هذه التكاليف الاقتصادية للأزمة السياسية بين إسبانيا والجزائر
تحت عنوان “الجزائر – إسبانيا: التكاليف الاقتصادية للأزمة السياسية”، قالت أسبوعية “لوبوان” الفرنسية إن موجة الصدمة التي أحدثتها الأزمة بين الجزائر ومدريد مازالت ارتدادها مستمرة، لا سيما على صعيد التبادلات الاقتصادية بين البلدين، بينما ما يزال هناك أمل ضئيل في العودة إلى الوضع الطبيعي في المستقبل القريب.
“لوبوان” ذكَّرت بأن الجزائر كانت قد علّقت في شهر يونيو من العام الماضي معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون المبرمة مع إسبانيا في عام 2002، واستدعت سفيرها لدى مدريد، وذلك بعد تحول موقف حكومة بيدرو سانشيز بشأن مسألة الصحراء المغربية لصالح المغرب، التي قطعت معها الجزائر العلاقات الدبلوماسية. ووصفت مصادر رسمية جزائرية، شريطة عدم الكشف عن هويتها لوسائل الإعلام، موقف مدريد بأنه “خيانة تاريخية”.
وأضافت “لوبوان” القول إن هذه القطعية تلقي بثقلها على عدة مجالات للتعاون بين البلدين، لا سيما ملف الهجرة غير النظامية؛ ولكن قبل كل شيء الجانب الاقتصادي.. ففي شهر يونيو عام 2022 طلبت مذكرة صادرة عن جمعية البنوك والمؤسسات المالية (ABEF)، موجهة إلى مديري البنوك والمؤسسات المالية الجزائرية، تجميد مراكز البنوك لعمليات التجارة الخارجية للمنتجات والخدمات من وإلى إسبانيا. وهو ما شكل ضربة حقيقية موجعة للمشغلين الاقتصاديين في كلا البلدين، حتى وإن كانت جمعية البنوك والمؤسسات المالية الجزائرية تراجعت عن قرارها بعد ذلك ببضعة أسابيع.
لكن الضربة كانت قد ذهبت، على حد وصف “لوبوان”، موضحة نقلا عن عامل جزائري أنه “في الواقع، لا شيء يأتي من إسبانيا”. تم تجميد كل التجارة بين البلدين تقريبًا، ولم تعد المصانع الجزائرية تجد مدخلات إسبانية، وتجد المؤسسات المالية الأيبيرية المتمركزة في الجزائر العاصمة نفسها في حالة انسداد خانق. وحتى لو تعهدت الجزائر بعدم التشكيك في صادرات الغاز الطبيعي إلى إسبانيا – 40 في المئة من الغاز المستهلك في إسبانيا جاء من الجزائر في عام 2021 – تظل الحقيقة أن أسعار الصادرات قد تم تعديلها بالزيادة.
انخفاض الصادرات بنسبة 93 في المئة
وتابعت “لوبوان” التوضيح أن انهيار التجارة وصل إلى درجة أنه في أوائل شهر أبريل الجاري طالبت حوالي ثلاثين شركة اقتصادية إسبانية بتعويضات من حكومة سانشيز عن خسائرهم، والتي تقدر بنحو 300 مليون يورو في عام واحد.
فوفقًا للبيانات الأخيرة من شركة ICEX أسبانيا للتصدير والاستثمار (كيان عام لتعزيز الاقتصاد والأعمال دوليًا)، فإن ما لا يقل عن 129475 شركة إسبانية توقفت عن إبرام اتفاقيات تجارية مع الجزائر منذ العام الماضي، في حين أن عدد المصدرين إلى الجزائر تراجع من 222،603 إلى 189،573.
وبحسب المصدر ذاته، بلغ معدل تراجع الصادرات 93 في المئة في شهر ديسمبر الماضي 10.8 مليون يورو، مقارنة بمتوسط شهري بلغ 169 مليون يورو في الفترة من شهر يناير إلى شهر مايو من العام 2022. وبلغ العجز 6575 مليون يورو. واضطرت الشركات الإسبانية، كما في منطقة فالنسيا، العام الماضي إلى البحث عن منافذ غير الجزائر لصادراتها، خاصة إلى فرنسا والبرتغال. وزادت صادرات الغاز الطبيعي فقط بنسبة 59 في المئة العام الماضي.
ومضت “لوبوان” إلى القول إنه في مواجهة الوضع الكارثي الذي يمر به عدد كبير من الشركات الإسبانية، تحاول السلطات إيجاد حلول. وهكذا، أتاحت الشركة الإسبانية لتأمين ائتمان الصادرات (CESCE) خط دعم خاص لأصحاب المشاريع الذين تأثرت ميزانيتهم العمومية سلبًا بسبب الصراع مع الجزائر، وفقًا لوسائل الإعلام الإسبانية. تريد مدريد أيضًا طلب المساعدة من المفوضية الأوروبية لمساعدة هذه الشركات.
لكن بروكسل، في الوقت الحالي، لم تتخذ أي إجراء في هذا الاتجاه، على الرغم من أن المفوضية الأوروبية أشارت بوضوح إلى أنها لن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة “أي نوع من الإجراءات المطبقة ضد دولة عضو”، كما يتذكر إسباني جريدة.
دعا الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ونائب رئيس المفوضية الأوروبية، جوزيب بوريل، خلال زيارته إلى الجزائر العاصمة في منتصف مارس، إلى “إيجاد حل للعقبات التجارية التي تم إدخالها منذ يونيو 2022″، مؤكدا أن ذلك في “المصلحة المشتركة” لبروكسل والجزائر العاصمة، لأن 56 في المئة من صادرات الجزائر موجهة إلى الاتحاد الأوروبي وأن حجم الواردات 43 في المئة.
وأضاف بوريل أن “هذا المأزق ضار جدًا بتطبيق اتفاقية الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي ولا يخدم مصالح أي طرف”. وقال بروفي إنه “مقتنع بأن الحل ما يزال ممكنًا، ويجب العمل معًا للتوصل إليه بسرعة”.
لكن “لوبوان” قالت إنه لا يبدو أن الأزمة ستحل في أي وقت قريب، والرهان الجزائري على تغيير على رأس السلطة التنفيذية الإسبانية لصالح الانتخابات التشريعية المقبلة في نهاية عام 2023 يظل افتراضيًا. وفقًا لخبير إسباني، فإن وصول حزب الشعب إلى السلطة، على سبيل المثال، لن يغير الوضع بشأن الموقف تجاه الصحراء المغربية، حتى لو “قد يكون له فروق دقيقة كما عبرت عنها إدارة بايدن، بالتأكيد على دور الأمم المتحدة. لكن في الماضي، سعت التغييرات الحكومية دائمًا إلى تعزيز العلاقات مع المغرب”.