رمضان تحول إلى إسهال ببرامج تافهة تسيء للفنان المغربي
ممثلون ومنتجون ومخرجون يعيشون لأنفسهم، لديهم بضاعة يريدون ترويجها، مثلهم مثل الفئات الأخرى التي تتاجر بأي شيء يحقق أرباحاً، ولا تهمهم الأضرار التي تلحق بمجتمعاتهم، أو الأذية التي يسببونها لناسهم.
فقد اقترب رمضان من نهايته ولم يعد يفصلنا عن العيد سوى أيام معدودات.. فرح في الأرض والسماءوفي قلوب التواقين لرحمة الله، فرصة لنهدأ ونطمئن ونرتقي، وتربية للنفس على التكافل والتراحموكل مشاعر الخير وأحاسيس النبل.. أيام قليلة و سهل علينا العيد، لتغمرنا نفحات الرحمة ونسائمالمغفرة. ووعيا منها بكل هذه المعاني الإيمانية، تُطِلُّ علينا قنواتنا الوطنية بجدول مغرٍ، ولا فيالأحلام.. برامج ومسلسلات من كل حدب وصوب، تَأْتينا كل سنة وهي زاخرة بأطنان من التَّفاهات،ويا ليتها لم تأت!
صباح مساء وعلى مدار الأسبوع، برمجة مختلفة الألوان والأشكال، تجعلك ممددا طيلة اليوم أمامالتلفاز، شغلك الشاغل أن تكشف من قتل من؟ من أحب من؟ من تزوج من.. لقد فكروا واشتغلوا طيلةأحد عشر شهرا، لِيُؤَمِّنُوا لنا كل الرفاهية السمعية والبصرية من داخل بيوتنا.. يسْعون لراحتناالنفسية ونحن صيام، أقول لهم: لا شغل الله لكم بالا.. نحن بخير، ما دمنا لا نتابع قنواتكم!
تبدأ الحملة الإعلامية أياما قبل استقبال شهر رمضان: انتظرونا.. حصرياً على شاشتكم.. نجمالجيل الصاعد كما لم تروه من قبل.. لأول مرة على قناة.. بعد غياب طويل، فاتنة الشاشة تطلعليكم.. والكثير الكثير من الإعلانات التي تسم الأبدان من فظاعتها.
وما إن نتمكن من رؤية الهلال، حتى تنطلق عاصفة البرمجة الرمضانية؛ مسلسل تلو الآخر.. فهذاتدور أحداثه في إطار كوميدي ساخر، وذاك عبارة عن دراما اجتماعية مليئة بالمشاعر الجياشة،يختلط فيها الحب بالوفاء، فنحن شعوب لا تعرف معنى الأحاسيس إلا على شاشة التلفاز، والآخرمقتبس من الرواية الأكثر مبيعا في العالم العربي، وهذا مسلسل أكشن وتشويق داخل كواليسالجريمة والمحاكم، وتلك الإعادة الألف لمسرحية، توفي نصف ممثليها والنصف الآخر قابع بينجدران المستشفيات، وهذا أيضا مسلسل بدون سيناريو لكنهم أدرجوه، كيف لا وميزانيته تتعدىتلك المخصصة لقطاع بأكمله! دون أن ننسى برنامجا دينيا أو اثنين على الأكثر، للتكفير عن ذنوبالممثلين، السَّابِقِ ارتكابها .
والأهم من ذلك كله، دقائق الكاميرا الخفية التي تحاول إيقاع “شخصية مشهورة “في الفخلاستفزازها، او برنامج تافه من شخص تافه لا علاقة له لا بالتقديم و لا بالفكاهة يستهزىءبالفنانين المغاربة و يحاول قياس تحملهم و غضبهم ، استهتار و استهزاء بقدرات مغربية أعطتالكثير للسينما و للشاشة المغربية ليجعله هذا المتطفل على الميدان أضحوكة أمام حفنة منالشباب الفاقد للبوصلة ، كأنه لا تكفينا المتفجرات والحروب والوحوش التي تتجول على أراضينا،حتى تفيض النعم، ونصنعها نحن بأنفسنا، إخافة للناس أو بالأحرى ضحكاً على ذقونالمشاهدين! بالله عليكم، من صاحب هذه الأفكار؟ كيف تطاوعهم أنفسهم تصوير أعمال مبتذلة،تستهزئ بوعي وذوق المتابعين، ولا تُوَلِّد ٌإلا مزيدا من الاجترار!
أخبروا المسؤولين عن هذه القنوات، أننا نستشيط غضبا طيلة السنة، فلا داعي أن يطوروا مستوىالرداءة والمُيوعة في رمضان، التمسوا منهم الحفاظ على ما بقي من صحتنا النفسية، فلقد طفحالكيل وبلغ السيل الزبى.. وبالمناسبة، ذَكروهم أن برامجهم تلك، لا تمت للترفيه عن النفس أو خفةالدم بصلة.
أتساءل دائما عن سر ربط وقت الإفطار بالحاجة إلى الضحك والفكاهة، من وضع هذه القوانين؟ كأن َّرمضان عبء ثقيل على كاهلنا، تنتظر النفس طرحه كما تطرح القافلة أعباءها، وهذا “الترفيه” ماهو إلا وسيلة لمساعدتنا على تحمل انقضاء الشهر الكريم؛ فكلما أمضينا وقتا أطول ونحن نتابعالتلفاز، إلا ومرت أيامه بسرعة.
أَوَلَسْنَا نصوم إيمانا واحتسابا؟ أَوَلَسْنَا ننتظر بشوق تلك الدعوة التي لا ترد؟ فكيف لعمل، يقولعنه الله عز وجل في حديث قدسي:” كل عمل ابن أدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به“، أن يكونهما وغما على قلوبنا!
لا أنكر أن بعض البرامج ذات محتوى تثقيفي وتربوي غني، ولكن لماذا يتم بثها فقط في هذه الأيامالمباركة؟ تغيب طيلة السنة لتظهر وهلال أول الشهر.
ورغم كل الانتقادات التي تطال هذه “المنوعات“، فنِسَبُ المشاهدة الاستثنائية غالبا ما تصدمك.. صدمة لا يوازيها سوى تلك التي تعقب اطلاعك على ميزانية بعض المسلسلات.. مبالغ طائلة ، تُجْمع من ضرائب، لا زالت تَنخر جيوب المواطن البسيط. لعل هذه النسب المرتفعة راجعة إلى صعوبة قطع الصلة بعادات وممارسات، ليست سوى توسيعا للهوة بيننا وبين الفهم الصحيح للدين، في زمن أصبح فيه التغيير مقتصرا على وضع صورة على الفايسبوك أو كتابة تغريدة على التويتر..