لا تزال الأزمة الدبلوماسية بين فرنسا والمغرب تراوح مكانها بسبب عدم خروج الرئاسة الفرنسية عن مواقفها الضبابية بخصوص الصحراء المغربية، وهو ما انعكس على الأنشطة الدبلوماسية والسياسية، خصوصا بعدما قررت الخارجية المغربية تأجيل زيارة وفد من مجلس الشيوخ الفرنسي كان يضم مقرّبين من الرئيس إيمانويل ماكرون.
وفي سبيل الحفاظ على ما تبقى من العلاقات مع الرباط والنفوذ الفرنسي الذي يتهاوى داخل أفريقيا، ولتجاوز الأزمة الدبلوماسية مع المملكة، تراهن بعض المؤسسات الرسمية الفرنسية على صداقة إريك سيوتي رئيس حزب “الجمهوريين” مع المغرب، والذي كشف عن زيارته المرتقبة إلى المملكة برفقة وفد من حزبه المنتمي إلى يمين الوسط، والذي يُعد من أبرز معارضي ماكرون، في الفترة من 3 إلى 5 مايو.
ولكسب ودّ الرباط، ركز الحزب اليميني على التاريخ والمستقبل عندما أكد في بيان صحافي أن “هذه الرحلة تؤكد من جديد ارتباط أسرتنا السياسية بعلاقات الصداقة التي توحد بلدينا. وبأنها جزء من استمرارية التاريخ الغني بين المملكة الشريفة والعائلة الديغولية، وهي علاقة أخوة ومسؤولية تجمع الفرنسيين والمغاربة ليس فقط حول ماض مشترك، ولكن أيضًا حول نفس الاهتمام لضمان الاستقرار والازدهار حول البحر الأبيض المتوسط اليوم، بطموح من قبل العاهل المغربي الملك محمد السادس المحاور الأساسي لقضايا البحر الأبيض المتوسط”.
ويرى هشام معتضد الخبير المغربي في العلاقات الدولية أن زيارة رئيس حزب “الجمهوريين” المرتقبة إلى المغرب لن تساهم في تجاوز الأزمة بين الرباط وباريس رغم الصداقة القوية التي تجمع سيوتي مع المملكة، لأن عمق الأزمة بين الرباط وباريس مرتبط بتبني موقف سياسي من الدولة وليس مجرد علاقات عامة.
وأوضح معتضد في تصريح لـه أن باريس تحاول منذ البداية تطويق الأزمة عبر خطابات سياسية ودبلوماسية لكسب ود الرباط، لكن المملكة لم تعد تقبل بتكتيك الخطابات الظرفية أو الزيارات البروتوكولية والشكلية لتجاوز الخلافات السياسية ذات الأبعاد السيادية.
وبعد تأجيل زيارة ماكرون إلى المغرب إلى وقت غير محدد، فإن حزب “الجمهوريين” يسعى لملء الفراغ الدبلوماسي مع الرباط، حيث تحدث سيوتي عن أن “الأمر متروك لنا لتقوية هذه العلاقة في المستقبل معا، كما هي مفيدة لفرنسا والمغرب وأفريقيا وأوروبا”.
ومنذ وصول ماكرون إلى رئاسة فرنسا، شهدت العلاقات الثنائية حالة من التوتر المتصاعد قياسا بفترات نموها في عهد الرئيسين السابقين جاك شيراك ونيكولا ساركوزي، وتراجعت مكانة فرنسا كشريك للمغرب على مستوى العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارات في الصناعة والنقل والسياحة والخدمات لحساب إسبانيا. وهذا ما يحاول حزب “الجمهوريين” تداركه خصوصا وأنه يطمح إلى رئاسة الجمهورية في الانتخابات المقبلة حيث يصنف رابع أكبر كتلة داخل الجمعية الوطنية الفرنسية.
وقال معتضد إن فرنسا الرسمية مطالبة اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، بأن تتجاوز مقاربتها الكلاسيكية في قراءة علاقاتها مع الرباط وأن تتكيف مع مستجدات العقيدة السياسية المغربية التي لم تعد تقبل النهج التقليدي لباريس في بناء علاقاتها السياسية تجاه مستعمراتها القديمة، موردا أن تجاوز الأزمة مع المغرب رهين بموقف سيادي واضح تجاه قضية الصحراء المغربية، والرباط لن تقبل بعلاقات إستراتيجية على الطريقة التقليدية مع باريس في غياب موقف دولة واضح ومسؤول في ما يخص السيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية.
◙ فرنسا الرسمية مطالبة اليوم بأن تتجاوز مقاربتها الكلاسيكية في قراءة علاقاتها مع الرباط وأن تتكيف مع مستجدات العقيدة السياسية المغربية
ومن مظاهر الخلافات بين فرنسا والمغرب، إلى جانب الموقف غير الواضح لباريس من الصحراء خلافا لإسبانيا وواشنطن وبرلين، هناك أزمة التأشيرات التي انعكست سلبا على العلاقات الثنائية، بعدما قررت باريس بشكل أحادي في سبتمبر 2021 تقليص عدد التأشيرات الممنوحة إلى النصف، مبررة ذلك برفض استعادة مهاجرين غير نظاميين تريد ترحيلهم إلى بلدانهم الأصل، وهو القرار الذي وصفته الرباط حينها بأنه “غير مبرر”.
وآخر ردود الفعل الرسمية بشأن الموضوع، وفق ما أكده ناصر بوريطة وزير الخارجية المغربي، أنه في بعض الحالات، قوبلت أعداد مهمة من طلبات التأشيرة لبلد أوروبي محدد (فرنسا) بالرفض رغم استيفاء أصحابها لكل الوثائق والشروط والضمانات المطلوبة عادة، ومنها حتى حالات حظيت بصدى في وسائل التواصل الاجتماعي، بل وتفاعلت معها الصحافة والرأي العام بالتساؤلات والتعليقات تطبعها الحدة أحيانا.
وفي إجابة على سؤال برلماني قبل أيام، قال بوريطة إن “الحصول على التأشيرة ليس حقاً يكتسب بمجرد استيفاء ملف الطلب لكافة الوثائق والشروط، وإنما التأشيرة هي في واقع الأمر ‘امتياز’، إلا أنه إذا لم يكن هناك حق في التأشيرة، فإن هناك حقا لطالب التأشيرة في أن يحظى بالاحترام والمعاملة اللائقة، اعتباراً لشخصه، واعتباراً لبلده، واعتباراً كذلك للعلاقات بين الدول، والتي يبقى كذلك الاحترام المتبادل ركنا من أركانها الأساسية”.
ورصد مراقبون أن فرنسا لم تنظر بعين الرضا إلى خطوة المغرب بتوقيع الاتفاق الثلاثي مع إسرائيل والولايات المتحدة في أغسطس 2020، واعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على صحرائه إلى جانب الاتفاقيات العسكرية والأمنية مع المغرب، خصوصا أن الرباط وواشنطن تعملان معا للقضاء على الجماعات الإرهابية في مالي ومنطقة الساحل لتأمين مرور أنبوب الغاز النيجيري نحو أوروبا، وهو ما يؤثر على نفوذ فرنسا في المنطقة.