كشف المجلس الأعلى للحسابات في المغرب، وهو هيئة دستورية، عن وجود تجاوزات في التصريح بالممتكلات لدى منتخبين وموظفين في الدولة، وأن هناك عملية تدقيق تجري في هذا الملف. ويخوض المغرب معركة مفتوحة على الفساد داخل الإدارات والبلديات.
وقالت زينب العدوي، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، في جلسة أمام البرلمان، “إن عملية فحص عينة من التصاريح بالممتلكات التي أودعها المنتخبون والموظفون الملزمون بها لدى المحاكم المالية، كشفت لدى نفس الملزم بالتصريح عن وجود تناقضات بين التصاريح المتتالية، ومنها وجود تأويلات مختلفة للأصناف المكونة للممتلكات وإغفال الإشارة إلى بعض المعطيات”.
ولفتت العدوي، خلال جلسة مشتركة لغرفتي البرلمان المغربي، إلى أن ذلك يتم اعتمادا على مقاربة تستند إلى تحديد المخاطر ارتباطا بالرهانات المالية للقطاعات المعنية، ومدى صلة وظائف الملزمين بتدبير المال العام وكذا مخرجات المهام الرقابية للمحاكم المالية، مبرزة الأهمية التي يكتسيها نموذج التصريح بالممتلكات لضمان فعالية المراقبة حتى يصبح واضحا وسهل الاستيعاب من قبل جميع الملزمين، قصد الحد من هامش التأويل والاختلاف في تحدي الغرض من البيانات موضوع التصريح.
وتعتمد هذه المراقبة على شكل وجوهر التصريح بالممتلكات للتأكد من مطابقتها لنموذج التصريح الإجباري وأيضا التأكد من صحة وشمولية البيانات والمعلومات المضمنة بها، بالإضافة إلى مدى الاتساق ما بين تطور ممتلكات الملزمين المعنيين مع تطور المداخيل المصرح بها، وكذا مخرجات المهام الرقابية للمحاكم المالية التي أصدرت بين 2021 وأبريل 2023 ما مجموعه 198 حكما.
وأكدت العدوي أن “أغلب المؤاخذات موضوع القضايا، التي بتت فيها المحاكم المالية، تتعلق بالحالات ذات الصلة بتفويت مداخيل مستحقة للجماعات الترابية، بسبب اختلالات في فرض وتحصيل المداخيل للبلديات، والتقصير في اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان التوازن المالي في عقود التدبير المفوض”.
وأوضحت الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات أن “المساءلة شملت أيضا، حالات عدم التقيد بقواعد تنفيذ النفقات العمومية والنصوص التنظيمية المتعلقة بالصفقات العمومية، لاسيما الإشهاد غير الصحيح على استلام مواد وخدمات دون التأكد من مطابقتها للخصائص التقنية المتعاقد بشأنها، وعدم احترام مساطر التسلم المؤقت والنهائي للصفقات العمومية، وكذا حصول المتعاقد معهم على منافع نقدية غير مبررة، برسم الصفقات المعنية”.
وقال رشيد لزرق، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، في تصريحات لـه ، إن الغاية من هذه الإجراءات تكريس مبادئ المحاسبة والشفافية وحماية الأموال العمومية، وبهذا فإن إلزامية التصريح بالممتلكات تعكس إرادة المغرب في إرساء وتوطيد قيم الاستقامة والنزاهة من خلال سياسة جنائية فعالة في مجال مكافحة الفساد والرشوة، لكسب رهان التخليق والحكامة وتعزيز حكم القانون طبقا لمقتضيات القانون المتعلق بإحداث التصريح الإجباري بالممتلكات.
وأوضحت العدوي أن “هيئات مراقبة التسيير والتدقيق والبت في الحسابات وجهت طلبات رفع قضايا إلى النيابة العامة لدى المحاكم المالية، حيث قامت هذه الأخيرة، انطلاقا من سنة 2021 وإلى حدود متم شهر مارس 2023، برفع ما مجموعه 59 قضية، في إطار التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية أمام هذه المحاكم، تمت في إطارها متابعة 145 مسؤولا وموظفا بمؤسسات عمومية، وكذلك منتخبين وموظفين ببلديات موزعة على عشر جهات من المملكة”.
وهناك ملفات تتعلق بتبديد واختلاس المال العام، أحالها المجلس الأعلى للحسابات على رئاسة النيابة العامة، حيث تدخل هذه الإجراءات في إطار تفعيل ما جاء في خطابات العاهل المغربي الملك محمد السادس، بضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة بتطبيق القانون على جميع المغاربة، وأنه يجب أن يطبق أولا على كل المسؤولين بدون استثناء أو تمييز، وبكافة مناطق المملكة.
واعتبر محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، في تصريح لـه ، أن عملية التدقيق الجارية تعد خطوة إيجابية في إطار محاربة الفساد وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وستعطي هذه الخطوة مصداقية للتقارير التي ينجزها المجلس سنويا، والتي كانت تثير الكثير من الانتقادات، بينها أن هذه التقارير تتحول إلى مجرد أرشيف وتبقى حبيسة الرفوف.
وتنقسم التصريحات الإجبارية للممتلكات التي جاء بها القانون إلى أربعة أنواع، تتمثل في التصريح الأولي عند التعيين أو الانتخاب في أحد مناصب المسؤولية المستوجبة لإلزامية التصريح، والتصريح التكميلي عندما تطرأ تغييرات على وضعية ممتلكات بعض الملزمين (قضاة محاكم المملكة، قضاة المحاكم المالية، بعض المنتخبين وبعض الموظفين والأعوان العموميين)، وتجديد التصريح الذي يتم في شهر فبراير كل سنتين أو ثلاث سنوات حسب الحالة، والتصريح الذي يلي انتهاء المهام أو الانتداب لأي سبب باستثناء الوفاة.
وتعمل العدوي على تجاوز ما أقرته تقارير سابقة صادرة عن المجلس ذاته التي أكدت فشل قانون التصريح بالممتلكات بالمغرب في تحقيق الأهداف المنشودة منه، وهو ما عبر عنه المجلس بالقول إن “بعض القوائم المتوصل بها ليست مطابقة للنموذج المعتمد أو تنقصها بعض المعطيات الضرورية، ما يعرقل عملية المراقبة والتتبع، ولا يمكن من إنجازها بطريقة فعالة”.
وتواجه الهيئة المخول لها مراقبة التصريح بالممتلكات عددا من الإكراهات، من بينها القاعدة الواسعة للملزمين، ما ينتج عنه إيداع أعداد كبيرة من التصريحات لدى المجلس الأعلى للحسابات، ويعرقل بالتالي عملية المراقبة والتتبع، بالإضافة إلى عدم توجيه القوائم التي طرأت عليها تغييرات للمجلس في حينه (من تعيينات جديدة أو انتهاء للمهام) وموافاته بها بعد مرور عدة أشهر من التعيين، ما يجعل تتبع إيداع التصريحات اللازمة في الآجال القانونية هدفا صعب المنال.
وتشمل لائحة الممتلكات التي يطالب المجلس الأعلى للحسابات الملزمين بضرورة التصريح الإجباري بها، العقارات والأموال المنقولة، منها الأصول التجارية والـودائع في حسابات بنكية والسندات والحصص والأسهم في الشركات والممتلكات المتحصلة عن طريق الإرث أو الاقتراض والعربات ذات محرك والتحف الفنية والأثرية والحلي والمجوهرات.