نساء من مرتيل يكسرن هيمنة الرجال على الصيد البحري

دفعت الحاجة عددا من النساء المغربيات إلى اقتحام مجال الصيد البحري الذي كان حكرا على الرجال فسبرن أغواره واشتغلن في مجالات متعددة مثل خياطة شباك الصيد وإعداد الطعم وتجهيز مستلزمات الصيد وغسل القوارب لفائدة أزيد من 52 قارب صيد في مرتيل. كما ساهمن في تأسيس تعاونية نوعية لإدماج نساء البحارة لمساعدة أزواجهن وتحقيق التمكين الاقتصادي.

اختارت خديجة حبيبي المضي قدما في مسارها البحري لتحقيق حلم لطالما راودها منذ عقود، بعدما اشتغلت في مجال الصيد البحري التقليدي لإعالة أسرتها بمدينة مرتيل في المغرب، حيث ارتبطت بمهنة كانت حكرا على الرجال.

وتأتى خديجة للاصطفاف إلى جانب رجال البحر (البحارة) بغية سبر أغوار مهنة الصيادين التقليديين في مسعى منها لكسب القوت اليومي، قبل أن يلتقي حماسها بحماس خمس نساء أخريات من المدينة الساحلية، حيث اتفقن على وضع اللبنة الأولى لتعاونية نسائية نوعية في الشمال المغربي خاصة بالصيد التقليدي في مدينة مرتيل.

وتقول خديجة إن التعاونية أسست قبل نحو عام ونصف العام وكانت فكرتها قد تبلورت لديها بعد امتهانها مهنة تنظيف قوارب الصيد للصيادين في نقطة التفريغ بمرتيل، مبرزة أن دخولها هذا العالم كان بسبب حالة الفقر التي تعيشها أسرتها وخاصة عقب تفشي وباء كورونا.

وأوضحت رئيسة التعاونية خديجة حبيبي أن البحارة في مرتيل استقبلوها بالكثير من الترحاب وكانت في البداية تقوم بغسل قوارب الصيد، قبل أن تفكر بعد مشاورات في تأسيس تعاونية نسائية في هذا المجال لإدماج نساء البحارة في المهنة لمساعدة أزواجهن وتحقيق التمكين الاقتصادي.

عدد المنخرطات في التعاونية 16 منخرطة، يشتغلن في مجالات متعددة ويساهمن في خياطة شباك الصيد

ووجدت خديجة، كما تقول، إقبالا مكثفا من قبل النساء في مرتيل، حيث الأسر محافظة، ما سمح لها بإعلان انطلاقة تعاونية سمتها تعاونية “مقدة”.

وبلغ عدد المنخرطات في هذه التعاونية حتى اليوم 16 منخرطة، يشتغلن في مجالات متعددة ويساهمن في خياطة شباك الصيد وإعداد الطعم وتجهيز مستلزمات الصيد وغسل القوارب لفائدة أزيد من 52 قارب صيد في مرتيل.

وتؤكد رئيسة التعاونية أن هذه التعاونية أصبح يضرب بها المثل على الصعيدين المحلي والوطني “بفضل عملها على خلق فرص الشغل للنساء وزوجات البحارة المشتغلين في الميدان”، مما دفعها إلى التفكير في إقحام نساء المدينة لدخول البحر عبر قوارب خاصة حيث تمكنت حوالي ثماني نساء في المدينة من تسلم 8 دفاتر للصيد.

وتتواصل أحلام خديجة حبيبي والنساء الأخريات في تعاونية “مقدة” بمرتيل، حيث يستعددن لإخراج عدد من المشاريع المدرة للدخل إلى حيز الوجود مما سيمكنهن من المساهمة في الاقتصاد المحلي بالمدينة والارتقاء بنساء المنطقة زوجات البحارة على الخصوص لتحقيق الأحلام وإثبات جدية النساء في العمل في مجال ظل حكرا على الرجال.

وتراهن تعاونية “مقدة” اليوم على عقد شراكة مع الهيئات المجتمعية المختلفة، بهدف تبادل الخبرات المهنية والتكوينية، وكذلك عقد شراكات مع مؤسسات وطنية ودولية للنهوض بالمرأة العاملة، والرقي بالوضعية السوسيواقتصادية لنساء المنطقة.

وشرعت نساء تعاونية “مُقدة”، المتخصصة في مهن الصيد البحري بمدينة مارتيل، في الاستفادة من تكوين متخصص في مجال خياطة وإصلاح شباك الصيد التقليدي.

