على مدار الأشهر الستة عشر الماضية يبعث على التفاؤل بخصوص كامل السنة الحالية. وأشار إلى أن التركيز سينصبّ على تعزيز النقل الجوي والترويج لاستقطاب سياح من خارج الأسواق التقليدية الأوروبية.
وتتوقع وزارة السياحة أن يصل عدد الزوار الأجانب خلال العام الجاري إلى نحو 13 مليونا، على أن يرتفع الرقم إلى 14.3 مليون العام المقبل، ثم 15.8 مليون عام 2025.
لكن الخبراء يرون أن ذلك يتطلب تنويعا للمنتجات السياحية بالتركيز على الأنشطة الترفيهية وتنويع العروض ما بين الشواطئ والصحراء والجبال.
ولتعزيز مجال الفندقة، يدرس صندوق محمد السادس للاستثمار، الذي تم إطلاقه العام الماضي، إنقاذ حزمة فنادق متعثرة بسعة إجمالية تفوق 40 ألف غرفة عبر الاستحواذ على حصص أقلية فيها وإعادة تشغليها، أغلبها في المدن السياحية الكبرى مثل مراكش وأغادير.
2.9 مليون سائح في الربع الأول من العام الجاري بارتفاع 17 في المئة مقارنة بالفترة عينها من سنة 2019
ويعول المغرب على تنويع مصادر السياح بعيدا عن الأسواق الأوروبية التقليدية عبر الانفتاح على دول آسيا، خصوصا الصين والهند، إضافة إلى أميركا اللاتينية والدول العربية، حيث تختلف طبيعة السياح وتطلعاتهم وقدرتهم على الإنفاق.
ويرى الزبير بوحوت الخبير في القطاع السياحي أنه بإمكان المغرب التركيز على أسواق جديدة “بعدما كان حديث الكل في نهائي كأس العالم عام 2022، لكن ذلك يتطلب زيادة الرحلات الجوية وتنويع المعروض وإغناء التجربة السياحية”.
وكان البلد قد اعتمد التأشيرة الإلكترونية في يوليو الماضي لفائدة 49 دولة، حيث منحها لأكثر من 80 ألف سائح حصلوا على تأشيرات من أجل السياحة أو الأعمال لمدة تتراوح ما بين ثلاثة وستة أشهر، وستكون عنصر ميسرا استعدادا لاجتماعات مراكش.
وأكد بوحوت، وهو مدير سابق للمجلس الجهوي للسياحة، أن “المغرب بإمكانه من خلال الحدث العالمي المرتقب، جذب استثمارات أجنبية إلى قطاع السياحة وخصوصاً صناعة الترفيه التي يقل فيها العرض كثيرا”.
كما لفت إلى أن اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين التي يُشارك فيها قادة أعمال ومستثمرون ومؤسسات تمويلية “ستُبرز أيضاً إمكانيات استثمارية في مجالاتٍ أُخرى مثل السينما والطاقة النظيفة وحتى صناعة التكرير”.