ويهدف هذا التكوين الذي يتم في المركز الثقافي “ليرشوندي” بمارتيل إلى تلقين نساء التعاونية مهارات عالية ومتكاملة تخول لهن اقتحام عالم الشغل من أوسع أبوابه.

 

النساء يخطن الشباك ويعددن مستلزمات الصيد
النساء يخطن الشباك ويعددن مستلزمات الصيد

 

وتقول رئيسة تعاونية “مُقدة” خديجة حبيبي إن “حرفة خياطة الشباك تتطلب المزيد من الجهد والوقت، لأن الغرض من التكوين هو إتقان الحرفة بمهارة عالية”.

وسيستمر هذا التكوين، الذي انطلق منذ مطلع شهر أبريل الجاري، لمدة شهرين قابلة للتجديد، وذلك بتمويل ذاتي من طرف تعاونية “مقدة”.

وتتكون التعاونية من 17 عضوة، يجمعهن شغف ركوب البحر والرغبة في تحقيق الذات، وتحقيق الاستقلالية المادية أسوة بباقي ممتهني مهن الصيد البحري.

وتؤكد خديجة حبيبي أن “تعاونية مُقدة مستمرة في تنزيل برنامجها العملي، والذي يهدف إلى تحقيق التمكين الاقتصادي لنساء مارتيل عامة، وإدماج المرأة في قطاع الصيد البحري، تنفيذا للتعليمات الملكية السامية، وتماشيا مع مخطط المغرب الأزرق”.

وقد تأسست تعاونية “مُقدة” في منتصف أكتوبر 2021، وتؤكد رئيسة التعاونية أنها “لم تتقدم بطلب دعم لأي جهة ولم تحصل على أي تمويل أو دعم مالي من أي جهة منذ تأسيس التعاونية”.

وتضيف خديجة حبيبي أن هذه التعاونية هي مقاولة تعاونية مكتملة النصاب، تعمل بشكل قانوني، ومستقلة بذاتها لا تتبع أي جهة. وتعمل وفق القوانين الجاري بها العمل المفروضة من طرف إدارة قطاع الصيد البحري وإدارة مكتب تنمية التعاون، وتهدف، حسب رئيسة التعاونية، إلى إعطاء صورة جديدة للجيل الجديد من المقاولات التعاونية، النسائية منها تحديدا.

Thumbnail

وفضلا عن خياطة وإصلاح شباك الصيد البحري التقليدي، تتخصص تعاونية “مُقدة” كذلك في صناعة طعم الصيد، علاوة على تنظيف القوارب، في انتظار مزاولة الصيد التقليدي.

وقد تمكنت التعاونية من أن تصبح تعاونية رائدة في ظرف زمني قياسي، حيث توجت في 20 مارس الماضي بالجائزة الوطنية “لالة المتعاونة”، لأحسن فكرة تطوير مشروع تعاوني نسائي، التي نظمتها وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، ومكتب تنمية التعاون، تحت شعار “من أجل تعاونيات نسائية رائدة”.

وتعد “مُقدة” التعاونية الوحيدة، المتخصصة في قطاع الصيد البحري عبر التراب المغربي، التي فازت بجائزة “لالة المتعاونة” في نسختها الرابعة.

كما تحدت الكثير من القرويات -بفضل طموحهن- الفقر، وتمكّنّ من تحقيق اكتفاء ذاتي ساهم بدوره في خوضهن غمار التجارة في عالم المعارض والأسواق من خلال انخراطهن في تعاونية نسوية للمحار، بعدما كن يعانين قساوة البرد وصعوبة جمع وتقشير ما يسمى “بوزروك”. منهن فتيات في مقتبل العمر وأخريات كبيرات، تحدين كل الصعاب من أجل الحصول على بعض المال لتغطية مصاريف حياتهن لتصبح تعاونيتهن بعد العناء والشقاء التعاونية الوحيدة على الصعيد الأفريقي التي أتيحت لها رخصة البيع من خلال احترامها لمعايير الجودة.

يذكر أن السيدة فاضمة الركراكي، رئيسة التعاونية النسوية للمنتوجات البحرية، هي أول عضوة في غرفة الصيد البحري الأطلسية الوسطى لأكادير، وقد تم تأسيس التعاونية في إطار دعم التسيير المستدام وتثمين المنتجات البحرية بدعم تقني ومالي من طرف عدد من الشركاء بالمغرب وخارجه. وتساهم التعاونية في تثمين المنتجات البحرية عبر معالجة بلح البحر وتجفيفه وإعداده للتسويق وفق نظم صحية وجودة عالية، وقد تحصلت التعاونية على جائزة التعاونية النموذجية خلال الدورة الثالثة لفعاليات اليوتيس سنة 2015.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: